مجلة الرسالة/العدد 431/شاعر الجرمان الأعظم

مجلة الرسالة/العدد 431/شاعر الجرمان الأعظم

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 10 - 1941



يحيى ولفغنغ غوث

لأستاذ جليل

طالع (يحيى ولفغنغ غوث) ناظم معاني (إن بالشعب. . .) باللسان الجرماني على الدنيا سنة 1749 وغاب سنة 1832

وشعر ونثر - وقد هذب الدهر لغة القوم - فحير وبهر.

وقد روى الراوون محققين وصادقين أنه قَرزمَ وهو ابن ست سنين! (يا يحيى، خذ الكتابَ بقوة، وآتيناه الحكم صبيّا).

وهو ثاني أثنين في الأقاليم الغربية لا ثالث معهما، وان يكون الثالث. . . وإن سبق صاحب (هملت) في القريض بجملة أقواله فقد بذَّ غوثٌ شكسبير بفوست. ليست لشكسبير شبيهة فوست.

وغوث هذا هو ذو المنقبتين أعني العبقريتين: العبقرية الشعرية، والعبقرية العلمية. وهما عبقريتان لا تلتقيان عند إنسان. فأعظمْ بدماغ لف هاتين القوتين، وألّف بين الَّضرتين! أعظم به ثم أعظم!!

ولقد ظاهرت مؤلفات هذا العبقري مقالات الوحديين والنشوئيين وأشياعهم كما ظاهرهم قريضه - أيمّا مظاهرة.

وقال في (التحول) في مباحثه ذات القدر في النبات والحيوان مستقرياً مدققاً، ومفصلاً موضحاً، وهادياً أولى النهى إلى تلك القرابات الواشجات قبل أن يقول ابن لامرك، وقبل أن نسمع ابن دروين. ويدُ هَذين العلّمين العلامتين في تينك المقالتين المشهورتين بما بسطا في شرحهما ذا البسط وبتلك الإحاطة - مذكورة مشكورة لا تكفر. وللسلف الصالح كلمات في هذه المعاني مختصرة متفرقة في المصنفات مبثوثة في المواضع المختلفة، وفي بعضها ما يلاقي تصريح بخنر وهيكل وهكسلي.

وفي (الرسالة) ذات الرقم255 ص848 جملة ابن خلدون المجملة في تدريج التكوين. إنه سنة الله في إنشاء الكائنات (ولن تجد لسنة الله تبديلا)

والأستاذ (أرنست هيكل) يذكر في أكثر كتبه أعظم شعراء الجرمان ومفكريهم - كما يصفه - مفخماً ومتقوياً بأقواله في مقالته (الوَحدية) ومباحثه المحكمة المحققة النشوئية. وقد أورد في كتابه (تأريخ الخلق الطبيعي) في الباب الرابع نصوصاً أو شذرات من مؤلفات (غوث) تعلن سبقه رجال (المذهب) في الاهتداء إلى ما هداه الله إليه.

وكان نابغة الجرمان، سيد الجرمان يجل قائدنا وهادينا (أبا القاسم) إجلالاً كبيراً. ولن تغشّى حسناتٍ لغوث تخاليطُ في (رواية). وقصيدته في يوم النصر، يوم الفصل، يوم (بدر) وشهدائه المؤمنين الخالدين الأبطال - شمس تضيء، شمس مضيئة أو سورة. وإن قوله في (القرآن) لهو القول. إنه يراه قد أعطِى فيه كل مقام حقه، وأخذ كل معنى من مقاصده لفظه كما يراه قوياً (إشْتْتِرْنكْ) عظيماً سامياً متعالياً (إرْهابِنْ) رائعاً مهيباً (فورْشْتْبارْ) قد خرق العادة؛ فلا غرو أن يبلغ أثره في العالم حيث بلغ.

