مجلة الرسالة/العدد 405/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 405/البريد الأدبي
دراسة اجتماعية لبعض قبائل السودان
في عصر يوم الخميس الماضي ألقى الأستاذ محمد جلال عبد الحميد في سراي الجمعية الزراعية الملكية محاضرة موضوعها (دراسة اجتماعية لبعض قبائل السودان)، وهي ملخص لمشاهداته ودراساته العلمية أثناء رحلة استغرقت نحو السنتين بين هذه القبائل في السودان وأوغندا، استهلها بنبذة قصيرة في تاريخ البعثات الإثنولوجية بالسودان وأواسط إفريقية فقال: إن البعثات في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر كانت جغرافية وعسكرية ودينية، ولم تبدأ البعثات الإثنولوجية في تلك المناطق إلا في نهاية القرن الثامن عشر، وآخر هذه البعثات هي التي قام بها هو في حوض النيل ابتداء من أكتوبر سنة 1936 إلى ديسمبر سنة 1940؛ فبحث فيها أولاً عن الريف المصري، ومنطقة نيمولي، والمنطقة الجنوبية من مديرية الجزيرة، ومنطقة البحر الأحمر، ومنطقة بلاد النوبة؛ وثانياً عن الثروة العلمية لحوض النيل.
ثم انتقل إلى دراسة البيئة الجغرافية وأثرها في السكان. ثم تكلم عن الأجناس البشرية، ثم عن الحياة الاجتماعية، ثم عن الحياة الدينية، ثم عن الحياة الأدبية والفنية، ثم عن النشاط المادي؛ وختم المحاضرة بخلاصة لدراسة سكان حوض النيل من الوجهة العلمية، وإمكان وجود قانون اجتماعي للتطور البشري، وقد اكتفينا بسرد عناصر هذه المحاضرة القيمة اعتماداً على أن الأستاذ المحاضر سيرسل إلينا خلاصة وافية لها.
وقد قدم المحاضر إلى الجمهور الدكتور محمد محمود غالي بهذه الكلمة:
عندما سمح سعادة فؤاد أباظة باشا لجماعة تبسيط المعارف أن يقوموا بإلقاء محاضرات في السراي الصغرى، كان هذا كسباً لأعضاء هذه الجماعة، وهذه هي المحاضرة الثانية يلقيها صديقنا الأستاذ محمد جلال عبد الحميد، يحدثنا فيها عن شيء من بحوثه الاجتماعية عن قبائل تحيا في الحوض الطبيعي ذاته الذي نحيا فيه وعلى النهر العظيم الذي نعتمد عليه.
كان يربطني بصديقي المحاضر ذكريات تجعلني أثق بشخصه وأنظر بعين الاطمئنان لبحوثه، وإنني سعيد باهتمام حضرة صاحب السعادة أباظة باشا بشأن جلال ومعاونة سعادته له ودعوته إياه، هذه الدعوة التي جاءت تكريماً لصديقنا العالم.
رأيت المحاضر لأول مرة في باريس منذ عشر سنوات، ولم تكن قد صقلته الأيام بعد، أو غيرت فيه ما تلقنه من المجتمع أو المنزل أو المدرسة. دخل (السوربون) يتخبط كغيره ليعلم ما لا يعلم، ويهضم ما يتعلم، ويوازن بين ما كان يعلم وما يجب أن يعلم؛ ولم يكن لجلال معين يكفيه مئونة العيش، فكافح للأمرين: كافح للكسب أولاً وللتعليم ثانياً. وظننت في وقت أنه سيخر صريع هذا الكفاح العنيف، ولكنه كسب عيشه في باريس شريفاً، وصرف ذلك من أجل ما هو أشرف: في الدرس والتحصيل. وعلمته الأيام يتكون، وكيف يكون رجلاً.
جمعتنا مصر بعد فرقة، وسعى إلى يحدثني عما فعل، وأي شرف ناله من هذا السعي، وأي غبطة شعرت بها عندما تتبعت الفروع التي نجح فيها، وأي فرح غمرني عندما علمت أنه أصبح مبعوثاً لمعهد الأجناس الفرنسي لدراسة المناطق الإفريقية التي لا يقبل الكثير منا على ارتيادها، ثم مبعوثاً لجامعة فؤاد الأول. عندئذ علمت أن الرجل قد تكون، وأنه نال تقدير العلماء. بعد ذلك رحل وحيداً إلى قبائل (المابان) وغيرها، وعاد بعد غيبة طويلة، ثم عرج إلى مناطق الحدود المصرية السودانية على ساحل البحر الأحمر. وها نحن أولاء نسترق من الصديق العالم ساعة قبيل رحلته التي سيقوم بها بعد يومين إلى بلاد النوبة.
