مجلة الرسالة/العدد 430/المصريون المحدثون

مجلة الرسالة/العدد 430/المصريون المحدثون

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 09 - 1941


7 - المصريون المحدثون

شمائلهم وعاداتهم

في النصف الأول من القرن التاسع عشر

تأليف المستشرق الإنجليزي ادورد وليم لين

للأستاذ عدلي طاهر نور

تابع الفصل الأول - الملابس

أما ملابس الطبقة السفلى فهي جد بسيطة: يلبسون سروالاً فوقه قميص طويل فضفاض، أو ثوباً أزرق طويل الأكمام من الكتان أو القطن أو من الصوف الأسمر؛ ويسمى الأول (عريا) والآخر (زعبوطاً)، وهو يشق ابتداء من الرقبة إلى الوسط تقريباً. ويتمنطق البعض بمنطقة بيضاء أو حمراء من الصوف؛ والخدم يتحزمون بحزام عريض أحمر اللون من الصوف أو من الجلد وبه عادة كيس لحفظ النقود. وعمامة العامة شال من الصوف أبيض أو أحمر أو أصفر، أو قطعة من غليظ القطن أو الحرير الموصلي تلف حول طربوش تحته لبدة بيضاء أو سمراء. وبعض الفقراء لا يملكون غير اللبدة؛ فلا عمامة ولا سراويل ولا نعل. إنما يرتدون الجلباب الأزرق أو الأسمر أو أسمالاً بالية. وعلى النقيض من ذلك يرتدي الكثيرون صدرياً تحت الجلباب الأزرق؛ ويلبس بعضهم وعلى الأخص خدم العظماء، جلباباً أبيض وصدرياً وقفطاناً وجبة، أو أحدهما ثم (العرى) الأزرق أخيراً. وتشد أكمام (العرى) الواسعة إلى أعلى بحبل يمر حول كل من الكتفين ويشبك خلف الظهر ويعقد. وقد تعود الخدم (والسواسن خاصة) هذه الطريقة، ويستعملون لها حبالاً من الحرير الأحمر أو الأزرق القاتم. ويرتدي الكثير من أفراد الشعب في الشتاء عباءة كالتي وصفناها من قبل، ولكنها أغلظ منها، وبدلاً من اللون الأسود تكون أحياناً ذات خطوط عريضة سمراء وبيضاء أو زرقاء. وهناك نوع آخر من الأكسية كثير الاستعمال يتخذ من الصوف الأسود أو الأزرق القاتم، وهو أوسع من العباءة ويسمى (دفية). أما النعال فهي من الجلد المراكشي الأحمر أو الأصفر أو من جلد الخراف. ونعال السواس تكون من الج المراكشي الأحمر القاتم، ولكن أحذية البوابين والسقائين تكون عادة من الجلد الأصفر.

