مجلة الرسالة/العدد 531/قبل براح الشباب
مجلة الرسالة/العدد 531/قبل براح الشباب
للأستاذ حسين الظريفي
غيرُ مستنكر من الأيام ... ما لها من نقض ومن إِبرام
سبقت حكمة الزمان سواها ... وإن استبهمت على الإفهام
لم يزل ينشئ الشباب ويبلى ... يا له من بانٍ ومن هدّام
إِنما نحن في الحياة ضيوف ... لا يزادون حصةً من طعام
فاغتنم فرصة الشباب وبادر ... في ذراه إلى بلوغ المرام
كل يومٍ يمرّ، لم أقض فيه ... وطراً، لا يعدّ من أيامي
إنما العمرُ حاجةُ المرء تُقضى ... والذي بعد ذاك طيف منام
ربَّ مستمع بفضل صباه ... لم يكن آمنَاً من الأيام
ظل في صحة الصبا يتحامى ... ما وراء الصبا من الأسقام
وفراراً من القلي والتجنّي ... لم يكن بالمتيم المستهام
نظرات ضاق المجال عليها ... وهو رحب بغيرها مترام
لستُ ممن يبكي الشباب إذا ما ... ملك الشيب فيه كل زمام
قائلاً لو يعود يوماً شبابي ... ليرى ما للمشيب من آثام
أنا من يترك الصبا ليس فيه ... أمد لم يحلَّ بالأحلام
حاملاً كل ما له من حقوق ... قائماً بالحقوق خير قيام
وفؤادي من الهوى بمكانٍ ... لم تصله ملامة اللوَّام
أجد الغض من شبابي فيه ... ساحباً ذيله على الأيام
لي من ميعة الصبا يقظات ... كدن يذهبن فيه كالأحلام
ولقد راقْ شرحُ كل شبابٍ ... متسام بثغره البسام
فيه من كهرباءة ومضات ... دونها كل وامض من غمام
وتراه بالعبقرية يفري ... ما نبا عنه حدُّ كل حسام
وعليه روائع من معانٍ ... هنَّ إلهام كل ذي إلهام
شاعرٌ جاء من عيون القوافي ... بالتي لم تكن بذات نظام قد تجافت وزن الخليل وعافت ... ما وراء الخليل من أحكام
كبرت أن تكون في اللفظ معنى ... ربَّ معنى من غير لفظ مقام
قد براها من مقلة وجبين ... وقوام يزري بكل قوام
وفؤاد ماضي العزيمة ثَبْتٍ ... لم يعود إلاّ على الإقدام
ودم من لظى أحرَّ إذا ما ... ثار للحق ثورة الضرغام
ميزة إثر ميزة تلو أخرى ... لم تُجابه بالنقص بعد التمام
أيها المزدهي بشرخ شباب ... في ثرى (مصر) أو (بدار السلام)
هذه فرصة الصبا فاغتنمها ... وارم ما أنت في شبابك رام
وابدُ في جانب الحمى أو حشاه ... مثل صدر المهند الصَّمصام
إنما يطلب الحمى أن يفدّى ... في عراك السيوف والأقلام
حسين الظريفي