مجلة الرسالة/العدد 473/كتاب الإمتاع والمؤانسة

مجلة الرسالة/العدد 473/كتاب الإمتاع والمؤانسة

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 07 - 1942


3 - كتاب الإمتاع والمؤانسة

الجزء الثاني

للأب أنستاس ماري الكرملي

4 - أوهام التأويل والتفسير

جاء في حاشية ص6 تفسير قول المؤلف: (دونه حدد أي دفع ومنع). والصواب ما قاله الأمير شكيب أرسلان في حاشية الصفحة 573 من مجلة المقتبس، المجلّد الثامن: أي الممتنع الباطل

وورد في ص13: (ولا تحضّ على الدينونة بها. وضبطت بفتح الدال وضم النون؛ ثم وردت الدينونة في ص178 بفتح الدال والنونين، في هذه العبارة وهي: (والدينونة لمذهبك المستقيم). والذي نعرفه ان الدينونة من مصطلحات النصارى، وهي غير فصيحة، والصواب: (الدِّين) بكسر الدال؛ لأن الفعلولة في الأجوف خاصة باللازم في أكثر الأحيان، وعلى ذلك يقال: الذيعوعة، والشيعوعة، والصيرورة، والقيلولة، والبينونة، والديمومة، مصادر الأفعال اللازمة: ذاع، وشاع، وصار، وسار، وقال، وبان، ودام إلى نظائرهن

وفي ص59: (الجاثليق من رؤساء النصارى، معروف) قلنا: ولا نظن أن أحداً يعرف الجاثليق حتى أغلب النصارى، وما قاله الشارحان مُثَبت في كتب اللغة. ومثل هذا الشرح لا يرضى به أهل هذا العصر، وكان يجدر بهما أن يشرحاه شرحاً يخرجه من هذا القول الذي لا يستفاد منه فائدة صريحة، والأحسن أن يقال: الجاثليق رئيس الأساقفة عند النصارى الشرقيين، واليوم ليس له وجود، ويسمى بالفرنسية فكيف يقول الشارحان: معروف؟ وممَّن معروف؟ وعند من معروف؟

وفي ص60: (ويا قَصراً بلا مِسْنَاه) وضبطت الكلمة الثانية بكسر الميم، وإسكان السين، وفتح النون، وفي الآخر هاء. وفي الحاشية: المسناة المرقاة، من السنآء بالمدَّ وهو العلو والرفعة) - قلنا: لا وجود لهذه الكلمة بهذا الضبط، وهذا المعنى في لغة الضاد، فمن أتيا بها، وعمن نقلا هذا الشرح، أو هذا التخريج، أو هذا التأويل والتفسير. والمشهور عند العراقيين: أن للقصر مُسَنَّاة، وهي بضم الميم، وفتح السين، وتشديد النون، يليها ألف فهاء منقوطة، وهى العَرِم أي ما يبني بين يدي القصر الواقع على النهر ليرد الماء عنه.

وفي الصفحة المذكورة، فسرت البواري بتشديد الياء: ضرب من الحصر تعمل من البرديِّ معروفة بمصر إلى اليوم. اهـ.

والبواري عندنا في العراق تطلق على الحُصُر التي تتخذ من القصب. وفي الحديث: إنه كان لا يرى بأساً بالصلاة على البواري. قالوا: هي المعمولة بالقصب. راجع النهاية لابن الأثير والشارع في بور.

وفي ح ص65: (مبرسم: أي به برسام، وهو علة يهذي فيها) - قلنا: وهذا الشرح عام يصدق على كثير من الأمراض الذي يهذي فيها المريض. والصواب أن البِرْسام، على ما في بحر الجواهر - وهو معجم طبي قديم - وَرَمُ في الحجاب الحاجز نفسه، وهو الحجاب المعترض الذي بين القلب والمعدة، وأما الحجاب الحائل الذي بين المعدة والكبد، فمما لم يقل به أحد من الفضلاء غير الطبري) اهـ.

وفي ص51 و66 جاء ذكر السِكْباج. وفي ح51 قيل: (السكباجة: مرق يعمل من اللحم والخل. وهو فارسي معرَّب، وفي ح66 مثل هذا الكلام. وفي ح51: (الهُلام: مرق السكباج يبرَّد ويصفى من الدهن) - قلنا: وكل من السكباج والهلام طعام. فالهلام في كلام الشاعر طعام من لحم عجل بجلده، وله معنى آخر فرعي هو مرق. . . إلى آخر ما هناك. والسكباج: (لحم يقطع أوساطاً، ويجعل في القدر، ويغمر ماء، ويرمى فيه كسْفُرَة خضراء وعود دارصيني قدر الحاجة، وإذا إلى تخرج رغوته وزَبدُهُ بالمغرفة وترمى. . .)، (راجع كتاب الطبيخ لمحمد بن الحسن بن محمد بن الكريم الكاتب البغدادي - ص9 من طبعة الموصل بعناية الدكتور داود الجلبي).

