مجلة الرسالة/العدد 516/من أزهار الشر
مجلة الرسالة/العدد 516/من أزهار الشر
للشاعر شارل بودلير
شبح
1 - الظلمات
في غيران الحزن الذي لا قرار له، حيث رماني القدر، وحيث لا ينفذ شعاع وردي مرح، أُراني وأنا منفرد مع الليل، هذا الزائر العبوس، كمصور قضى عليه إله ساخر أن يرسم ويا للأسف! صورة على الظلمات، أو كطاه ذي شهوات كئيبة تُفضي إلى الموت، أغلى قلبي وأجعله أُكلتي
وفي لحظة تألق طيف صيغ من الرواء والجلال، وعندما بلغ آية روعته في مشيته الشرقية الحالمة، عرفت زائرتي الجميلة:
إنها هي. . .! سوداء وإنها لسنية
2 - العطر
أيها القارئ ألم تستنش، في شيء من السكر والنهم المتمهل، رائحة البخور التي تملأ جو المعابد، أو عطراً معتقاً من مثبنة حسناء؟
إنها لفتنة عميقة سحرية، تبعث في نفوسنا النشوة بالماضي الذي يعود في اللحظة الحاضرة! كذلك يجني العاشق الزهرة الناضرة من ذكرياته الغابرة، وبين يديه جسد معبود
فمن جدائلها اللدنة الجثلة، هذه المثبنة الحية، هذه المبخرة التي تملأ جو المخدع، كانت تفوح رائحة وحشية ضاربة
ومن ثيابها الحريرية والمخملة، العامرة بشبابها الناضر، كان ينبعث أريج الفراء
3 - الإطار
مثل الإطار الجميل الذي يضيف إلى الصورة الجميلة، وإن كانت بريشة رسام عظيم، مالا أدري من الغرابة والسحر حين يعزلها عن الطبيعة الهائلة، مثل ما حولها من الحلي والأثاث والمعادن والطلاء، فإنها كانت تتسق مع جمالها النادر. فلم يحجب وصفائها الساطعة شيء، وقد بدا كل شيء كزينة أحاطت بها حتى خالت ذات يوم أنها تريد تتعلق بها حباً، فأغرقت جسمها العاري باشتهاء في لثمات الأطلس والكتان، وكانت كلما تمايلت في أناة أو سرعة تبدي في لفتاتها رشاقة القرد الساذجة
4 - الصورة
إن العلة والمنية تحيل النار التي تشتعل بها حياتنا إلى رماد. فماذا تبقى من هذه العيون النجل المتوهجة الوردية، ومن هذا الثغر الذي كان يغرق فيه قلبي، ومن هذه القبل القديرة كالسلوان، ومن هذه النظرات التي تفيض بالحياة أكثر من الأشعة؟ ماذا تُبقي؟ إنه لمروع يا نفس! فماذا تُبقي غير صورة شاحبة من ثلاثة خطوط
ويحي! من مثلي يموت في الوحدة، ومن مثلي يلطمه الدهر، هذا الظالم المسن، كل يوم بجناحه القوي؟
أيها القاتل الأسود، يا عاصب الحياة والجمال، لن تقضي، في ذاكرتي، على تلك التي كانت بهجتي ومجدي!
ترجمة
عثمان علي عسل