مجلة الرسالة/العدد 555/المرأة. . .!

مجلة الرسالة/العدد 555/المرأة. . .!

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 02 - 1944



للأستاذ عمر الدسوقي

مناجاة:

ويحك أيها اليراع! مالك تتململ ولا تحير جواباً؟ ما يحبسك عن خوض هذه المعركة المحتدمة؟ إنها الفتنة تكاد تتمخض عن شر مبين، وسيطرة لا تنازع لتلك الأقلام التي تنكرت لما تحب وتؤمن أنه الحق! وإذا كتب لها الفلج فهيهات أن تجد سميعاً أو مجيباً أو مؤازراً بل ستخمد إلى الأبد مطموراً مع تلك الفضائل الحبيبة التي عصفت بها أعاصير الفتنة الجامحة!

استيقظ - ويحك - من هذا السبات الطويل؛ فإن الصمت اليوم جريمة! ألا ترى كيف يناضل دعاة الفتنة، ويصدرون عن ذهنية واحدة، ويضربون في هدف واحد، ويسيرون قد ما بخطى ثابتة يريدون أن يجتثوا ما بقى في قلوبنا من عقيدة وفي نفوسنا من حياء، ويمسخوا تقاليدنا الطيبة مسخاً زرياً؟!

هل تخشى أيها اليراع ذياك التيار الجارف العنيف الذي يهدر بالمجانة والعبث والرذيلة، ويكتسح أمامه النفوس الضعيفة المستخذية المنحلة ويقوض دعائم الحق والإيمان والفضيلة؟ هل يردعك ألا تجد في الميدان لداتك من دعاة الحق إلا نفراً قليلاً؟. . .

لا ترع أيها القلم! فإن هناك نفوساً كثيرة خيرة لا تزال صامدة صابرة تقاوم سيل الأباطيل المتدفق الذي يزلزل الأرض تحت أقدامها، وإن كان يخشى عليها الزلل إن لم يتقدم من يشد أزرها، وينافح عن مبادئها السامية، ويزيل من طريقها ما أثارته تلك الأعاصير حتى يتكشف لها الحق ويتضح الخير فيسكن بلبالها وتطمئن أفئدتها وتذهب شكوكها

لا ترع أيها القلم! فإن دعاة الخير كثيرون، وإن كانوا في صمت رهيب كما كنت، وسوف يدوي صوتهم كما كان بالأمس وسوف يغص بهم الميدان ثانية، فلن تكون في قلة، إن (الرسالة) في ماضيها المجيد قد كشفت عن أقلام جريئة قوية صادقة. فأين هي تلك الأقلام يا ترى؟ لعلها تستجيب لندائك فتلبي سراعاً، فتكافح في سبيل المدنية والخير والفضيلة!

من يوميات فتاة عصري فتاة مسلمة من أصل جركسي ولا يفوتني أن أشكر المؤلف إذ لم يدع أنها من سلالة عربية - تقطن القاهرة مدينة المعز، ومثابة الدين لا ترى حرجاً، وقد تشربت نفسها روح الحضارة الأوربية، وخلب لبها زيفها - أن تسجل في مذكراتها ما يأباه الدين والكرامة، فهي تسمح لعلي شقيق صديقتها بأن يقبلها لأنها (تستلطفه)، ثم تغازل أحمد في سيارة عامة لأن عينيه جذابتان، وتدع منديلها يسقط على مرأى منه كي يعدو وراءها ويناديها فتعرف: هل صوته جميل كعينيه؟ وتراه يدخل حانوت وراق فتلجه خلفه وتتمسح به، فإذا خرج كانت معه لدى الباب كما أرادت فيدعوها للخيالة فتلبي رغبته، وهي لا ترى بأساً من الكذب على والديها، وتذهب معه لأحياء ليلة رأس السنة في ملهى من ملاهي القاهرة وتعود بعد منتصف الليل ولا ترى ضيراً من إحياء عيد ميلادها هي بشرب قدحين من (البورتو)، وقد كادا يكونان من (الويسكي) في مقهى بالجيزة. . . الخ ما هنالك مما أستحي أن أسطره

هذا بعض ما جاء في آخر ما صدر من سلسلة (أقرأ)، ولست أدري وأيم الحق ما غرض مؤلفه منه!

