مجلة الرسالة/العدد 531/بولاق
مجلة الرسالة/العدد 531/بولاق
للأستاذ محمد رمزي بك
كتب المستر شارل جون هزويل الذي كان مديراً عاماً لمصلحة تنظيم القاهرة مقالة تحت عنوان القاهرة واتساع نطاقها وملاحظات عن تأثيرات نهر النيل وتغيراته وأرفق بها بعض الخريطات، ونشرها في منشورات الجمعية الجغرافية في المجلد الحادي عشر الصادر في ديسمبر 1922، وقام بترجمة هذه المقالة إلى اللغة العربية الأستاذ محمود عكوش، ونشرها هي وما معها من الخرائط في العدد السادس من مجلة الهندسة الصادرة في يونية 1923، وبالاطلاع على الخريطة رقم 2 الخاصة بتأثيرات نهر النيل وتغيراته تجاه القاهرة ظهر لي أن المستر هزويل اعتبر أن مدينة بولاق مصر كانت جزيرة في وسط النيل، وأنها كانت مشغولة بالمباني ومسكونة وقت أن كانت جزيرة. ولما كتب المسيو مارسيل كليرجيه كتابه في سنة 1934 سار على رأي المستر هزويل، واعتبر كذلك بولاق جزيرة، وأثبت ذلك على الخريطتين المواجهتين لصفحتي 27 و29 من الجزء الأول من كتاب القاهرة المذكور
وأقول أن كل ما تصوره كل من المستر هازويل والمسيو مارسيل لا أساس له من الصحة للأسباب الآتية، وهي:
أولاً: إنه لم يرد في المراجع الجغرافية ولا التاريخية القديمة أن بولاق كانت جزيرة، ولم يتكلم عليها أحد من أصحاب كتب الخطط بوصف أنها جزيرة، مثل جزيرة الروضة وجزيرة الفيل وجزيرة إروى وغيرها من الجزاير التي تكلم عنها المقريزي وغيره في كتبهم
ثانياً: اعتاد الكتاب السابقون أن يذكروا كل طرح يظهر في النيل أو على شاطئيه باسم جزيرة، سواء كان هذا الطرح منفصلاً في وسط النيل أو متصلاً بالشاطئ، ومع كل هذا فلم يذكر أحد من الكتاب أن بولاق كانت جزيرة
ثالثاً: لما تكلم المقريزي في خططه على بولاق (ص 130 ج 2) قال إن ساحل النيل كان بالمقس، وأن الماء قد انحسر حول سنة 570هـ عن جزيرة عرفت بجزيرة الفيل، وتقلص ماء النيل عن سور القاهرة الذي ينتهي إلى المقس، وصارت هناك رمال وجزائر ما من سنة إلا وهي تكثر حتى بقى ماء النيل لا يمر بها إلا أيام الزيادة فقط، وفي طول السنة ينبت فيها البوص والحلفاء وتنزل المماليك السلطانية لرمي النشاب في تلك التلال من الرمل. فلما كانت سنة 713هـ رغب الناس في العمارة لشغف السلطان الملك الناصر بها ومواظبته عليها، فأقبل الناس على الإنشاء والعمارة، وجد الأمراء والجند والكتاب والتجار والعامة في البناء، وصارت بولاق الدكرور يزرع فيها القصب والقلقاس على النيل حيث جامع الخطيري، وامتدت الدور على النيل وسكنوا ورغبوا في السكنى ببولاق من جامع الخطيري إلى جزيرة الفيل، وتفاخروا في إنشاء القصور الفاخرة هناك، وغرسوا من ورائها البساتين العظيمة
رابعاً: لما تكلم المقريزي في خططه عن جزيرة الفيل (ص 185 ج1) قال بين سطوره ما ذكره عن تلك الجزيرة: (وانحسر النيل عن جانب المقس الغربي وصار ما هنالك رمالاً متصلة من بحريها بجزيرة الفيل المذكورة ومن قبليها بأراضي اللوق فافتتح الناس باب العمارة فعمروا في تلك الرمال المواضع التي تعرف اليوم ببولاق خارج المقس)
خامساً: ذكر ابن تغري بردي في كتاب النجوم الزاهرة (ص307 ج7) أنه في سنة 68هـ تربت جزيرة كبيرة ببحر النيل تجاه قرية بولاق واللوق وانقطع بسببها مجرى البحر ما بين قلعة المقس وساحل باب البحر والرملة وبين جزيرة الفيل وهو المار تحت منية السيرج، وانسد هذا البحر ونشف بالكلية، واتصل ما بين المقس وجزيرة الفيل بالمشي
سادساً: ليس من السهل إنشاء مدينة كبيرة مثل بولاق في جزيرة بعيدة عن ساحل المقس في حين أنه لم يكن بينها وبين ذلك الساحل كوبري أو جسر تسير عليه الناس والدواب بين ميدان باب الحديد وبين شاطئ النيل الحالي حيث كانت توجد بولاق القديمة على ذات الشاطئ
ومما ذكر يتضح أن بولاق لم تكن جزيرة في يوم من الأيام
وإنما أنشئت على أرض ظهرت في مجرى النيل، وكانت تلك
الأرض في بدء تكوينها في سنة 680هـ مكونة من الرمال
الفساد اتصلت بحريها بجزيرة الفيل ومن قبليها بأرض اللوق، ثم صار النيل يطمي عليها تدريجياً فربت وارتفعت أرضها
وصارت صالحة للزراعة والسكنى وفي سنة 713هـ أنشئ
في نهايتها الغربية الواقعة على النيل بلدة بولاق في المنطقة
الواقعة الآن حول جامع الخطيري كما هو مبين على خريطة
القاهرة رسم الحملة الفرنسية في سنة 1800 بمقياس
160001
وبالاطلاع على خريطة مدينة القاهرة رسم سنة 1868 يتبين أن بولاق كانت لغاية تلك السنة بلدة صغيرة واقعة على النيل ولم تتجاوز مبانيها المنطقة التي تحد اليوم من الشمال بشارع السبتية، ومن الجنوب بشارع اصطبلات الطرق، ومن الشرق بشوارع سيدي العليمي وعلوة الحجاج وتل نصر ووابور النور، وكانت الأرض التي بين بولاق القديمة وبين شارع الملكة نازلي كلها أرضاً زراعية وبساتين، ولم يحدث فيها البناء إلا في زمن الخديوي إسماعيل، ومن ذلك الوقت أخذت بولاق تتسع في العمارة حتى اتصلت مبانيها بمدينة القاهرة، وأصبحت بولاق قسما إداريا من أقسام القاهرة
محمد رمزي