مجلة الرسالة/العدد 467/التفاحة. . .

مجلة الرسالة/العدد 467/التفاحة. . .

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 06 - 1942



للأستاذ راشد رستم

عادل - أحبك يا (سهام)

سهام - تحبني!!

- نعم أحبك. . . وهل في الأمر غرابة؟!

- لا. . .

- ثم إني أحبك لأنك تحبينني

- ألهذا السبب أنت تحبني؟

- طبعاً لا. . . ومع ذلك لماذا لا؟. . .

سهام - ولكن كيف عرفت أنني أحبك؟

عادل - هذا سر. . .

- سر. . . وهل بين المحبين سر؟!

- وأيُّ سر. . . إن بين المحبين سر الأسرار، بل ليس بين غير المحبين سر مثل سر المحبين

- سر الأسرار أم لا أسرار!!

- إذا لم يكن بين المحبين سر، فإنه يجب عليهما أن يخلقا لهما (سرا) سرا. . .

- دعني من فلسفة الأسرار. . . أريد أن أعرف السر!!

- أي سر؟

- السر الذي تدعي الآن أنه سرك

- كيف. . . ألا تعرفينه؟

- إذا كنت أعرفه ما كنت سألتك عنه

- وما دمت لا تعرفينه فلا داعي لذكره

- بالعكس. . . يكون الحال أدعى لمعرفته

- لا أظن ذلك، فإنه شيء يدرك ولا يشرح

- ولكن أنت قلته الآن منذ قلي - إذن أنت تعرفينه

- وهل في هذا شك. . . بل ومنك عرفته

- إذن لماذا تحاورينني هكذا؟!

- لكي أمتحنك

- تمتحنينني! ولماذا تمتحنيني؟ وفي أي شيء؟ دعينا من هذا الكلام. . . ليس هذا هو سبب المحاورة. . . أفصحي. . . أفصحي

- ماذا تعني؟

- أعني أنه يهمك جداً أن تعرفي كيف. . .

سهام - اسمع يا (عادل)، أنت تحبني ما في هذا شك، ولكن، ألا تدري أنه يسر المرء أن يعرف كيف ولماذا أحبَّه غيره. . . ثم هل في هذا عيب؟!

عادل - كلا. . . ولكن عليه أن يبحث فيتعب فيعرف فيرتاح. . . وليس عليه أن يجلس فيسأل فيجاب فيرتاح. . .

- ألا تحب لي الراحة؟

- ليس في هذا شك. . . ولكن، أليس التعب في سبيل الحب راحة؟

- بالله لا تتعبني واختصر الطريق

- اسمعي يا (سهام)، أنا لا أريد تعبك ولا الإطالة عليك، ولكن الذي أحب هو الذي يعرف كيف أحب

- لا، أنت غلطان، إن الذي أحبَّ لا يعرف كيف أحب، ولكنه يعرف فقط أنه أحب

- إذن، لماذا تتعبينني؟!

- اتق الله، من الذي يتعب الآخر. . . ومع ذلك، فإن التعب في سبيل الحب راحة. أليس كذلك؟ ثم إن الذي أريدك أن تفهمه هو أن المحبوب يفرح ويفرح جداً إذا عرف كيف ولماذا أحبه حبيبه

- ليس من السهل الإجابة على هذا السؤال

- ولكنك أحببتَ فجربتَ فعرفتَ

- وأنت يا سهام، ألم تحبي قبل هذه المرة؟ سهام - أولاً، ما معنى هذه المرة؟

عادل - أريد أن أقول. . .

- لا تقل شيئاً. . . سأُريحك. . . نعم، كنتُ ظننت أنني أحببتُ قبل هذه المرة!!

- ولكن. . .؟

- ولكن لم أحب. . .

- والآن؟

- والآن. . . والآن. . . وقد أوقعتني. . . فماذا عساي أن أقول!!

- أولاً، لست أنا الذي أوقعك، ثم لا تنسى أن من حفر بئراً لأخيه وقع فيه!!

- وهل الحب يا عادل بئر؟

- بئر. . . وأيّ بئر!! إنه بحرُ. . . بل هو محيط. . .!!

- أعوذ بالله. . . إنه إذن مخيف!!

- إذا كان مخيفاً، فلماذا أوقعت نفسك فيه؟!

- يا ظالماً! حقَّا إنك مغالط كبير. . . هل أنا وقعت فيه، أم أنك أنت الذي أوقعتني فيه؟!

- أنا أوقعتك. . . أم أنت التي وقعت؟!

- أتريد أن تقول إنني أنا التي أوقعت نفسي وانك، لم تقع معي؟

- لا. . . أنا لا أريد أن أقول هذا. . . ثم كوني وقعت معك أو لم أقع - هذا شيء، وإنك وقعتِ أو لم تقعي - هذا شيء آخر. . . ومع ذلك، هل وقعت أنا معك؟

- هذا سؤال لا يوجه إليَّ. . . أنتَ الذي تجيب عليه!