وتمتاز عمامة المسلم باللون عن عمامة القبطي واليهودي وغيرهما من رعايا الباب العالي، فهؤلاء يعتمون بالأسود أو الأزرق أو الرمادي أو الأسمر الخفيف، ويلبسون عامة الثياب القاتمة. ويرجع استخدام الألوان للتمييز بين المذاهب والعشائر والأسر المالكة إلى عهد بعيد. فإن الإمام إبراهيم بن محمد لما قتله الخليفة الأموي مروان اتخذ بنو العباس الثياب السود لباساً لهم حداداً عليه، ومن هنا أصبح سواد اللباس والعمامة الزي المميز للعباسيين وولاتهم. حتى أنهم كانوا إذا غضبوا على عامل حكموا عليه بلبس أبيض. أما اللون الأبيض فقد أختاره مدعي النبوة (المقنع) ليميز حزبه عن العباسيين، كما أختاره فواطم القاهرة لعدائهم لبني العباس. وكان سلطان مصر الملك الأشرف شعبان الذي حكم من سنة 764 إلى 778 هجرية - 1362 إلى 1376 ميلادية أول من أمر بتمييز الأشراف بالعمامة الخضراء. ومن الدراويش الرفاعيين من يلبسون عمامة من الصوف الأسود أو من الموصلي الزيتوني القاتم. أما عمامة الأقباط واليهود وغيرهم. فهي عادة من الموصلي أو الكتان الأسود أو الأزرق. والعمامة الغالبة الآن في مصر لا تختلف أشكالها كثيراً. فعمائم الخدم معقدة ذات تلافيف حلزونية مدرجة، وكذلك عمائم كبار التجار والمتوسطين منهم وغيرهم من سكان العاصمة والمدن الكبيرة، إلا أنها أقل حجماً منها. والعمامة التركية في مصر أكثر أناقة؛ والعمامة السورية تمتاز بسعتها. وكان العلماء ورجال الدين والأدب يلبسون العمامة الواسعة الكبيرة ويسمونها (مُقلة) كما ترى في شكل 16. والعمامة موضع الاحترام والإجلال؛ فلها في منازل الموسرين كرسي توضع عليه ليلاً ولا يستعمل لغير هذا الغرض. وكثيراً ما يعد هذا الكرسي في جهاز العروس؛ كما كان من المعتاد أيضاً أن يكون للمرأة كرسي آخر لغطاء رأسها. وتحضرني حكاية قصها عليّ صديق أسوقها إليك مثالاً لمقدار الاحترام الذي يكنه الشعب للعمامة. فقد رووا أن عالماً سقط من فوق حماره في شارع من شوارع المدينة فتدحرجت مقلته بعيداً عنه. فتجمع المارون وأخذوا يجرون وراء العمامة صائحين: ارفعوا تاج الإسلام! ارفعوا تاج الإسلام! بينما كان العالم المسكين طريح الأرض يناديهم مغتاظاً: (أنهضوا أولاً شيخ الإسلام).

تنتقل الآن إلى وصف هيئة النساء العامة وملامحهن. فالمصريات منذ بلوغهن سن الرابعة عشرة حتى العشرين، هن من حيث الجسم مثال الجمال؛ ومحياهن يسر العين، ويجذب النفس. ولكن سرعان ما يذوى هذا الجمال بعد أن يستحير الشباب ويستكمل الجسم نموه. وطبيعة الجو تؤثر على طبيعة الصدر قبل الأوان، فترتخي هيئته وتستوي أجزاءه؛ بينما يحتفظ الوجه بكل فتنته. وبالرغم من أن تراخي الزمن لا يذهب رواءهن، فإن كثيرات منهن متى بلغن الأربعين يصبحن، ولو كن جميلات في شبابهن، قبيحات الصورة كريهات المنظر. وأنوثة المصريات يبدأ نموها عند التاسعة أو العاشرة تقريباً؛ فتبلغ عنفوانها في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة. ويلاحظ أن سحن النساء كسحن الرجال؛ إلا أن الشمس لاحتجابهن لا تسفعهن، ويمتزن بمحياهن البيضى الجميل، وقد يعرُض في بعضهن. أما العيون فدعجاء، نجلاء، لوزية الشكل، وطفاء الأهداب، تفيض وداعة تملك النفوس، وسحراً يسبي القلوب، ولم أر فيما رأيت عيوناً أجمل من العيون المصرية. ويزيدها جاذبية احتجاب الملامح بالنقاب. وتأثيرها في النفوس يزيده كحل الجفون كما ترى في شكل 17. والكحل سناج اللبان العطري المحروق. ويصنع أيضاً من سناج قشر اللوز. وهذان النوعان مع الاعتقاد بفائدتهما للعين يستعملان للزينة فقط. إلا أن هناك أنواعاً أخرى تستعمل لخواصها الطبية الحقيقية، وأخصها مسحوق الرصاص، المضاف إليه العنزروت وعرق الذهب وسكر النبات ومسحوق الذهب البندقي، وأحياناً مسحوق اللآلئ ويقال إن الأثمد كان يستعمل قبلاً لتكحيل أصول الأهداب. وتكحل العين بمِرْود صغير من الخشب أو العاج أو الفضة، دقيق الطرف كليل الحد، يبلّ أحياناً بماء الورد ثم يغمس في المسحوق ويمرر بين الجفنين. والوعاء الزجاجي الذي يوضع فيه الكحل يسمى (مُكْحَلة) كما ترى في شكل 18.

وعادة التكحل كانت شائعة بين الجنسين في مصر القديمة؛ وهي ظاهرة في نقوش المعبد والمقابر المصرية ورسومها. وكثيراً ما أكتشف في المقابر القديمة مكاحل فيها آثار الكحل ومراودها، (شكل 19).