محمد محمود غالي
تعقيب على مقال
في المقال الذي نشره الدكتور زكي مبارك في العدد 402 من الرسالة، رداً على، مسألتان جديرتان بالتعقيب، وهما:
1 - أن الدكتور قال: إنه قد عدى (حرم) بالحرف (أي من) في بعض قصائده، وهو يتعدى بنفسه، فاعترض عليه بعض أدباء الشرق، فدافع عن هذه التعدية بأنه قد يرى المعنى في بعض الأحايين لا يؤدي تأدية صحيحة إلا إذا عبر عنه بتلك الصورة - وهو نفس الدفاع الذي اعتضد به الدكتور في تعدية (أمكن) باللام.
وأقول لحضرة الدكتور أن الفعل (حرم) يتعدى بمن أيضاً. وعندي شاهد لذلك عثرت عليه في بعض مطالعاتي للأغاني.
1 - أن الدكتور ذكر في هذا المقال استطراداً أن العوامري بك كان كتب في مجلة المجمع اللغوي عن (نادي التجديف) بالدال المهملة، فكان من رأيه أن (التجديف) بالذال المعجمة، قال الدكتور: وقد ناقشته يومئذ في جريدة البلاغ، فقلت أن الشعراني في مؤلفاته يرسمها بالقاف، فيقول: (التقذيف) الخ ما قال.
وأقول لحضرة الدكتور: إني رجعت إلى مجلة المجمع اللغوي، فوجدت أن العوامري بك لا يقول شيئاً من ذلك، بل رأيته قد خطأ التجديف والتجذيف والتقذيف. وقال إن الصواب هو: الجدف والجذف والقذف، مصادر جدف وجذف وقذف. وبرهن على ما قال في بحث مسهب.
أقول: وأما أن الشعراني في مؤلفاته يرسمها بالقاف فيقول: (التقذيف)، فالشعراني ليس بحجة. ولعله يحكي اللفظ الذي كان شائعاً في زمنه، كما يقول المصريون الآن: (التجديف). وليس بين معنى (الجدف) و (التجديف) صلة، إذ (التجديف) هو الكفر بالنعمة.
أ. ع
نصيب السودان من جهاد الديمقراطية
جميل من مكتب الصحافة أن يطالعنا بأسماء أبنائنا الألى جادوا بالأنفس العوالي والمهج الغوالي في تدعيم أركان السلام، سلام قوامه المبادئ الصحيحة والقوميات المعتدلة التي يهمها أن تبقى وإن تساعد الغير على البقاء، وإن تعين الإنسانية على الخير والنماء.
وجميل من مكتب الصحافة أن يسجل لنا والحرب دائرة رحاها أننا لم نكن في المؤخرة يوم أن حمى الوطيس بين الخير والشر. وجميل منه أن يبادر فيلبسنا تلك القلادة الفاخرة التي يشهد العالم أجمع أننا لم نرض أن يطغى الطغيان على هذا الكون فيعذب الإنسانية ويكبلها بأقسى القيود ونحن واقفون موقف المتفرج الذي لا يهمه الأمر؛ بل قمنا بنصيبنا في حفظ تراث الإنسانية الخالد الذي قام على الفضيلة والحق والمساواة.
أجل! فليشهد العالم أننا قمنا بنصيبنا في حفظ تراث الإنسانية نصيباً بذلناه في سبيل المال على ما نحن فيه من عسر، فبعثنا به إلى ما وراء البحار لنشعر أنفسنا هنالك أننا لم نكن ناسين ما هم فيه ولا جاحدين ما يعملون. وليشهد العالم أننا قد قمنا بنصيبنا فقدمنا إلى الموت أنفساً عزيزة علينا في ذاتها عزيزة علينا لأن بلادنا قلة منها، بل وتشكو أرضنا القافلة والبوار حيث لم تجد من يعمرها فيجيها ولا من يثتثمرها فيغنيها.
قدمناها إلى الموت أنفساً كان في حياتها للبلاد نماء وثراء، وقدمنا إلى الموت أنفسا كانت لأهلها أملاً ورجاء. وقدمنا إلى الموت أنفسا كانت للنزلاء عوناً وسخاء ولجاراتها ذخراً لدى البلوى وبهجة في الخير والسراء.
قدمناها لتحمي ذمار الإنسانية وليلقى عدوها من أيدي أصحابها بلاء ونكالاً ما داموا أحياء، ولينوء - إن ماتوا - ملطخاً بدمائهم وهي على وجهه عاراً ولأبنائه شناراً.
أما هم ففي موتهم خلود، وفي موتهم فخار، وفي موتهم حياة. خلود لأسمائهم وبلادهم وحياة للإنسانية الطاهرة التي لا ترضى أن تسود الفوضى ويتحكم الطغيان.
ففي ذمة الله من مات ولينم في خلده منعما بما حفظت له البلاد من يد هي سندها يوم أن تجلس الأمم لمطالعة الحساب وهي باقة عبقة نقدمها لأبناء الإمبراطورية يوم يزف لهم النصر الأخير.
