مجلة الرسالة/العدد 475/غراب وطفل
مجلة الرسالة/العدد 475/غراب وطفل
(مهدأة إلى أستاذنا الكبير أحمد حسن الزيات)
للأستاذ محمد يوسف المحجوب
نَشِبَ اَلْجناَحُ وَضَلَّ في الأَغْصاَنِ ... فإِذَا الْغُرَابُ يَخِرُّ لِلأَذْقَانِ
حَيْرَانَ يَلْتَمِسُ النَّجاَةَ فَلاَ يرَىَ ... قَلْباً يَرقُّ بِذلِكَ اَلْحيْرَانِ
جَهِدَ الأَسِيرُ لِكْي يَفُكَّ جَنَاحَهُ ... بِاَلْخفْقِ آوِنَةً وَبالدَّوَرَانِ
لم يُغْنِ عَنْهُ كِفاَحُهُ فَأَثاَرَهاَ ... شَعْوَاَء تُسْمِعُ جَلْمَدَ الآْذَانِ
وَرَأى غُرَابٌ صِنْوَهُ في أَسْرِهِ ... فَمَضَى وأَسْرَعَ لِلأَسِير الْعاَنِي
وَهَوَى يحُاَولُ جَذْبَهُ. . . وَإَذَا بِهِ ... هُو والأْسِيرُ لِدَى الرَّدَى صِنْوَانِ
أعْياَهُ إِنْقاَذُ الزّمِيلُ، فَطاَرَ في ... فَزَعٍ يُناَدِي شِيَعَةَ الْغِرباَنِ
وَإذَا غُرَابٌ، ثُمَّ ثَانٍ، خَلْفَهُ ... مِنْ قَوْمِهِ زُمَرٌ. . . أَتَتْ لِثَوَانِ
وَتَجمَّعَ الْغِرْباَنُ في الدَّوْحِ الذي ... ضَمَّ الأَسِيرَ تَجَمُّعَ الْفرْساَنِ
عَقَدَتْ عَصاَئِبُهاَ عَلَيْهِ مَناَحَةً ... وَبَكَتْ لَدَيْهِ بِدَمْعِهاَ الْهَتَّانِ
وَكأَنَّماَ كاَنَتْ تَضَرَّعُ لِلْوَرَى ... أَنْ يُسْعِفُوا ذَاكَ الْمَهِيضَ الْفاَنِي
وَأَتَى بَنُوا الإنسان فاحْتَشَدُوا عَلَى ... بَلَهٍ. . . زَرَافَاتٍ بِلاَ وِجْدَانِ
وَتَجَمَعَّوُا شِيَعاً لِكيْ يُهْدُوا لَهُ ... نَظَرَ الْفُضُولِ، وَلَمْحَةَ الْمُجَّانِ
وَإذَا الْبَلاَهَةُ وَالْفُضُولُ تَجَمَّعاَ ... لَمْ تَلْقَ لِلأَخْلاَقِ أَيَّ مَكاَنِ. . .
وَأَتَى الظَّلاَمُ. . . وَلَفَّ في أَحْشَائهِ ... هذَا الْوُجُودَ. . . فَمَا تَرَى عَيْناَن
وَاسْتَيْأَسَ الْغِربْاَنُ فَانْصَرَفُوا عَلَى ... مَضَضٍ، وَلَمْ ينْسُوا فَتَى الأَغْصاَنَ
تَرَكُوا لَهُ بَعْضَ الرَّفاق تَزُقُّهُ ... باَلْحبَّ تَحْتَ رَعَايَةِ الرَّحمنَ
حَتَّى يَجِئَ الصُّبْحُ في أَعْطَافِهِ ... فَرَجُ الْكُرُوبِ وَجَلْوَةُ الأَحْزَانِ
ياَ لَلْوَفاَءِ وَلْلإخَاءِ نَرَاهُماَ ... بَلَغَاَ الذُّرَا في عَالَمِ اَلْحيَوَانِ. . .
لَمْ تَفْرُغِ الْغِرْباَنُ مِنْ أَشْجاَنِهاَ ... وَاللَّيْلَ مَهْدُ غَرَائِبِ الأَشْجاَنِ
وَإذَا صُراخٌ مِنْ وَليدٍ قَدْ بَدَا ... في اَلْجوَّ يَبْعَثُ كاَمِنَ التَّحْناَنِ
ياَ لَلشقاَءِ وَلِلتَّعاَسَةِ. . . جُمَّعاَ: ... هُوَ ذَا (لَقِيِطٌ) لُفَّ في أَكْفاَنِ! قَذَفَتْ بِهِ (الأَمُّ اَلْحنُونُ) جَريَمَةً ... وَرَمَتْهُ في رُكْنٍ مِنَ اْلأَرْكاَنِ!
وَتَسَلَّلَتْ طَيَّ الظَّلاَمِ، وَلَمْ تَخَفْ ... عِنْدَ اَلْجريِمَةِ نِقَمةَ (الدَّيَّانِ)!
وَتَحدَّث الرَّاءُونَ فِيماَ أَبْصَرُوا: ... أَنَّ اللَّقِيطَ كَزَهْرَةِ الْبُسْتاَنِ!