ولكن طريقة التكحل القديمة تختلف بعض الاختلاف عن الطريقة الحديثة كما ترى في شكل 20. وقد رأيت في ضواحي القاهرة نساء يكحلن أعينهن على الطريقة القديمة، ولم أصادف ذلك إلا مرتين.

وهذه الطريقة نفسها كانت شائعة في عقائل الإغريق ونساء اليهود في قديم الزمن. وعين المصرية على الجملة أجمل ما في وجهها. ويلاحظ أن جمال الملامح في المصريات أقل من جمال الهيئة؛ ولكني بصرت بوجوه يميزها نوع من الحسن ينم عن حلاوة العذوبة ويعبر عن فتنة الأنوثة؛ فيأخذ بمجامع القلب إلى حد ينكر الإنسان وقتاً ما أن الله لم يخلق للمصريات مثيلات في أي بلد آخر. والقليل من النساء يسفرن أمام الغريب مدفوعات إلى ذلك بالرغبة في إظهار جمالهن وإن ادعين غير ذلك. ومن ثم لا يستطيع الأجنبي أن يبنى رأياً صحيحاً من هؤلاء النسوة. ولكن مثل هذه العيون لا يمكن أن تخلق إلا في الوجه الحسن ولو كانت تقاطيعه متوسطة الجمال؛ أما الأنف فمستقيم القنا؛ والشفاه أغلظ من شفاه الرجال دون أن تصل إلى غلظة شفاه الزنوج؛ غير أن الفم وغيره من قسمات الوجه تقرب من الجنس الحبشي. وأما الشعر فهو من ذلك الأسود الحالك المصقول الذي يناسب السحن كلها غير السحنة البيضاء، وقد يكون غليظاً بعض الشيء، ذا حلق من دون تجعيد. ويخضب نساء الطبقات الراقية والوسطى والكثير من الفقيرات أيديهن وأقدامهن بأوراق الحناء، فتكتسب أطرافهن لوناً أحمر مشرباً بالصفرة، أو برتقالياً قاتماً. والكثيرات منهن لا يصبغن غير أظافر الأصابع، وبعضهن لا يتعدين عقود الأنامل، والبعض الآخر يرسمن خطأ على وصف العقود التالية؛ وغير ذلك من الأشكال الغريبة الأخرى. إلا أن الطريقة الغالبة هي تخضيب أطراف الأيدي والأرجل حتى المفاصل الأولى، وكذلك راحة الكف وبطن القدم؛ وأحياناً يضاف خط بجانب المفاصل الوسطى وآخر فوق أصابع القدم بقليل، والخضاب يكون بسحق أوراق الحناء وعجنها بالماء، ثم تبسط على راحة الكف وأجزاء اليد الأخرى، ثم تثنى الأصابع وتقبض اليد، وتربط برباط من الكتان ليلة بطولها؛ وكذلك القدم. ولا ينصل الخضاب إلا بعد أيام، فيجدد كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. وعادة الخضاب ليست قاصرة على مصر، بل تتعداها إلى بلدان الشرق التي يمونها شاطئ النيل بالحناء.

والحناء على الأظافر تكون أكثر لمعاناً وأشد صفاء وأطول بقاء. كما أن تخضيبها أو تخضيب الأصابع يعتبر بحق زينة للنساء، إذ يحسن لون البشرة ويكسبه رقة. بيْد أن بعض النساء يعمدن إلى طرق لا يستسيغها الذوق الأوربي، فيُعقبن الحناء بمعجون من الجير والسناج وزيت بذر الكتان فيتحول لون الحناء الجميل إلى لون اسود أو زيتوني مشرب بالسواد. وكثيراً ما يلاحظ ميل النساء إلى هذه الطريقة فيُريْنَ مخضبات الأظافر أو الأصابع بهذا اللون القاتم، إلا أنهن يتركن العقود الوسطى بحمرة الحناء؛ والكف على النقيض من ذلك يتوسطه خط عريض أسود؛ وبعضهن يتبعن ابسط الطرق فيسودن الأنامل وراحة الكف كلها.

(يتبع)

عدلي طاهر نور