وأنتم أيها الجرحى فلتهنئوا بما متعكم الله به من أوسمة لا تخلع وبما حمدته لكم البلاد من بلاء لا يجحد. إذ أنكم أقمتم الدليل على أنكم لم تهابوا الموت ولم ترحموا العدو حتى تقاكم بما عطلكم عنه أياماً نرجو ألا تطول لتتمكنوا من العودة إلى حيث تسهرون عينه وتطيرون لبه؛ فلا يقوى على حمل السلاح ليتقيكم به، بل يتقيكم بما يكف أيديكم عنه (وهو الاستسلام) لأنكم لم تقصدوا تعذيب بني البشر وإنما قصدتم أن تهزموا الشر الذي كان قد استحوذ على النفوس فأغواها وأضلها عن السبيل السوي والخير المشترك.
(الخرطوم)
عبد الله عبد الرحمن
جريدة (الإصلاح) في عامها الخامس
دخلت جريدة (الإصلاح) التي يصدرها بالسنبلاوين الأستاذ عبد الفتاح قنصوه في عامها الخامس، وهي أتم ما كانت استعداداً، وأصدق ما تكون اجتهاداً، وأبصر بالغاية التي تتوخاها منذ أنشئت، وهي علاج الأدواء الاجتماعية بالحكمة الهادية والموعظة الحسنة، حتى غدت في إقليمي الدقهلية والشرقية وحدة اجتماعية وأدبية لها أثرها الظاهر ومكانها المعروف. و (الرسالة) تقدم إلى زميلتها العاملة اخلص التهنئات بعامها الجديد، وتدعو الله أن يديم عليها التوفيق في خدمة الله والوطن.
(مكتوب على الجبين) للأستاذ محمود تيمور
بعث إلى الأستاذ محمود تيمور بسفره القيم (مكتوب على الجبين) فأنست إليه وقتاً غمرني فيه بألوان اللذة والمتاع فكان من أسعد الأوقات لنفسي، سعادة العقل بإحساس الجمال، وإرهاف الحس بتذوق الفن، وإمتاع النفس برائع التصوير، وهو إذ يطالع العربية بمكتوب على الجبين يضيف إلى القصة تحفة فنية من الأدب العالي، وصفحات خصبة من القصص السامي، وعالم جديد يطفر بالفكر إلى لحياة الرقيقة، ويشير إلى المثل العليا من العاطفة.
مكتوب على الجبين مجهر ينفذ إلى الأعماق فيظهر وراءه ما دق من خلجات النفوس، ودنيا زاخرة بألوان العواطف. ولم ينهج الفنان فيه نهجه في مؤلفاته الأولى وإنما تجلت في مؤلفه الأخير دقة تعبير، وسلامة نظر، وهدوء طبع، ساعد المؤلف على كشف نواحي مغمورة في أدب القصة. ومكتوب على الجبين مجموعة تنتظم من قصص صغيرة تتناول نواحي حيوية مختلفة بالبحث الدقيق والتحليل العميق، فهو يستلهم فنه من الأعماق كما يتصيد الغواص أثمن اللآلئ من أعماق البحر، وهو الآن لا يكتب عن حوادث واقعية وكلها من ابتكار الخيال المحض، فهو إذ يبتكر صورة تكون شخصاً أقرب إليك من أشخاص الحياة، يمتعك الفنان إذ تشهد حوادث القصة وهي تسير سيراً مألوفاً ينفذ إلى النفس حقيقة تتسم بمبسم الواقع ولا يخطر ببال أنها من عمل الخيال الفني البارع في تشبيهاته ومعانيه بالغاً غاية الطرافة والإبداع ما يستهوي النفس ويأخذ بمجامع القلوب قد تأمل أن أذكر لك ما هذه القصص، وفي ذلك عبث بجمالها وسحرها.
صدر الأستاذ كتابه بموضوع فريد عن كتابة القصة الفنية تتلوه أربع عشرة قصة منها: (كان في غابر الزمان - العيون الخضر - ذات مساء - ابتسامة - قلب كبير - و. . . كلها من روائع القصص، وشعاع الحس المرهف، والخيال البديع الذي يخلع على الفن آيات الجمال؛ وللأستاذ أسلوب سهل لين يحاكي النسيم رقة، وأنت إذ تطالع قصصه، سرعان ما تحلق بك إلى سماء الفن، إلى أعالي لبنان وجبالها الشامخة، وبين ربوعها الجميلة وأنسامها العاطرة، إلى الصحراء الواسعة وبين صخورها، إلى المجتمع الصاخب، إلى الموسيقى البديعة، إلى. . . إلى. . .
ومكتوب على الجبين هو عاشر مجلد أخرجه الأستاذ محمود تيمور في العربية، وله في الفرنسية، وله في الألمانية مجموعة ترجمها واختارها المستشرق السويسري الدكتور (ديودمار)؛ ولا غنى لمثقف عن مطالعة مؤلفات الأستاذ تيمور عامة، ومكتوب على الجبين خاصة: ففيها غذاء العقل والروح وتعتبر بحق أثمن وأجل ما ظهر في أدب القصة وذلك ما يشهد للأستاذ بالإبداع، ويكتب لآثاره الفنية الخلود.
فإلى الفنان أبعث آيات الإعجاب والتقدير. . . والى القصة تهنئتي بأميرها الأستاذ تيمور.
طه عبد الحميد الشميمي