- أنا لم أر أحداً أوقع غيره

- كيف. . . مع أنك وقعت مع الواقع!!

- هذا اعتراف آخر

- وهل أنت في حاجة إلى اعترافات؟

- لا. . . ولكنك أنتِ تحبين الاعتراف

- أنا. . .!!

- نعم. . . بدليل أنك تصرحين بها. . .

- إنك أنتَ الذي تجعلني أُصرِّح

- الأمر على العكس، أنا لم أطلب منك تصريحاً، فإنني مقتنع بأنك تحبينني. . . كما أنني أحبك. . .!!

- هكذا. . . هكذا. . .!!

عادل - وهل عندك شك في هذا. . . ألم أذكره في أول حديثي في صراحة يعجب لها الكثيرون. . .

سهام - يعجب لها الكثيرون! ولماذا؟

- لأن أغلب الرجال لا يميلون إلى الابتداء بالاعتراف. . .

- وهل تظن أنك بدأت واعترفت!؟

- من غير شك. وقد قلت ذلك في أول كلمة لي معك. . .

- أتحسب هذا اعترافاً؟

- كيف لا؟ وإلا فما هي هذه الصراحة النادرة في مثل هذا الموقف بين رجل وسيدة؟

- عجباً. . . ما هذا التجني على المرأة؟ وهل محرَّم على الرجل أن يبادر ويبوح بحبه؟

- لا. ولكن بالله لا تخرجي عن الموضوع. . .

- إنني أتكلم في صميم الموضوع. . . أليس الحب هو شريعة البشر جميعاً. . . الرجل والمرأة على السواء؟

- نعم

- إذن لماذا هذه التفرقة. . . ألا تعلم أن المرأة والرجل يكمل بعضهما بعضاً؟

- هذا صحيح، ولم ينكره أحد، ولكن ما هي نسبة تكملة الواحد منهما للآخر؟

- سؤال غريب. . . إن الاثنين يتممان وحدة؛ وأما نسبة الواحد إلى الآخر في تكميل الوحدة فهي مسألة ثانوية. . .

- هذا القول يذكرني بأسطورة التفاحة. . .

- أسطورة التفاحة؟!

عادل - نعم. يولد أبن آدم فتقطع له تفاحة، يعطى نصيبه منها، والنصيب الآخر يعطى لمن ستكون شريكته في الحياة، وعندما يتلاقيان ينطبق النصيبان ويلتصق الجنبان سهام - ولكن هيهات أن يجد المرء الجزء الآخر من التفاحة نفسها بسهولة. . .

- إذ كتب له أن يجدها فإنه واجدها ولو كانت هي القشرة. . . ولو كانت كذلك في الطرف الآخر من العالم. . .

- ألهذا الحد تهزأ بالجزء الآخر من التفاحة؟

- يعلم الله ما أنا بهازيء، ولكني أقرر الحقائق وأنا آسف

- إذن على هذا الأساس يجب أن يفسح للحب المجال، فإنه هو عنصر التعارف والتقارب وهو عامل الانطباق والتوفيق

- هذا صحيح، ولذلك لست أرى حرجاً على الرجل في أن يبدأ فيبوح بحبه، فقط يبوح لمن؟

- لمن؟ وهل في هذا خلاف؟ طبعاً يبوح به إلى من احب

- إذن لماذا تنكرين على ما صرّحتُ به لك في أول الحديث؟

- وهل تظن أن هذا اعتراف منك؟

-!!. . . وإلا فما هو؟

- في الواقع لا أرى فيه إلا أنه خطة منك لتأخذ مني أنا الاعتراف. . .

- وهل تظنين يا سهام أنك اعترفت لي بشيء؟

- أتريد مني بهذه الطريقة اعترافاً آخر؟ ألم يكفك سرورك باعترافي السابق، أو بتعبير أصح بوقعتي التي وقعت فيها!. . .

- الواقع أنني مسرور جداً. . .

- أمر عجب!!

- حقاً، إنني مسرور جداً، لأنها حالة أنت ذاتك مسرورة منها. . .

- عجباً. . . ومن أدراك بأنني مسرورة و. . . جداً؟

- أنت. . .

- أنا. . .!

- نعم أنت. . .

- سبحان الله. . . وكيف. . .؟ - بنظراتك. . .

- نظراتي!!

- أظنك ستقولين إنها خطة أخرى. . .

- ولكن هل تثق أنت بنظراتي؟

- ثقتك أنت بنظراتي

-!!. . .

- انظري في عينيَّ. ألا ترين عينيك فيهما؟!

-!!. . .

- إنها وحدة الوجود. . .

- وهي لذة الوجود

راشد رستم