مجلة الرسالة/العدد 478/الحديث ذو شجون
مجلة الرسالة/العدد 478/الحديث ذو شجون
عواطف عربية
للدكتور زكي مبارك
في خطاب من حضرة الأستاذ سعيد العيسى إشارة صريحة إلى أننا لا نهتم بالحديث عن الحياة الأدبية في (فلسطين)، وفي خطاب من حضرة الأستاذ رشاد المغربي عبارة تقول: إن مجلة (الرسالة) لم تنوه بروايته الجميلة (خطيئة الشيخ)؛ وفي مقال حضرة الأستاذ عباس العقاد أن جماعة من اللوبيين يأخذون على مصر سكوتها عن الأدب في وطنهم المحبوب.
وهذا العتاب ليس بجديد، وهو يعاد من يوم إلى يوم، وما دخل أديبٌ مصريٌ بلداً عربياً إلا سمع ألواناً من هذا العتاب، فهل أستطيع الجهر بكلمة الحق مرة واحدة، ليعرف الإخوان هنالك أن عليهم تبعات فيما يُنسب إلينا من تقصير وإهمال؟
ولشرح هذه الكلمة أقول:
أعلنت مجلة (الرسالة) أنها ستصدر أعداداً خاصة بالبلاد الأدبي لتلك الأعداد من أقلام كبار الباحثين بتلك البلاد، وأنها ستبدأ بالعراق.
فما الذي يُنتَظر لتحقيق هذا المشروع النافع؟
أتستطيع (الرسالة) إيفاد مندوبين إلى كل بلد لتحقق هذا الغرض على أكمل الوجوه؟
الجواب عند (خزينة الرسالة) إن كانت تستطيع، ولعلها تستطيع لأنوب عنها في زيارة بغداد أو دمشق أو بيروت بضعة أسابيع!
فلم يبق إلا أن نقترح خطة سديدة لتنفيذ الاقتراح بلا عناء.
والخطة سهلة جداً، فماذا نصنع إذا أردنا إصدار عدد خاص بالسودان؟
يقوم (نادي الخرّيجين) بواجبه: فيجمع الموادُ بعناية رجاله، ثم يرسلها إلى مجلة (الرسالة) قبل انعقاد مؤتمرهم السنوي بأكثر من أسبوعين؛ وعندئذ يسر مجلة (الرسالة) أن تشترك اشتراكاً فعلياً في ذلك المهرجان.
وماذا نصنع إذا أردنا إصدار عدد خاص بالعراق؟
يقوم (نادي القلم العراقي) بواجبه: فيجمع الموادُ بعناية رجاله، ثم يرسلها إلى مجلة (الرسالة) في الوقت الذي يريد، فيكون هو المسئول أمام قراء (الرسالة) في (العراق)، وهو بحمل هذه المسئولية خليق.
وفي العدد الخاص بسورية، يقوم رجال (المجمع العلمي) بواجبهم: فيصورون ما في وطنهم من أفكار وآراء وآمال. . .
وفي العدد الخاص بلبنان يُلقَى العبء على كاهل إحدى الجمعيات الأدبية هناك. . . وكذلك يقال في سائر البلاد!
تلك هي الخطة السديدة، ومن توهم أن مجلة (الرسالة) تصدر أعداداً خاصة بلا اطمئنان إلى هيئات تحمل المسئولية، فهو يهيم في بيداء الخيال. . .
وللأستاذ سعيد العيسى أن يتأمل في هذه لكلمة إن كان يجب أن نؤدي خدمة صحيحة لوطنه العزيز فلسطين.
العدد الخاص بالسودان
أنا أرجو من أخي الأستاذ الزيات أن يتفضل فيترك لي حرية التصرف في إعداد العدد الخاص بالسودان، لأستطيع القول بأني صدقت فيما وعدت به إخواني هناك، فإن سمح فأنا أرجو نادي الخريجين أن يشير على أعضائه بدرس الموضوعات الآتية:
1 - تحديد التاريخ الذي أشرق فيه الإسلام بآفاق السودان.
2 - المذاهب الفقهية والصوفية بالسودان.
3 - التيارات الفكرية الحديثة في الحواضر السودانية.
4 - اللهجات العربية في السودان.
5 - قيمة السودان من الوجهة الإقتصادية.
6 - الأساطير السودانية.
7 - منزلة السودان في تاريخ الأدب العربي.
8 - المعاهد المصرية في السودان.
9 - شعراء السودان وكتّابه وخطباؤه في القديم والحديث.
10 - مبلغ انتفاع الطلبة السودانيين بالحياة في المدارس المصرية.
11 - المكتبات العمومية والخصوصية في السودان.
12 - الأغاني الشعبية ودلالتها على العواطف السودانية.
13 - تأثير الأدب المصري الحديث في الجيل الجديد بالسودان.
