مجلة الرسالة/العدد 481/طلاب الالتحاق بالجامعة

مجلة الرسالة/العدد 481/طلاب الالتحاق بالجامعة

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 09 - 1942



للأستاذ عبد الله حسين

في ختام كل عام دراسي، تقترن بنتائج الامتحانات العامة صيحة تنادي بوجوب إنصاف الطلبة، حين يقدر الممتحنون الدراجات على الإجابة، أو بضرورة الرفق بحال الطالب لأسباب تبسط من أمثلتها صعوبة الأسئلة، أو ملابسات أحاطت بالطلبة ينبغي وزن آثارها في استذكارهم!

وفي مستهل كل عام دراسي ينادي الناس بوجوب فتح أبواب الكليات لجميع من يطلبون الالتحاق بها، حرصاً على مستقبلهم وتوطيداً لأركان التعليم الجامعي، أو استجابة لأسباب أخرى!

وقد روت إحدى الصحف اليومية - في معرض المباهاة والاغتباط - أن الذين طلبوا الالتحاق بالكلية الحربية بلغ عددهم حوالي الألفين. ثم عقبت الصحيفة على هذه الراوية بأن مدلولها يبرهن على أن الروح العسكرية قد أصبحت تملأ نفوس طلبتنا، بعد أن كان الالتحاق بالجندية أمراً لا يرتاح إليه الكثيرون منذ عهد غير بعيد

وثمة أنباء أخرى عن حركة الكليات وكثرة طلاب الالتحاق بها، وعن الجهد الذي يبذله المشرفون على التعليم، والقائمون على شؤون الجامعة في سبيل تيسير التحاق الطلبة بالكليات، وخاصة بعد أن وسع جامعة فاروق الأول في الإسكندرية أن تقبل ما يزيد على حاجة جامعة فؤاد الأول في القاهرة

وما من ريب في أن اطراد الزيادة في طلاب الالتحاق بالكليات والمعاهد أمر جدير بأن يقابل بالارتياح حقا من الوجهة النظرية

أما من الجهة العملية، فإن من بواعث الأسف حقا، أن يتبن أن طلاب الالتحاق بالكلية الحربية، لا يصدرون في طلبهم هذا عن رغبة صادقة في الجندية وفي المساهمة في ذلك الجهد الوطني الأول - وهو الدفاع عن البلاد بالتضحية بالذات وهو أعز ما يملك الإنسان - وإنما وجهتهم في هذا الطلب، أن يكفلوا لأنفسهم مستقبلاً ثابت الدعائم موفور الرزق والترقية المطردة، بأن يعين الطالب حين يتخرج من غير شفاعة شفيع ولا وساطة وسيط، وبأن يرقى سلم الترقي، فيبلغ أعلى رتب الجيش وهي الآن (الفريق)، وفي المستقبل غير البعيد (المشير) أو (المارشال)

كذلك مما يدعو إلى الألم والإشفاق أن يكثر طلاب الالتحاق بكلية التجارة، مع أنهم حملوا على هذا، لأن درجات نجاحهم لا تيسر لهم الالتحاق بكليات أخرى، دون الاستجابة إلى أية رغبة في العلوم التجارية، ودون التهيؤ السابق للنهوض بالأعمال الاقتصادية والحسابية

ومما يبعث على الأسف أيضاً، أن يكثر طلاب الالتحاق بكلية الزراعة، على حين أنهم لم يعدوا أنفسهم أو لم تعدهم دراستهم وطبائع نفوسهم، أو بيئتهم أو ثروتهم لمزاولة الأعمال الزراعية.

في كل أمة مهما تبلغ من الرقى ومهما تبلغ الذروة في الحضارة القائمة، فريقان من الناس: الفريق الأول وهو الأكبر أيضاً، هو الذي تعول عليه الأمة في العمل المأجور في الزراعة والصناعة، وهذا لا غنى لكل أمة عن استخدامه في سن مبكرة، لكي تستفيد من شبابه ونشاطه ومنته البدنية، ولكي يسعه أن يبادر إلى إعفاء ذويه الفقراء أو الدولة نفسها من نفقات تربيته، لأن ميزانية أية دولة في العالم لا يسعها أن تدفع نفقات مراحل التعليم كلها بالمجان إلى الجميع، حتى سن الثلاثين مثلاً

أما الفريق الثاني فهو الفريق الأقل عدداً وهو الذي لا غنى للدولة عن أن تتيح له أن يتفرغ لشئون الحكم وإرادة الأعمال والبحوث العلمية المنوعة

هذان الفريقان قائمان في كل أمة مهما يكن نوع نظام الحكم: فهو قائم في روسيا السوفيتية لأن المساواة النظرية فيها تقوم على إلغاء الرأسمالية لا على إلغاء نظرية التفوق العقلي الطبيعي، وفي البلاد الديكتاتورية ذاتها. أما في البلاد الديمقراطية فقيام الفريقين فخر من مفاخرها

ولما كانت الحضارة القائمة، هي حضارة صناعية أي مؤسسة على التقدم الصناعي الآلي، كان التخصص في كل فرع من فروع الحضارة ركناً من أركانها وظاهرة من ظواهرها

وعلى هذا أصبح لزاماً على القائمين بأمور التعليم الجامعي أن يتعرفوا مدى جدارة الطالب بدراسة العلوم التي اختصت بها الكلية التي طلب الالتحاق بها، لكي يتحقق المعنى الجامعي، وهو الرغبة الصادقة في متابعة دراسة هذه العلوم في الجامعة وبعدها وإلى ما يشاء الله، ولكي تحقق الأمة ما تطلبه من الكفاية الفنية الدقيقة في أبنائها البررة.

ومن أجل هذا ينبغي أن يوجه المحبون للفنون العسكرية إلى الكليات الحربية، وأن يتجه المعدون للشئون الهندسية إلى كلية الهندسة وهكذا. . .

ومتى وفقنا إلى هذا، أي إلى رد الأمور إلى مستقرها الطبيعي وتوجيه كل طالب إلى ما يصلح له - حق لنا أن نبدي ما نشاء من الاغتباط. أما قبل هذا فليس يسعنا إلا أن نبدي الأسف والإشفاق ونطلب من الله الرحمة والمغفرة.

عبد الله حسين

المحامي