مَرَّتْ بِهِ أَنْثى، فَصاَحَتْ - بَعْدَمَا ... جَسَّتْهُ - صَيْحَةَ رَحْمَةٍ وَحَناَنِ:
ياَ لَعْنَةَ اَلْجبَّار: لُفَّي أُمَّهُ. . . ... أَزِنًي وَقَتْلٌ ياَ بَنِي الإنسان؟!
وَمَضَتْ تُهَرْوِلُ في الظَّلاَمِ كأَنَّماَ ... تَبْغي النَّجاَةَ، وَمَا لَهاَ كَفَّانِ. . .
وَتَجَمَّعَ السَّارُون حَوْلَ مِهاَدِهِ ... وَالطَّفْلُ مُضَّطَرِبٌ: يَداً لِلساَنِ
كُلُّ يُحَوْقِلُ، ثُمَّ يَرْكُضُ هَاَرباً ... فَكأَنَّهُ مِنْ لَعْنِةَ الشَّيْطاَنِ!
تَرَكُوُهُ خَوْفَ الْعاَرِ يَذْوِي عُودُهُ ... وَيَعيشُ في جَوِّ مِنَ اَلْحرِمْاَنِ!
وَأَتى الصَّباَحُ فَقَيَّضَ الرَّحمنُ مَنْ ... نَجَّى الْغُرابَ، وَفَازَ بالطَّيَرَانِ
وَمَضَى الأَسِيرُ مَعَ الرَّفَاقَ مُمَتَّعاً ... بالْعَيْشِ في صَفوٍ وَفي خِلاَّنِ. . .
وَمَضَى اللَّقِيطُ لِمَلْجَأٍ يَلْقىِ بِهِ ... عَيْشَ الْهَوَانٍ عَلَى مَدَى اْلأَزْمَانِ
لاَ أم رَاعِيَةً، وَلاَ أَبَ عَاطِفاً ... فَلْيَحْي بَيْنَ مَذَلَّةٍ وَهَوَانِ
تتَنَكَّرُ الدُّنْيَاَ لَهُ، وَتُذِيقُهُ ... هُوناً بِلاَ عَطْفٍ وَلاَ تَحَنْاَنِ. . .
ياَ لاَبْنِ (آدَمَ): عَاشَ فَي أَقْوامِهِ ... فَظاًّ بِرَغْمِ الْعِلْمِ وَالْعِرفْاَنِ!
ياَ لَلُّطيُورِ: تُرِيكَ مِنْ أَخْلاَقِهاَ ... مُثُلاً بِهاَ تَسْموُ عَلَى الإنسان!
لَمْ تَحْظَ بالتَّعْلِيمِ، أو يُبْعَثْ لَهاَ ... رُسُلٌ، وَلَمْ تَسْتَهْدِ باْلأَدْياَنِ
مَنْ عَلَّمَ اْلإنسان دَفْنَ سَمِيَّهِ؟ ... شَتَّانِ بَيْنَ اْلإنْسِ وَالْغِرْباَنِ!
ياَ لَيْتَ لِي خُلُقُ الطُّيُورِ، وَجَوَّهاَ ... وَصَفاََءهاَ. . . فأَعِيشَ في اطْمِئْناَنِ
مَنْ صَوَّرَ الْمأْساَةَ أَبْرعَ صُورَةٍ؟ ... مَنْ صاَغَهاَ لِلنَّاسِ سِحْرَ بَياَنِ؟
الْكاَتِبُ الْفَذُّ اْلأدِيِبُ هُوَ الَّذِي ... أَضْفَى عَلَيْهاَ باَهِرَ اْلأَلْوَانِ
وَتَمَثَّلَتْهاَ رُوحُهُ، فَبَدَتْ لَناَ ... سِفْراً يُرَدَّدُ آيَةُ الْمَلَوَانِ
أَذْكَتْ لَهيِبَ الْقَوْلِ بَيْنَ جَنُودِهِ ... وَمَضَتْ تُحَرَّكُ رَاقِدَ اْلأَذْهَاَنِ
كَمْ مِنْ فُؤَادٍ كَانَ شاَهِدَ أَمْرِهاَ ... مَا اهْتَزَّ أو نَطَقَتْ لَهُ شَفَتَانِ!
رَبَّ الرَّسَاَلَةِ: أَسْمِعْ الدُّنْياَ كَماَ ... شاََء النُّبُوغُ رَوَاِئِعَ التَّبْيَان هَذَّبْ شُعُورَ النَّاسِ وَاسْمُ بِرُحِهِمْ ... فَالنَّاسِ قَدْ جَازُو مَدَى الطَّغْياَنِ
مِنْ كُلَّ عَابرةٍ أَنِلْهُمُ عِبْرَةً ... فَلأَنْتَ فَارِسُ ذَلِكَ الْميدَانِ
صغْ مِنْ دُمُوِعِكَ آي وَحْيِكَ إِنَّهاَ ... ذَوْبٌ لأِكْرَمِ مُهْجَةٍ وَجَناَنِ. . .
حَسْبُ الْكُرَامِ الْكَاتِبينَ مَثُوبَةً ... مِنْ دَهَرِهِمْ شُكْرٌ بكُلَّ لِساَنِ. . .