مجلة الرسالة/العدد 468/مرسلات. . .
مجلة الرسالة/العدد 468/مرسَلات. . .
الإصلاح
ما من رئيس أو وزير أو حاكم أو مدير في هذا البلد إلا وهو يتغنى بأُنشودة (الإصلاح)، ويضرب على وتيرته، ويومض للناس ببريقه الخلّب، ويلمهم حواليه باسمه الجذاب. . . ولكن دعوات (الإصلاح) تبدأ عندنا بَدأة سارَّة، ثم تنتهي إلى نهاية محزنة: تبدأ عالية مدوية يرتج لها الوادي من بطاحه ورعانه، ثم لا تلبث أن يأخذها الضعف شيئاً بعد شيء، حتى تعود همسات خافتة لا تكاد تسمعها الآذان، ثم تسكت بعد قليل سكتة الموت!
ولو أن امرأً عني بعرض ما ينشر في الصحف عن الإصلاح منذ النهضة الوطنية إلى اليوم، ولاسيما إبَّان تغيير الوزارات، وتقليد الرياسات، وافتتاح المجالس، وتأليف اللجان؛ لرأى في الخطب الطنانة، والأحاديث الرنانة، والمذكرات المحبرة، وعوداً بالعمل تتلوها وعود، وبشارات بالإصلاح تردفها بشارات. . . ولكن أعمار الرياسات المختلفة تنقضي - طال بها الزمان أو قصر - وشيء من ذلك لم يتحقق، ثم تتبدل الرجال غير الرجال، والعهودُ غير العهود، فيعود الناس كرة أخرى إلى الخطب والوعود!
أين (المصلح) الصادق الذي يخلص لفكرة (الإصلاح) أكثر مما يخلص لشيء سواها؟ إن الرجل ليضع بنفسه خطة النهوض، ويرفع بيمينه شعلة التجديد، حتى إذا اجتذب بها القلوب، ووجه إليها النفوس، ونال منها ما يصبو إليه من عرض هذا الأدنى، تركها في مهب العواصف الجامحة من رغبات أو شهوات، تتولاها شياطين الإفساد، وهو عنها نائم. ولعمري لو مُس هذا (المصلح) في شخصه من قريب أو من بعيد، لثار لنفسه ما لم يثر لفكرته، ثم لثار له عشرات من أوليائه ومن خادميه لا يسألونه: لم ثار؟
محمد محمد المدني