مجلة الرسالة/العدد 468/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 468/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 468
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 22 - 06 - 1942



الصفاء بين الأدباء

صديقي الزيات

حتى أنت قد خاب أملي فيك! أنا الذي دعا إلى (الصفاء بين الأدباء) كما رأيت، وبذلت في ذلك ما بذلت، ورددت الحقوق إلى أصحابها، وأديت الواجبات على تمامها، وأزلت من النفس أسباب الكدر، وطهرت القلم من أدران الشر؛ فإذا كل هذا يسفر عن كلمة سمحتَ أنتً بنشرها في العدد الأخير من (الرسالة) كلها إيذاء لشخصي دون مبرر، كلمة لم تدع إليها مساجلة أدبية، ولم ينتفع بها الأدب والفكر؛ لكن دعت إليها شهوة الهجوم والتجريح لمجرد الزهو والخيلاء بالهجوم عليَّ وتجريحي. ولعل السبب الوحيد في ذلك أني رجل هادئ الطبع كما تعرف، نزَّاع إلى الخير، ينزه القلم عن أن يستخدم هراوة للبطش. . . وكنت أحسب الشجاعة الحقيقية هي في احترام أصحاب هذه المبادئ والنزعات؛ ولكن صدّمني حقاً ما رأيت من أن الأدباء في مصر - مع الأسف - لا يحسبون حساباً لغير الكاتب الذي يبرز مخالبه، ويكشر عن أنيابه، ويتهيأ دائماً للوثوب. . . أنا الذي أراد من الأدب أن يكون حديقة غنَّاء سياجها (الصفاء)، إذا بي أراه حرشاً من الأحراش المأهولة بالضواري. . . ما هي في واقع الأمر رسالة الأدب إلى البشر؟ أهي شيء آخر غير ترويض كواسر الناس وإفهامهم أنهم أرقى من الحيوان؟ إن الأدب الرفيع هو الذي يثير المشاعر الرفيعة، بما فيها من حق وحب وخير وجمال. . . وإن الأدب الوضيع هو الذي يهيِّج فينا الغرائز الحيوانية بشهواتها للفتك والبطش والعدوان. . . كنت أظن - يا صديقي الزيات - أن تلك هي رسالتك، وأن عملك في مجلتك هو توجيه الأدب إلى هذه الغاية الفضلى، حتى ينشأ جيل سليم فاضل يرى الأدب على حقيقته: جنة سامية طاهرة، لا مكان فيها لمن يبطش بالقلم، ولكنها مكان من يعلِّم بالقلم، يعلِّم الإنسان ما لم يعلم. . .!

خاب أملي فيك - أيها الصديق - لا لأني متألم من كلمة نابية نشرت، فما أكثر السهام التي يرشقني بها الناس في كل ظرف ومناسبة! فما من أحد مثلي يؤذي كل يوم ويشوه عمله وقصده وفكرة تشويهاً بما يكتب عنه وما يوضع على لسانه وضعاً. ومع ذلك فأنا أمام كل هذا من أكثر الكتاب احتمالاً وأقلهم احتفالاً، ولعلي من أشد الناس رسوخاً في عقيدتي: ( ينبغي للأديب الفاضل على أي حال مقابلة القبيح بالقبيح، بل يجب عليه المضي قدماً في سبيل نثر الجميل النبيل من المشاعر في كل القلوب!). . . إنما الذي خيَّب أملي فيك هو أني رأيتك قد حدت قليلاً عن رسالتك في (الرسالة)، وفي هذا خطر على شرف الغاية التي عاهدت نفسك والناس عليها. . . قد أغتفر لك أهدارك حق الصداقة والزمالة؛ أما هذه، فلا. . . هنا ونفترق. . . وليكن اليوم آخر عهدي بك و (بالرسالة) والأدباء. . . لن أكتب شيئاً لك، ولن أذكر بعد اليوم أديباً بخير ولا بشر. . . سأصمت عن أشخاصهم صمت القبر، لأنصرف إلى الإنتاج وحده من حيث هو إنتاج، ماضياً في إصدار كتبي لقرائي الأوفياء. . . فلا حلم في صفاء، ولا أمل في مودة بين أدباء. على أني قبل ذلك أحب أن أنوه بحق لك عندي وفضل لا أود أن أنساه: لست أعني الآن فضل (الرسالة) المعروف في شهرتي الأدبية، بل فضلاً آخر لعلك تجهله أنت حتى الساعة: أتذكر يوم أعلنت إليَّ عزمك على إصدار مجلة (الرواية) واعتمادك عليّ فيها كل الأعتماد؟ لقد كنت أنت الذي اقترح عليّ فكرة تدوين ذكرياتي المنسية عن عهد اشتغالي بالقضاء، فخرج كتاب (يوميات نائب في الأرياف). ربما لولاك ما أتجه ذهني إلى هذا الأمر، ولضاعت إلى الأبد معالم تلك الأيام. . . أسجل لك مع الشكر هذا الصنيع، وليشكرك عليه كل من أحب هذا الأثر، واستودعك الله. . .

