مجلة الرسالة/العدد 571/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 571/البريد الأدبي
في اللغة
جاء في كلمتي في (57) من الرسالة ما يأتي: (ولا غرو أن تنبو العقول عن مثل هذا التخليط العبث)، وكانت العبارة في الأصل الذي أنفذته إلى الرسالة هكذا: (ولا غرو من أن تنبو. . .)
ويظهر أن المصحح ظن أن (من) من الخطأ، أو من سبق القلم، فحذفها
ولكن إثبات (من) صحيح كحذفها، ففي (الأساس) (لا غرو من كذا: أي لا عجب)
(ا. ع)
تعليقات قرشية مكية
(1)
تثور اليوم على صفحات الرسالة الغراء وفي (بريدها الأدبي) الشائق معركة نقدية هائلة أخالها لا تزال بعد في مرحلتها الأولى.
أما الحملة فمثيرها الأستاذ الكبير (ا. ع) ولقد كان في رأيي - محقاً فيها - وموفقاً إلى حد كبير؛ فآفة الشعر العربي - في النظرة الصحيحة العادلة - هاته البعثرات والقشور يزوقها ويبهرجها من لا يستفظع أن يجعل من روحانية الشعر العربي وموسيقاه الرفيعة معرضاً للسخرية الأدبية والزراية الصاخبة في شكول هي غاية في بلادة التذوق وتحجر الإحساس. ولكن الأستاذ الكبير (ا. ع) رأى أن يجعل من هذا العراك - حداً فاصلاً، وكأنه لم يقتنع بنجاح عمليته في دورها الخطير - فانبرى للشعراء الشباب عامة بالتهكم العارم والنقد اللاذع، وكنا نود لو ترفق الأستاذ رعاية لعهد الشعر في ذاته! فلا مكابرة في أن الشعر العربي اليوم هو في أزهر عصوره الذهبية وأزهاها - إذا استثنينا بعض المشاركات المتشاعرة فيه. وحسبنا تدليلاً على هذا ما تزخر به دواوين الشعر الحديث وسجلاته. ومالي لا أحيل القارئ الكريم على (مجموعات الرسالة العالية)، وما حوته من جيد الشعر ورائعه في جميع سنيها الخالدة. على أننا - ونحن بصدد الحديث عن هذه المعركة الجديدة - نجد لزاماً علينا التنويه بفضل الأستاذ الكبير (ا. ع) الذي تكرم فأثار هذا الجدل، كما أن من فروض الشكر تقدير مجهود النقاد الرشيق الأستاذ (دريني خشبة) والشاعر المفضال الأستاذ (محمد عبد الغني حسن) على نبله وقصده، أما الأستاذان (سيد قطب وحبيب الزحلاوي) فمن حق القارئ أن يوجه إليهما عتباً لطيفاً على هذا التجني لا يحسن أن يبدر من مثليهما!
(2)
لم يقتصر الأستاذ الجليل العقاد على عبقرياته الرفيعة الأربع فراح يجلو للعالم من حيوات أبطال الإسلام وساداته وعالماته صحائف وضاءة تتجلى بين سطورها ذكريات طيبة حبيبة؛ فثمة (الصديقة بنت الصديق) وثم (عمرو بن العاص) وسيصدر له، إن لم يكن صدر أخيراً ولم يردنا بعد، الكتاب الشائق (عبقرية خالد بن الوليد)، كما التفت ذهن العقاد الشاعر إلى شعر العرب الفني وتراثهم فانبرى يبسط لنا من هيولاه ما يسر ويبهر عن مذهبي الشاعرين الغزليين العظيمين (عمر بن أبي ربيعة) و (جميل بثينه) ومسلكيهما فتكشفت لهما - بفضله - مدرستان عتيدتا الصبغة عما ذخر الباحث وعدة الأديب
أما مجموعة العقاد الأخيرة (عرائس وشياطين) التي انتخب فيها نتفاً وطرفاً من مذخور الأدب ما بين عربية وشرقية وغربية والتي يترجمها في مقدمته: (مجموعة وحي العرائس ذوات الشياطين أو من وحي الشياطين ذوي العرائس تلقيناها من هؤلاء وهؤلاء وجمعناها هدية للقراء) فأقرب وصف لها - عندنا - يزاوج بين وضعها وحقيقتها أن نقول إنها حديقة فيحاء ذات أفنان مزهوة ملونة في خمائل شهدية الجني عطرية الشذى منغومة الصدى تتخطر فيها عرائس (هنريك هيني) و (شارل ماكي) و (توماس هاردي) معتنقات مع شياطين (ابن المعتز) و (ابن سهل) و (الشريف الرضي)، وغير أولئك وهؤلاء من الأرواح المرحة المجنحة التي أباحها العقاد ورضى لها أن تتهامس وتتلاقى وتتخالس في حديقته الناضرة المريعة (عرائس وشياطين)
(3)
وهاهو الزمن يسعف ويفي فنقرأ للزيات الحكيم الشاعر، قطعة عتيدة عن المعري الحكيم الشاعر! قطعة رائعة تزخر بالمعاني الخوالد، وتفيض بالألفاظ البارعة، في بيان مشرق زاهر، وإحساس دقيق مرهف، هو بيان الزيات.