14 - آراء السودانيين في الروابط العربية والإسلامية.
15 - الفكاهة السودانية في الأشعار والأقاصيص.
تلك خمسة عشر موضوعاً تستحق اهتمام نادي الخريجين، وأنا لا أفرض وإنما أقترح، فقد تكون لديهم موضوعات أعظم من هذه الموضوعات، والمهم هو المبادرة إلى تحقيق الاقتراح بإرسال المواد قبل انتهاء الأسبوع الثاني من شهر رمضان.
إن وصلنا إلى إصدار عدد عن السودان بهذا الروح فلن يقول السودان إن مصر تنساه أو تتناساه، ولن يقول أبناؤه عادلين أو ظالمين إن أشقاءهم في مصر لا يحفظون عهد الإخاء.
وإلى الفتيان من أعضاء نادي الخريجين أعهد تحقيق هذا الأمل الجميل.
أراني الله وجوههم بخير وعافية، إنه قريبٌ مجيب.
مطلع قصيدة
كان نقاد الأدب من العرب ينصون على مطالع القصائد، كأن ينوهوا بهذا المطلع:
إنا محيُّوك فاسْلَمْ أيها الطللُ
فهل في مطالع القصائد لهذا العهد ملامح تذكِّر بتلك المعاني الصِّحاح؟
نعم، ثم نعم، فقد نظم الدكتور رشيد كرم قصيدة ليلقيها في المؤتمر الطبي العربي الذي سيُعقَد في بيروت، وكان سيُعقد في هذه الأيام، لو سمحت هذه الأيام!
ابتدأ قصيدته فقال:
متى كانت لنا (سينا) حدودا
وأنا أسأل السؤال نفسه فأقول:
متى كانت لنا (سينا) حدودا
ومتى ترفع الحواجز الجمركية بين الأمم العربية والإسلامية؟
إلى بعض الناس
إن شقاءكم بأنفسكم طال وطال ثم طال، ولن نملك إبراءكم من ذلك الشقاء، لأنه أخطر من أن يطب له أطباء النفوس والقلوب.
لن تنفعكم الدسائس في كثير ولا قليل، فقد كانت الدسائس ولن تزال أسلحة الضعفاء.
استعينوا بالقوة مرةً واحدة، وحاربوا الحق بسلاح الظلم، لا بسلاح الإسفاف، فقد يعفو الله عن الظالمين الأقوياء، ولا يعفو عن الآثمين الضعفاء.
لن أفرَّط في تعليمكم أصول الأخلاق، فكونوا ظلامين، ولا تكونوا دساسين، لأن الظلم قوة، والدسيسة ضعف، وباطل الأقوياء أشرف من حق الضعفاء.
وطني وبلادي
إلى الفتييّن العظيمَيْن (م. ن. ج) و (ع. ع)
- وما اكتفيت بالتلميح إلا لأنني لم أستأذنهما في النص على أسمهما بالتصريح - إلى هذين الفتييّن العظيمَيْن أوجه القول:
إن بلادنا لن تُضام أبداً، ولن تكون لغير أهليها، ولو تألبت عليها جيوش البر والبحر والهواء.
بلادنا باقية باقية، في عزة وعافية، ولن تنال منها المطامع الدولية إلا بقدر ما ينال النسيم المعلول من قمم الجبال.
بلادنا طوّقت جميع البلاد بأغلال الديون العقلية والروحية، ولن يتنفس بلدٌ في شرق أو في غرب إلا وهو مدينٌ لمصر بديون ثقال.
لا تنسوا أن بلادكم دانت الفكر والعقل والروح ألوفاً من السنين؛ ولا تنسوا أن أكبر مجد يظفر به الأوربيُّ المثقَّف هو أن يحل رمزاً من رموز آبائكم الأولين.
كان الخط المصري القديم إشارات من ملامح الطير والحيوان، فما تفسير ذلك؟
يقول الجاهلون إنه دليل على الطفولة التاريخية.
وأقول أنه دليل على العبقرية المصرية، لأنه يجعل كل حرف كائناً حياً من طير أو حيوان، والحروف خلائق حية عند من يعقلون.
ثم ماذا؟
ثم أذكر أن بلادنا هي التي صدّت المغول الوافدين من الشرق، وهي التي صدت الصليبيين الوافدين من الغرب، فكنّا الميزان لأبناء ذلك الزمان.
ومن نحن اليوم؟ برغم قسوة الظروف قد استطعنا أن نقول نحن، وأن نفي بالعهد؛ لأن مصر لا تكذب ولا تخون.
لن تضام مصر أبداً، لأنها وطن الرجال، ولأنها أول وطن غلب الدهر الخوَّان.
أحبك يا وطني، أحبك يا بلادي، حُّباً لا ينتظر أي جزاء، لأنه أعظم من أي جزاء!
زكي مبارك