مجلة الرسالة/العدد 405/لذكرى المولد النبوي

مجلة الرسالة/العدد 405/لذكرى المولد النبوي

ملاحظات: بتاريخ: 07 - 04 - 1941



ميلاد نبي. . .

للأستاذ محمد عبد الغني حسن

مَنْ ذلكَ المبعوثُ في الصَّحْراء ... كالصُّبح بْينَ جوانبِ الظَّلْمَاءِ؟

نُورٌ مِن الحقَّ المُبين ومطْلعٌ ... جَاَءتْ به البُشْرَى معَ الأنباءِ

قَبسٌ من اللهِ الكريم وشُعْلةٌ ... من رجمةٍ ومنارةٌ لضياءِ

يَجدُ السُّراةُ به دَليلَ سَبيِلهمْ ... وَمَنارَهُم في الظُّلمَةِ العَشْواء

كانوا حَيَارَى ما تألَّفَ جَمْعُهُمْ ... في عُصْبَةٍ أو ألفُوا بإخاءِ

يَتَخَبَّطُونَ على ظلامٍ حالكٍ ... جهمِ العواصِف مُظلمِ الأنواء

ما فيه من وَضَحِ الطَّريقِ معالمٌ ... أو فيه من هَدْىِ السَّبيل مَرائي

هذا طريقُ الجاهليةِ لم يكنْ ... إلا طريقَ الخُلفِ والشَّحناء

تَجدوهُمُ فيه نوازعُ فتنةٍ ... وتحثهُمْ فيه دَوَافعُ دَاء. . .

هذا طريقُ الجاهلية موحشٌ ... ما فيه من نَبْتٍ ولا خَضْراء

يتعثر السّارونَ فيه بخُطوةٍ ... مَحْبوسَةٍ وَمَوَاطئ عَمْيَاء

لا يَستِقرُ على المسيرِ قرارُهُمْ ... كيفَ القَرارُ على الطَّريقِ النَّائي

هذا طريقُ الشركِ مُختلط الصُّوى ... وَعْرُ المساِلك ضَيقُ الأنْحَاء

ما فيه من مَسْعى بَغيرِ تعثرٍ ... أو فيه من قدمٍ بلا إعْيَاء

يمشي الحَيَارَى فيه بين مَسَاربٍ ... مَطْمُوسةٍ ومًعالمٍ نَكْراء

متحيرين على السَّبيِل كأنهُمْ ... قَدْ مَسَّهم جِنُ مِنَ الصَّحْراءِ

شاءٌ بِلا رَاعٍ يؤلفُ بَينَها ... وَرَوَاحلٌ تمِشي بغَيِر حُدَاءِ

أيْنَ الدَّليلُ على السَّبيِل يَسُوقَها ... وَيردُّ عنها صَوَلَة الأعداء؟

هَذا ظَلامُ الجِاهليِة لم يكنْ ... إلا ظلامَ الفِكر والآراء

أدْجَى من الليل البهيم حُلوكةً ... وأشَدّ وَقْعاً منْ يدٍ سَوداء

كانوا خَفَافيشَ الدَّياجي لم تَعِشْ ... إلا بجوٍ حَالك الأرْجَاء

يَمْشُون في الجْهِل القَدِيم قبائلاً ... يَتَرسَّمُونَ به خُطى الآباءِ متفرقين هُناك. . . لم يتفَّيأوا ... لخميلةٍ. . . أو يُمْسِكوا ببناءِ