أيريد أن يعرض علينا صورة بشعة مما عليه تعض الفتيات اللاوائي نبذن الفضيلة والخلق الرضي وراءهن ظهرياً، وقلدن الفتاة الغربية في مثالبها ونقائصها فيثير فينا الحمية، حتى ننأى ببناتنا عن مزالق الفتنة؟

أم يريد أن يؤنبنا على تفريطنا في أمر الفتاة، وأنا تركنا لها الحبل على القارب، فكان هذا شأنها؟ أم يريد أن يقول: إن هذه هي الفتاة العصرية، فيآيها الفتيات اللائي لا يزلن متمسكات بالفضيلة والحياء، إنكن جامدات رجعيات، وإن التمدين لن يكون إلا على هذا النمط، فقلدن (سميحة) حتى تتشرفن بأن يخلع عليكن لقب (العصريات)؟

ربما لم يقصد المؤلف شيئاً من كل هذا، وإنما يرمى لهدف لا أدريه، أو أنه يقصد (الفن للفن)، وإن كان عقلي الكليل لم يجد فيما كتب فناً

لا أنكر وجود هذا الصنف من الفتيات اللائي ينتسبن إلى بيئات تدعى أنها (أرستوقراطية)، ولعل الكاتب قد تلطف كثيراً فلم يعرض إلا نموذجاً (معتدلاً) منهن. ولكن أما آن لنا أن نكف عن عرض هذه المغريات التي تهوى بمجتمعنا إلى الحضيض؟ لقد ظهرت (سميحة) بأنها فتاة تعبث ولكنها لا تزل؛ وهذه خدعة من الكاتب، إذا لو هوت وزلت لارتدعت فتيات كثيرات ممن سيقرأن هذا الكتاب حفاظاً على شرفهن. وهب أن فتاة ما نجت بفضل مهارتها وإرادتها، أو بفضل ظروفها إذ لم تقع بين يدي ذئب مستهتر من ذئاب البشرية، فهل هناك ما يكفل لكل فتاة تنهج هذا النهج ذياك المصير؟

إننا لا نكتب لمصر فحسب، بل نكتب للشرق العربي كله، وليس هذا النوع - ونحن في فجر نهضتنا السياسية والاجتماعية - مما يجدر بنا أن نذيعه، فضلاً عن أنه يصور بيئتنا بصورة غير حقيقية لا تمثل إلا شرذمة انفلتت من تقاليدنا الإسلامية، ومسخت مسخاً غريباً فتنكرت لنا، وتنكرنا لها

كم نسبة المتعلمات في مصر - على فرض أنهن جميعاً من هذا الطراز لا قدر الله -؟ شئ ضئيل لا يكاد يذكر مع مجموع سكانها. فهل من الإنصاف أن نتحدث عن الفتاة المصرية بمثل هذا؟

لست ممن يحاربون تعليم الفتاة، لأني أومن بأن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وأن الأم المتعلمة خير من الجاهلة؛ ولكني أريد تعليماً نغرس الفضائل في النفوس الغضة، تعليماً يجعل منها زوجاً صالحة، وأما تنشئ جيلاً قوياً فتياً معداً لمستقبلنا الذي يفرض علية تبعات كبيرة

إني أومن كذلك برسالة مصر الأدبية، ولكن إذا كان في مجتمعنا ما يزري، فهلا سترناه عملاً بالحكمة المشهورة: (إذا بليتم فاستتروا)! إني أعلم أن مصر قدوة تحتذي في البلاد العربية، فلم لا تكون القدوة حسنة تجاري الطبيعة العربية والفضائل الدينية؟!