لقد أعدت قراءة المقال مرات ومرات، فكان يتجلى لناظري ونفسي أنني أطالع مجلداً ضخماً عن الشاعر الخالد، لا مقالاً موجزاً فيه الفكرة العابرة والنظرة السريعة
الواقع أنني لا أدري - والله - بماذا أصف هذه الفقرات البليغة النابضة: (. . . كان في ظلام الرحم، وولد في ظلام العشية، ثم عاش في ظلام البصر، وانتهى إلى ظلام القبر. ومن هذا الظلام المتصل نسج القدر حياة أبي العلاء، وأنشأ عواطفه وسود فلسفته، وأبهم عقيدته، وأوحش نفسه! ومن هذا الظلام أيضاً تفجر النور كله على قلبه وعقله؛ فكان آية من آيات ربه الكبرى في ذكاء الفهم ولطافة الحس، وقوة الحفظ ودقة التخيل). . .
(صاحب أبو العلاء الزمان ولا بس الناس وراود السعادة حتى استحار شبابه، فلم تزده الأيام إلا يقيناً بعجزه الطبيعي عن مجاراة الأنداد في سباق الحياة، وعن مرضاة النفس بلذات العيش، وعن منازلة الخصوم بسلاح الإفك، فنقلب إلى داره نافضاً كفيه من دهر لا رجية له فيه، وعالم لا صديق له به، ونعيم لا نصيب له منه!)
(كأن أبو العلاء في شبيبته نسيم زحمة، ثم صار في كهولته عاصفة دمار! ولعله لو كان بصيراً متفائلاً كالجاحظ، أو ضريراً شهوان كبشار، لتبدل حكمه على الدنيا وتغير رأيه في الناس!) أأصف هذا بسحر التعبير، وبنصاعة التدليل، وبدقة الملاحظة، أم أصفه ببراعة المنطق، وعمق التحليل، وبهر الإحاطة، أم أنعته بتلون - الاتساق، وإشعاعات العبقرية ومقدرة الفنان؟!
(مكة المكرمة)
حسن عبد الله القرشي
الأستاذ عبد الرحمن البرقوقي
في الأسبوع الماضي انتقل إلى جوار الله شيخ من شيوخ الأدب، وعلم من أعلام الصحافة، هو الأستاذ (عبد الرحمن البرقوقي) منشئ مجلة (البيان)، وصاحب المؤلفات القيمة في الأدب والتاريخ. فجأته المنية وهو مشغول بإعداد الجزء الثالث من كتابه (الذخائر) فأسكتت قلباً كان ينبض بأنواع المعرفة، وأسكنت قلماً كان يجري بمعاني الجمال. والأستاذ البرقوقي كان ثمرة مبارك من ثمار الشيخ محمد عبده، تأثر به في الناحية الأدبية، فكتب في علوم البلاغة، وشرح بعض كتب الأدب. وكان من خير أعماله إصداره مجلة (البيان) في عهد لم يكن للأدب فيه نفاق، فلقي في سبيل ذلك ما يلقى المجاهدون الأولون من الجهد والمشقة في تذليل مصاعب الطريق، وارتياد مجاهل الأرض. جزاه الله على اجتهاده وجهاده خير الجزاء، وعوض أمته وأسرته من فقده خير العوض
إلى الأستاذ محمد عبد الغني حسن
يسرني أن أبدي على صفحات الرسالة إعجابي بما تكتبون، وتقديري لما تحققون، ولا ينقص من قدر ذلك الإعجاب، أو يغض من قيمة هذا التقدير، أن يقع في تعقيبكم على كتاب (الوعي القومي) مما يقتضي التعقيب في زعمي
لقد ذكرتم أن الواو بعد النفي والاستثناء في قول المؤلف (وما من أحد يلمس الحياة العربية الحاضرة إلا ويشعر) لا لزوم لها والفصيح تركها
فهل تقصدون إلى تلك القاعدة التي تقول: (إن الجملة الماضوية الواقعة حالاً بعد إلا يتعين ربطها بالضمير ويمتنع ربطها بالواو)، كما في قوله تعالى: (وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون)؟
أعتقد أنكم لا تقصدون إلى ذلك ولا تريدونه؛ لأن الجملة في عبارة المؤلف مضارعية مثبتة لا ماضوية
لم يبق إلا أنكم قد عمدتم إلى التنبيه على ما في عبارة المؤلف من الخروج على القاعدة التي تضمنها بيتا ابن مالك
وذات بدء بمضارع ثبت ... حوت ضميراً ومن الواو خلت
وذات واو بعدها انو مبتدأ ... له المضارع اجعلن مسندا
ولكني ألاحظ أنكم قصرتم القاعدة على جملة الحال المضارعية المثبتة الواقعة بعد النفي والاستثناء، مع أنها عامة تنتظم ما وقع بعدهما وما لم يقع، فأني لحضرة الأستاذ هذا التخصيص؟
أحمد مصطفى طاحون