يا كتاب محمد، يا كتاب عظيم الدنيا، يا أعظم كتاب في هذا الكون، يا خالق هذى الأمة، يا باني ذاك المجد، هل يعرفك حق معرفتك إلا العبقريون، إلا الأقطاب الأغواث (الغوثيون)؟!

هل يعرفك الجهلاء الأغبياء البله العمهون؟

هل يعرفك العوام أو أشباه العوام من الأدبيين والمعمعيين؟

هل يعرفك الشعارير أو المتشاعرون والكوتبيون الصغيرون الحقيرون الأّمعون؟

هل يعرفك كل وغد نغل (مزور) مائن من المضللين الوقحين؟

ألا إن القرآن في الكلام مثل محمد في الأنام، فإن وجدت لمحمد خطيراً ألفيت للقرآن نظيراً (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً).

وكان الأستاذ الأكبر (أرنست هيكل) يجهر كذلك بتبجيل (أكبر معاني الكون وصفوة النوع الإنساني)، وبتفضيل شرعته

- والإسلام يعلو ولا يُعْلى - على تينك النحلتين. وذكره معظماً في كتابه (أحاجي الكون) أو معضلات الكون - وفي غيره من كتبه - وأظهر في ذلك الكتاب الهادي أثر زيارته مساجد في نفسه حينما جاء الشرق (سنة 1873) مادحاً هدوءاً وخشوعاً وسكينة فيها، وهاجياً ضجيجاً وعجيجاً وشعبذة في معابد أقوام وملة سماهم وسماها، ولا أرى أنا أن أسميهم أو أسميها قي هذا المقام حتى لا يغضب أصحاب لنا وأحباب.

وغوث مطوق بفضل علمه وأدبه أجياد جميع الجرمانيين، ولم يتفلت من قيد إحسانه متفلت منهم. فكل جرماني - كما يقول أحد الجرامنة - إما أن يكون قد درس مؤلفات غوث فاستفاد منها، أو استفاد ممن درس مؤلفات غوث. ففضلُ (ذي المنقبتين) قد عم القوم قاطبة - عموماً.

وإن شئت فقل: إن أمة غوث تتلو صحفه كما يتلو أهل الحنيفية (الكتاب) وكما يقرأ القراءون من اليهود والنصارى التوراة والإنجيل.

وكتبه عند الجرمانيين ثروة كريمة جسيمة، وقد أربت على أكثر من مأتي مؤلف.

وغوث هو شائد الوحدة الجرمانية الحق؛ فلغته وأدبه هما اللذان جمعا كلمة أولئك الأقوام المتفرقة، وألفا بين قلوبهم المتوزعة.

ولو أقامت (سياسة بسمرك) ألف سنة تجد في الضم والتأليف ما ألفت بين قلوبهم، ولكن غوثا ألف بينهم. إن سلطان الأدب والأديب واللغة في الأمم لقوى عظيم.

وصيت هذا العبقري ومكانته في غير أمته من الغربيين مثلهما في أمته. وخلقه العالي وفضائله أعظم من شعره العجيب وعلمه. قال له كبير ذات يوم: يا غوث، لقد أفاد الناس سلوكك، وسيرتك أكثر مما استفادوا من علمك وأدبك. وأدبه وعلمه هما ما علمت.

وإن بلاغة غوث وبراعة شكسبير لتعجزان عن أن تبينا فضائل تلك السيرة مزاياها وعجائبها، فالجأ إلى التوهم واسجن في عالمه.

وقال نابليون بونابرت وهو يومئ بيده إلى القطب الغوث (غيث): هذا رجل!

ولو أنصف هذا الملك لقال: هذا ملك.

إنما غوث ملك: ما هذا بشراً، إنْ هذا إلا مَلكٌ كريم! وإن غوثاً وأمثال غوث من العبقريين العظيميين الكرام الكاتبين الكاملين، لمستغنون جد مستغنين عن شهادات الممجدين وإطراء المطرين من النابوليين وأشباه النابوليين.

إنه الشمس تبدت ضحوة، نورها الباهر خير الشاهدين. . .