وفي ص76: ولكن لما ضعف الدين وتحلحل ركنه. . . وفي الحاشية تحلحل ركنه أي تزعزع وزال عن موضعه. ونحن نظن أن الكلمة هي تجلجل بجيمين. قال اللغويون وفي رأسهم المجد الفيروزابادي: تجلجل الشيء تحرك وتضعضع. يقال: تجلجلت قواعد البيت أي تضعضعت.

ومن أغرب ما قرأته من التأويلات ما جاء في ح ص110 إذ قيل: القِلْيُ ويقال فيه قِلًى كالي: هو شب العصفر ويتخذ من حريق الحمض. فما الذي أراده الناشران بشب العصفر، وهو للعصفر شب؟ إنما الوارد في بعض كتب اللغة: وهو حب يشبب به العصفر بمعنى يزين ويحسن لونه، وهو من التشبيب؛ فأين الشب من التشبيب - يا سيديَّ الأكرمين - وهل الشب والتشبيب شيء واحد؟

وقال الناشران في ح ص136: الطنطنة: حكايات صوت الطنبور وشبهه؛ وصحيح التفسير هو: حكاية النقرات، فالهزج مثلاً هو الذي تتوالى فيه نقراته نقرة نقرة وهذا رسمه: طَنْ، طَنْ، طَنْ، طَنْ، طَنْ، طَنْ، طَنْ. ومنهم من يقول: مَنْ بالتاء المثناة الفوقية في مكان الطاء المثالة وهو الأشهر في كتب القوم (راجع كتاب (مفاتيح العلوم) من 245 من طبعة أوربة).

وورد في ص146: وهكذا مصاريع أبيات الشعر، فإنها تختلط بالنثر متقطعة وموزونة ومنتثرة ومنضودة؛ والصواب عندنا وموضونة من وضن الشيء أي نضده.

وفي ص148 ورد هذا المثل: البطنة تذهب الفطنة. وذكره التاج بصورتين. فقد في مستدرك أف ن: البطنة تأفن الفطنة. وهي الرواية المشهورة التي سمعناها ونحن أطفال. وذكرها في مادة ب ط ن: البطنة تذهب الفطنة. وهذه الرواية دون تلك شهرة.

وفي نص ص167: (ويُرْقي بهَيَا شَراهِيا. وعُلّق عليها في الحاشية: (هياشراهيا كلمة عبرانية مناها يا حي يا قيوم كما في المصباح. وفي القاموس مادة شره: أشَرْءِهْيا، بفتح الهمزة والشين: كلمة يونانية معناها، الأزلي الذي لم يزل. والناس يغلطون ويقولون: أهياشراهيا، وهو خطأ على ما يزعمه أحبار اليهود) اهـ.

قلنا: لو رجع الأستاذ أحمد أمين بك إلى أحد معلمي العبرية في الجامعة المصرية في لفظ هذه العبارة، وفي أي لغة هي، وما معناها، لقال له: وردت هذه الفقرة في سفر الخروج في 14: 3 بهذه الحروف: أهْيا أشر أهيا أي أنا هو الذي أنا أو: أنا هو الكائن. ويقابلها باللاتينية وباليونانية أو الإغريقية فهذه هي الفروق بين هذه اللغات الأربع، إذن الصواب أنها العبرية ويجب أن تكتب كما كتبناها، وما سواها فخطأ في خطأ والمعنى كما أعطيناهُ وهو يرجع إلى أن المراد من ذلك: أنا الموجود الذي لن أزال موجوداً.

وورد في ص168 هاتانِ الكلمتان: (وكُمَّيهِ المفَدَّرين) ونحن نرى أن الصواب هو (المفزَّرين. بمعنى المشقوقين، وشق الأكمام شقاً واسعاً أمر معروف إلى اليوم في العراق، وهو أمر يكاد يزول في العراق، لاتخاذ الناس الثياب الإفرنجية، لكنا رأينا هذا الأمر شائعاً في وادي الرافدين قبل نحو خمسين سنة.

على أن رأينا الأخير هو أن صواب العبارة: (وكُمَّيْهِ المُفَرْوَزَيْن، وزان المُدَحْرَجَيْنِ) والمُفرْوَز من الثياب ما كان محلى بالفرواز وهو هدْب منقش تزين به الأكمام والثياب ويسمى بالفرنسية والكلمة في الفارسية (بَرْوَاز) بالياء المثلثة المعقودة بهذا المعنى واشتق السلف منها فعلاً فقالوا: فَرْوَزَ الثوب أو الكم أي زيَّنه بالفرواز. وكان يتخذه أكابر الناس والعلماء في العهد العباسي. واستعماله باقٍ إلى اليوم عند أكابر شيوخ العرب وهو على شفا الزوال. ويزينون به أكمامهم إذا كانت طويلة واسعة مدخل اليد.

(يتبع)

الأب أنستاس ماري الكرملي

أحد أعضاء مجمع فؤاد الأول للغة العربية.