حزب النسائي

أما سمعت بأن النساء يؤلفن حزباً في مصر - إذ لا ينقصنا غيره - وأن من أعراض هذا الحزب المطالبة بما يسمونه حقوق المرأة في الانتخاب، وأن بعضهن يطلب تغيير الشريعة الإسلامية في الطلاق، إذ لم يحسن الرجل استعماله فلتجرب المرأة، وفي الميراث، فتتساوى النساء والرجال. . . إلى آخر ما هنالك مما أذاعته بعض المجلات عندنا

ليست هذه الأمور مما يجمل بنا التقاضي عنها وإهمال مناقشتها، فإن كانت فاسدة وجب محاربتها، وإلا تركناها تأخذ مجراها الطبيعي. أما المطالبة بما يسمونه حق المرأة في الانتخاب فليس هذا أوانه أبداً، لأن تسعة أعشار النساء في مصر يرسفن في أغلال الجهل والفاقة والأمية والخرافات، وليس من الطبيعي أن نكلف هذه الأكثرية العظمى فوق طاقتها بأن تفكر في الانتخابات وتعنى بالشئون العامة، وهي لم تنل بعد من الضروريات ما يجعلها تعيش كانسان، وإذا كانت جمهرة المنتخبين من الرجال في مصر لا يحسنون استعمال هذا الحق بعد فكيف يكون حال النساء؟ أليس عملكن هذا كمن يرى بائساً جائعاً يموت من الطوى، وعرياناً تقف أعضاؤه وتيبس من البرد فيعرض عليه نزهة في سيارة؟! إن المرأة الأوربية التي تحاكينها لم تنل هذا الحق إلا بعد أن صار التعليم في ديارها أكثر من تسعين في المائة؛ ففي إنجلترا مثلاً لم تنله إلا في هذا القرن، ومنذ سنين معدودات. وأولى بنا ألا نفكر في هذا إلا بعد أن نبلغ هذا القدر من التعليم

إني أتمنى كل الخير للمرأة المصرية فهي نصف الأمة أو تزيد، وأرجو أن تخلص الحركة النسائية في مصر لقضية المرأة فلا تهتم بالزخارف وتغفل الجوهر، وتقلد المرأة الغربية تقليداً أعمى في آخر ما وصلت إلية. إن الخطوات الطبيعة للنهوض بالمرأة المصرية أن يحشد المتعلمات جهودهن لإزالة الفقر والجهل ومحو الأمية وتنوير عقول الجمهرة من نسائنا، حتى لا يخلدن إلى الخرافات والخزعبلات والرقي والتعاويذ

أما الشطط الذي يلج فيه بعض المتعلمات حين يطالبن بتغيير الشريعة الإسلامية في الطلاق والميراث فيتم عن عدم تبصرة بمبادئ الإسلام، وما نتضمنه من خير عميم للمرأة المسلمة تحسدها عليه كل امرأة أخرى في العالم. ولست هنا في صدد بيان هذه المبادئ والإفاضة في شرحها، بيد أني أقول: إذا كان بعض الرجال قد حاد عن نهج الدين وأساء استعمال هذا الحق ولم يستمع لقول نبي الإسلام عليه السلام (أبغض الحلال عند الله الطلاق)، فلن يكون عمل هذا النفر دليلاً ما على أن الشريعة الإسلامية لم تتوخ العدالة ولم تعرف أي الجنسين أولى بأن يمسك عقدة الطلاق. فالمرأة مرهفة الحس رقيقة العاطفة، سريعة التأثر، وزوجها مكلف شرعا بالإنفاق عليها وعلى بنيها، فهو يقدر التبعة حق قدرها ويأخذ حقه الطبيعي. إن مآسي الطلاق في أوربا تفوق الحصر، ويضطر أولو الأمر في لندن لإنشاء محكمة للطلاق كل عام حتى تناهض عدد القضايا الكثيرة، فخير لنا أن نحترم شريعتنا وأن نبث تعاليم الدين الصحيح بين أفراد الشعب، وألا نغالي في ظلامات النساء.

أما حق المرأة في الميراث، فالمفروض أنها ستكون زوجاً؛ لأن هذه هي وظيفتها التي هيأتها لها الطبيعة، فإذا أخذت نصف أختها في الميراث ستأوي إلى من يتكفل بعيشها والنفقة عليها، فيكون نصيبها ونصيب زوجها مساوياً لنصيب أخيها وامرأته، وهذه هي العدالة بعينها. فلا بد من تفهم الإسلام قبل أن نجهر بهذه الآراء الفجة التي تدل على تسرع المرأة وانفعالها وسرعة تأثرها وعدم إصغائها لنداء العقل بل لصرت العاطفة.

عمر الدسوقي

مدرس بمعهد التربية العالي