توفيق الحكيم

(الرسالة):

جوابنا عن رسالة الصديق العزيز في العدد القادم

التاريخ وشعر الملوك

لم يأت الأستاذ الفاضل عبد الله مخلص بما ينفي الشك فيما يتعلق بشعر السلطان سليم؛ وقد اتضح الآن أن بيتَيْ المعرِّي (المُلك لله من يظفر بنيل غنىً. . . الخ) منسوبان خطأ إلى السلطان سليم في الكتب الأربعة التالية:

1 - الإعلام لقطب الدين الحنفي

2 - أخبار الدول للقرماني 3 - أخبار الأول للاسحاقي

4 - أوراق بريشان لنامق كمال

فهل لنا أن نثق الآن بهذه المصادر بعد أن وقعت جميعها في هذا الخطأ البيِّن؛ ودلت على أنها تتوارث الأغلاط كما يتوارث الناس المرض الدسيس؟. . .

هذا شيء. . . والشيء الآخر أن هذه الأبيات الغزلية تتردَّد في نسبتها بين السلطانين: أحمد وسليم تبعاً لاضطراب الروايات واختلافها؛ ثم هي مسروقة - أو جزءُ منها على الأقل - من أبيات للملك الصالح طلائع بين رزيك، كما يشير إلى ذلك مقال الأستاذ. . . فأي هذه الأقاويل أولى منا بالتصديق؟ بل أيها أبعد عن تهمة الكذب والتلبيس؟

. . . أخيراً يجيبني الأستاذ عن مسألة التخميس بقوله: (جواب هذا السؤال وارد في المخطوط من أنها للسلطان أحمد فيكون هو نفسه قد خمسها بعد ما زاد عليها تلك الأبيات، وبينها أبيات الملك الصالح الثلاثة) وأنا ما علمت قبل اليوم أن شاعراً يخمس لنفسه شعراً!

والأبيات بعد كل هذا ليست مما يستحق طول النقاش أو دقة التحري؛ فلا هي من جيد الشعر ولا من متوسطه، وإنما هي إلى المتكلَّف أقرب وفي باب المصنوع أدخل. وإذا كان لنا أن نخرج بثمرة من كل ذلك، فلتكن هذه الثمرة في اعترافنا بأن كتبَ التاريخ القديمةَ عندنا في حاجة إلى تحليل دقيق وتمحيص وافٍ نتميز بهما غثها من سمينها؛ وإلا فالكفُّ عن قراءتها وتركُ الاعتماد عليها أولى وأحرى. . .

ولنشكر أستاذنا الفاضل عبد الله مخلص الذي أتاح لنا ببحثه القيم، أن نسوق مثلَ هذه الكلمة الصريحة.

(جرجا)

محمود عزت عرفة

1 - حول لبس القبعة، نصوص نواهض

قرأت الفتوى التي نشرها الأستاذ المدني في العدد 467 من مجلة الرسالة، فرأيت أن أذكر القارئ بما أورده الإمام البيضاوي في تفسير: (وإنما عد ليس الفيار - أي الشعار - وشد الزنار ونحوهما كفراً لأنها تدل على التكذيب، فان من صدق الرسول لا يجترئ عليها ظاهراً، لا لأنها كفر في أنفسها) اهـ. وبما قاله العلامة السعد في شرح المقاصد: (لو كان الإيمان هو التصديق لكان كل مصدق بشيء مؤمناً، وعلى تقدير التقييد بالأمور المخصوصة لزم ألا يكون بغض النبي وإلقاء المصحف في القاذورات وسجدة الصنم ونحو ذلك كفراً ما دام تصديق القلب بجميع ما جاء به النبي عليه السلام باقياً، واللازم منتفٍ قطعاً. وأجيب بأن من المعاصي ما جعله الشارع إمارة عدم التصديق تنصيصاً عليه أو على دليله، والأمور المذكورة من هذا القبيل، بخلاف مثل الزنا وشرب الخمر من غير استحلال) أهـ

وحديث (من تشبه بقوم فهو منهم) قال الحافظ بن تيمية من كلامه فيه في كتاب اقتضاء السراط المستقيم: (وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم) اهـ. ووقع خطأ في سنده بتصحيف (أبي منيب) إلى (أبي جنيب)

2 - أبن بندار

قرأت قطعة من أوائل كتاب المعرب للجواليقي فرأيت مصححه الأستاذ أحمد شاكر يقول في ترجمة المؤلف ص28 - 29: (وقد حدث الجواليقي في المعرب عن شيخين لم أعرفهما: أحدهما ابن بندار. والثاني عبد الرحمن بن أحمد، روى عنه عن الحسن بن علي. . . وشيخه (الحسن بن علي) هو أبو محمد الجوهري الشيرازي مات سنة 454)

أقول: أما ابن بندار فهو أبو المعالي ثابت بن بندار المعروف بابن الحمامي ولد سنة 416 وسمع أبا الحسن بن رزمة وأبا بكر بن البرقاني وأبا علي بن شاذان في خلق كثير. قال ابن الجوزي: حدثنا عنه أشياخنا. توفي سنة 498

وأما الثاني فهو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف، سمع ابن المذهب والبرمكي وغيرهما وكان ثقة. . . قال ابن الجوزي: حدثنا عنه أشياخنا. توفي سنة 511

أحمد صفوان