عَبَدُوا من الأوْثَانِ كلَّ حجارة ... مَنْحوتةٍ أو صَخْرَةٍ َصَّماء

وأدُوا وَلِيدَتَهْم بغيرِ جريرةٍ ... أرأيْتَ مَقْتُولاً بغيرِ جَزَاء

ما ذنُبها حتَّى يًعَقَّرَ لَحْدُها ... برمالِ تلكَ الُحْفرِة الصَّفْرَاء؟

لو أنها سُئِلتْ لكانَ جَوَابُها ... يُدْمِى القُلوبَ بأنفُسِ الرُّحَمَاء

إرثٌ من الجَهْلِ البغيضِ وفكرةٌ ... أدْلَى بها الآباءُ للأبْنَاء

الجهلُ رَقْطاءٌ يُسمم نَابُها ... كيْفَ الحياةُ على يَدِ الرقْطاء؟

وَبد الصَّباح على بَطائح مكةٍ ... ضَاحى المشارقِ سَاِطَع الأضواء

يمشي إلى النُّوامِ في غَفَلاتهم ... ويُفِيُقُهْم مِنْ هَجْعَةِ الإغفاء

يا أيها النوامُ. . .! أن مَساءكمُ ... قد غَيَّبَتْه جوانبُ البَيْداء

ومحنه كفُّ الله وهي كفيلةٌ ... بالصُّبحِ واللمَعَانِ واللألاَء

في نور (أحْمَدَ) منه نُورُ سَاطعٌ ... أكِرْم بتلكَ الآيةِ البَيْضَاء

يَمْشي على ظلَم الجزيرِة ماحياً ... ظُلماتِ تلك الشبهِة القَتْماء

الليل طُال على الهجودِ فابْشِروا ... بالفَجر بيْن سنَي وبين سَنَاء!

هذه عَمُوُد الصُّبح أبْلَج واضحاً ... يَمْشي بنور الحُجْةِ الغرَّاء

هذا هو الحقُّ المبينُ فلم يكنْ ... خُدَعَ السَّرب ولا مخَاَيلَ ماء

هو نعمة لله من قبائلٍ ... ما كان أحْوَجها إلى النَّعماء

فَضْل تمثلَ في ظهور (محمدٍ) ... والله جمُّ الفضل والآلاء

هذا الصباح على الجزيرِة مشرقٌ ... في كل رُكْنٍ منه لمْحُ رَجَاء

قد آذن الليلُ البهيمُ بجًلْوَةٍ ... وانشقَّ عن صُبْحٍ بَغْيِر خَفَاء

نُورٌ أضاَء الحقُّ في جَنباته ... مُتألق النَّسَمات والأنْداء

تَنْجابُ عن مَسْراه كل دُجُنَّةٍ ... ويغيبُ من مرآهُ كلُّ مَسَاء

تلك الأشعةُ من خِلالِ وميضه ... فيها لمرضَى النَّفِس كلُّ شِفَاء

بُشراكمُ مَرْضَى القلوبِ، فإنما ... جَاَء الطبيبُ لكُم بخْيِر دَوَاء

هذا نبي الله أشْرَقَ بينكم ... وأتى لكُم بالوحْي والإيحاء الله يُلهمهُ بكل كريمة ... ويُمدُّه بالنَّصر والنُّصراء

هذا المبَّرأ من عيوب زمانهِ ... والخالصُ الخالِي مِنَ الأقذاء

لم يَمشِ في الجهلِ القديم ولم يكنْ ... من يَومه في زُمرِة الجهلاء

الله صفَّاهُ لنُصرةِ دينه ... واختارهُ لتحُّمل الأعْباء

حَمَل الأذاةَ فكان أقوى عُدةً ... وأشدَّ مُصْطَبَرًا على الإيذاء

هذا الوفىُّ لربهِ ولدينِه ... هل يَنْجَحُ المسْعَى بغير وفاء؟

يا مَن تَغُرُّهُمُ الحياةُ رخيصةً ... الله في أخذٍ وفي إعْطاء!

هذا الفقيرُ أتى يقودُ جماعةً ... استعصتْ منهُ بخيرِ لِواء

قُلْ للمُدِلَّ بجاهِه وبمالهِ ... المالُ ليس مُكوَّن العُظماء

هذا رسولُ الله لم يَعْقُدْ به ... عن مجِده أن كان في الفُقراء

يا مُلْكَ قَيَصْرَ قد رُزِئتَ بحادثٍ ... ما شاهدتهُ الرومُ في الأرزاء

ميلادُ (أحمدَ) كان مولدَ أمةٍ ... عربيةٍ وشريعةٍ سمحاء

خرجتْ من الصَّحْراءِ أصْلبَ مكسراً ... كصلابةٍ الأحْجار في الصَّحْراء

الرُّمحُ في يدها عَسِيُر المُلْتَوَي ... والسيفُ في يدها صَقِيلُ الماء

كانَتْ أشدَّ علي السَّلامِ رعاية ... وأشد صبراً في رَحَى الهْيجاء

تَدْعُو إلى الإسلامِ كلَّ جماعةٍ ... ونُجيبُ في الإسْلام كلَّ نِدَاء

محمد عبد الغني حسن