مجلة الرسالة/العدد 500/رسالة وجدانية
مجلة الرسالة/العدد 500/رسالة وجدانية
ألوان وألوان
(للكاتب المجهول)
مولاتي!
كان الظن أن ينتهي ما بيننا بعد الجدال الذي ثار في الليلة الماضية، أو السنة الماضية، فما أدري متى التقينا آخر مرة. وكيف أدري واللحظة القصيرة من الفراق تتمثل لقلبي وكأنها أجيال وتواريخ؟
كان الظن أن ينتهي ما بيننا فلا تعود أحلامه ولا أهواله، ولا ترجع أيامه ولا لياليه، ولا يمر بالخاطر في لحظة من زمان
كان الظن أن نفترق، بعد أن تشهينا أن نفترق، ومعاقرة الكأس توحي بصدع الكأس، فكيف أراجع هواك يا ظلوم، بعد أن نويت المتاب، على أعظم حال من الشوق إلى المتاب؟! قد تشهينا أن نفترق، فمتى تفترق؟ ومتى نذوق طعم الأمان من عدوان الأشجان؟
كان اللقاء الأخير بلية من البلايا المواحق، فقد تناظرنا بشراهة تفوق الوصف، وكأننا نريد أن نلتهم ما بقي من زاد الحب، وأن نتزود للأعوام البواقي، وأن نقول إننا لا نواجه بيداء الصدود بغير زاد
لقد أخطأنا فيما صنعنا، والمحبون كبار لا يدرون عواقب ما يصنعون من مرارة الافتراق، وهو غير الفراق!
لن ينقضي ما بيننا أبداً، ولن تبيد تلك الألوان، ألوان الأثواب وألوان القلوب
كنت تلقينني في كل مرة بثوب جديد، وكنت ألقاك في كل مرة بقلب جديد. وما أبعد الفروق بين ألوان الأثواب وألوان القلوب!
لن ينقضي ما بيننا أبداً. وبالرغم مني أن يكون ما بيننا أوثق مما بين العين والضياء، فلك بدوات تجعل الإيمان بحنانك أضعف من الإيمان بأمانة المحتالين
لم تكن لي يدٌ فيما صرنا إليه، فقد فررت من هواك ألف مرة، وانتقلت من محلة إلى محلة ومن إقليم إلى إقليم، لأنجو بنفسي، فهل نجوت؟
إن الشمس تلاحقني حيثما توجهتن فأين الفرار من وَهَج الشمس؟ لا المتاعب الشخصية تشغلني، ولا الحوادث الدولية تشغلني، ولا شيء في الدنيا يصرفني عن التفكير فيما صرتِ إليه بعد الأفتراق، يا أجمل ريحانة في روض الوجود
ألوان أثوابك لا تفوق ألوان قلبي، إلا أن يقال إن المصنوع أجمل من المطبوع
ألوان ثوبك لها أمثال، وليس لقلبي أمثال، وأنت تعرفين ثم تعرفين
اذهبي إلى أبعد الآفاق، واعرفي جميع الخلائق، فلن تكوني لغيري أبداً، لن يكون للغواية سبيل إلى المليحة التي وسمت جبينها بغرامي
لن أجود عليك يوماً بنعمة الحرية، وستطلين في إساري إلى آخر الزمان
جرّبي التحرر، جربيه، إن كانت لك بالتحرر من وثاقي يدان دنياك بعدي بئرٌ مسمومة، فانظري ما تصنعين
لن ينقضي ما بيننا أبداً، ولن يكون لنا غير ما حُظَّ في صحيفة الخلود، وهيهات ثم هيهات أن يمحى سطرٌ خطَّته الأقدار في صحيفة الخلود!
ما في كل يوم، ولا كل عام ولا كل جيل، ينعطف قلب إلى قلب كما ينعطف قلبك إلى قلبي، فنحن الغاية المنشودة من الوفاق الصحيح بين الأرواح والقلوب
دنيانا التي أعرف وتعرفين أصبحت قفراء، فمتى نلتقي لتعود زهراء؟
خبريني متى نلتقي؟ ومتى نعلن الانتصار على عوادمي الزمان؟ لطف الله بك يا ظلوم، وحفظ عليك نعمة الوجه الوهاج! متى نلتقي؟ وهل افترقنا؟ أنت بين يديّ وإن حجبتْك عني فيافٍ وسهوب.
(الكاتب المجهول)