مجلة الرسالة/العدد 444/برقة

مجلة الرسالة/العدد 444/برقة

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 01 - 1942



للأستاذ عبد اللطيف النشار

ما بَرْقة تلك التي خَلقَتْ لنا ... شغلاً وشغلاً للهواجس في غد

تلك التي حمل ابن أوس هما ... في بارع بادي الجمال مخلد

(أصَبا الأصائل إن برقة مَنشد ... تشكو اختلافك بالهموم العوَّد)

أم برقة أخرى وكم من برقة ... أخفى تألقها اتساع الفدفد

قد كدت أنساها لطول تذكري ... فضللت حتى كدت أَلاَّ أهتدي

(يا جارة الوادي) ولست بجارة ... إن لم تردي عنه كيد المعتدي

ثأرُ السنوسيين لما ينسه ... أهل العروبة واللسان والأمجد

جبّتْ عروبتنا عهوداً قبلها ... ومضت حفائظنا وراء المسجد

مضت الألوف من السنين بما حوت ... مما حمدناه وما لم نحمد

والآن يقرئ بالسلام يمينَهم ... ويسارًهم أبناء دين محمد

ولقد شهدت وأدمعي منهلة ... أسراكمو، يا ليتني لم أشهد!

أتحالفون لغزو مصر عدوكم ... وعدوَّها وعدو أهل السؤدد

يا جارتا إن كنت غير مطيقة ... إدراك ثأرك فاغضبي وتمردي

أما لا ألوم على المساوئ أهلها ... إن كنت لما تدركي فتجلدي

إني لأذكرها فأذكر شاعراً ... (ظن الظنون فبات غير موسد)

ماذا شهدت؟ شهدت أسمج مشهد ... فتيان رومةَ في القميص الأسود

وأظنهم لا ينزعون سوادهم ... لا بل يحك عليهمو بالمبرد

صدأ العقول كسا الجسوم بلونه ... فمشوا عراة مشية المتبلد

فرحوا بأسرهمو فدان ألوفهم ... في موكب الأسرى لفرد أوحد

لا بل همو اعتادوا المذلة قبلها ... فبلادهم تعنو لرأي مفرد

متبجح جعل الصياح أداته ... فسما على أكتاف شعب مُجْهد

لا تطلبوا من خاضع حرية ... (صعب على الإنسان ما لم يعتد)

أمر الجنود بغزو صر فأذعنوا ... وأتوا إلى مصر بغير تردد لا فاتحين ولا غزاة وإنما ... أُمروا فكانوا طوع أمر السيد

ووراءهم (عَرَبٌ) فوا أسفالهم ... لِمَ يتبعون جيوش طاغ معتد؟

وإذا أردت عن الحروب نبوة ... فانظر إلى الجندي ماذا يرتدي

الفاتحون، ثيابُهم ولحاهمو ... شهدت لهم بعقاب يوم مُرْصّد

شِعر أُغصُّ به فذلكموا أخي ... ولو أنه في نهجه لم يرشد

لو كنت من أبناء برقة ما خطت ... رجلي إلى مصر وسيفي في يدي

هيا أدخلوها راكعين وسجداً ... أنتم بمصرٍ عند أقدس معبد

لو يشهد (المختار) أسرى برقة ... لرثى لشعب في الهوان مبدد

سد يا حليف فكل فرد سيد ... لكن شعبك ما له من سيد

لا ندعى لك عصمة في موقف ... لا بل نقول لصاحب لا تبعد

طال الخلاف وما تزال بقية ... منه ولكنا كرام المحتد

خلق الوثائقَ والكتابةَ قومُنا ... حرصاً على عهد لهم أو موعد

سادوا، وما سادوا بغير جدارة ... ما ساد إلا كل سامي المقصد

عبد اللطيف النشار