مجلة الرسالة/العدد 58/من المسرح الغنائي
مجلة الرسالة/العدد 58/من المسرح الغنائي
2 - سافو
لأوجييه اميل
ترجمة الأستاذ محمود خيرت
الفصل الثاني
(منزل حنا جوسين بباريس وبه حنا ووالده سيزار ثم أمه ديفون وإيرين ابنة عمه)
حنا - إنك تتعب نفسك يا أبي.
سيزار - صه. صه.
حنا - (متأملا صورة فوق الحائط) ما أجمل منزلنا وهو يتحكّم في السهل، وتمتد كرومه نحو الأفق. وما أحلى ما ألمح أمي عند الباب فيتضاعف اجتهادي. ولكن أين هي؟
سيزار - في الدير يا ولدي عند ابنة عمك إيرين.
حنا - وهل تعود إيرين معكما؟
سيزار - نعم لنتسلّى بها في غيبتك.
حنا - حسناً تفعلان يا أبي.
(تدخل ديفون وإيرين)
ديفون - آه يا ولدي ما هذه المدينة. ما أكثر مبانيها، وما أكثر الحركة فيها. إن طرقاتها تموج بالعربات والناس، فأين هي بجلَبَتها من قريتنا الهادئة. آه يا ولدي المسكين!
سيزار - قضى الأمر فلا محل للتبرّم الآن.
ديفون - ولكن هل نسيت إيرين يا حنا؟
حنا - حقيقة كيف أنت يا ابنة عمي؟
ديفون - وكيف تراها الآن؟ أليست صَبُوحةً كالنهار، جملية جمال المِلكات. ولقد ضمّك صدري من الصغر (لزوجها) يجب أن نرحل يا سيزار فهيئ نفسك، بينما ألقي نظر إلى غرف الدار (لولدها وهي خارجة مع سيزار) ضمّها يا حنا (يخرجان).
حنا - ما كان أسعدني بهما، فأنا أغبطك يا إيرين لأنك ستكونين معهما بقريتنا، هبة الش وموطن الأمل والحب.
إيرين - ولعلك تذكر أيام كنا نقصد إلى الغابة فوق حمارنا بلا تشبيه بينما أجراسه تُجلجل تحت عنقه وهو ينهب بنا الأرض.
حنا - نعم يا إيرين وأذكر أيضاً ساعة كنت أضع يدي في يدك وأنا معتزٌ بك مباهٍ بحسنك.
إيرين - كنا نقلد اليهود عند فرارهم من مصر وأنا أسميك يوسف وأنت تدعوني مريم. هل نسيت؟
حنا - لا. لم أنس.
إيرين - وكنا بعدئذ نفر إلى المنزل كأنما يطاردنا هيرود العاتي الذي أسرف في دم الأبرياء، وأذكر أيضاً اغتباطنا عند عودتنا ونحن نسمع صياح الإوز يحمله إلينا النسيم.
حنا - وإن إيرين عندما كنت تقترب من الدار كانت تسرع فتضمني.
إيرين - ما كان عليّ وقتئذ من حرج.
حنا - والآن؟
إيرين - آه. . .
حنا - إذن لا تغضبين لو أنني ضممتك.
إيرين - كما كنا نفعل فيما مضى؟
حنا - نعم كما كنا في ذلك العهد (يضمها ويقبلها في جبينها)
(يدخل سيزار وديفون وفي يديها مصباح وقد رأياهما)
ديفون - (هامسة في أذن زوجها) أرأيت يا سيزار؟
سيزار - رأيت.
ديفون - في رعاية الله يا ولدي.
حنا - دعيني أصحبك يا أميِّ.
ديفون - (تمنعه) مكانك. فهذا المكتب أولى بك. إن العمل في هذه المدينة الواسعة هو الذي يدفع عنك خطرها.
سيزار - صدقت يا ديفون.
ديفون - الوداع يا حنا. ثم احتفظ بها المصباح القديم. فقد كنت على ضوئه أهيئ لك الثياب، وأنظر إلى وجهك من خلل الأستار وأنت طفل في المهد.
إلى الملتقى يا ولدي.
حنا - (متألماً) أمي. . .؟
سيزار - (لديفون وهي متأثرة) ديفون!
ديفون - ثم عليك يا ولدي بالدرس. واجعل نصب عينيك أن تكون رجلاً. والله يرعاك.
حنا - (باكياً) ما أكرمك يا أماه.
ديفون - (متأثرة جداً) تشجّع يا ولدي.
سيزار - (متأثراً مثلها) حنا. . .
ديفون - أراك على وشك البكاء أنت أيضاً.
إيرين - ولكن ألا تشعر بالوحدة هنا.
حنا - يجب يا إيرين. . .
سيزار - إلى المتلقى يا ولدي.
حنا - إلى الملتقى يا أبي. إلى الملتقى يا أمي. إلى الملتقى (يخرجون ولا يبقى إلا حنا ثم فني)
هاهم رحلوا وها أنا في وحدتي. ولكن كيف تطيب حياتي هنا بعد أن ذهبت لذة لقياهم، وبعد أن عشت معهم تحت سماء ذلك المنزل. لقد أصبحت فريداً في باريس تدوي بضوضائها من حولي كما تدوي العاصفة من حول السفينة. آه لم لا يحين الفراق إلا في الساعة التي يحلو عندها الحب؟ لقد دلوا الألم على طريق قلبي. وعرّفوا الدموع مكان أجفاني. . .
(تدخل فني ببطء بحيث لا يشعر بها)
فني - بيبى.
حنا - (يلتفت) أنتِ. . .؟
فني - نعم أنا. أظننت أن كل شيء انتهى. إنني ممن ليس لحبهن مدى. وإذا كنت قد انقطعت عنك فلأنني علمت بمقدم أهلك. ولكن قل لي: من تكون تلك الفتاة الصغيرة التي كانت معهم؟ أختك. هِه؟ (ثم تضحك).
حنا - بل ابنة عمي.
فني - (ببرود) إنها لطيفة حقاً. . . إنني أخذت أرقبهم حتى رحلوا فأسرعت إليك.
حنا - لقد أعدّت لي أمي هذا المنزل لأنصرف فيه إلى درسي.
فني - إذن أذهب حتى لا أضيع وقتك.
حنا - ولم؟. أما كنت أشتغل من قبل وأنت إلى جانبي.
فني - على أنني سأكون عاقلة وحكيمة يا حنا (يقع نظرها على تمثال لها من المرمر) ولكن كيف حصلت على هذا التمثال؟
حنا - إنه لسافو التي صورها كاوودال. إلا تعرفينها.
فني - سافو!. . . أسمع يا حنا إنني أمقت أولئك الفنانين فلا تذكرهم لي فكم أساؤا إلي.
حنا - ولكن الفن جميل يشرح النفس ويرسل السرور إلى المتٌّقد. الجميل هو تلك النفس التي يرفعها الحب فوق مستوى النفوس فتدرك أن السعادة لا تكون إلا حيث تأتلف القلوب
(يحاول هنا حنا أن يقبلها فتشير إلى مكتبه)
عد إلى عملك يا بيبى.
حنا - لا بأس من لحظة.
فني - إذا كنت تحبي فانصرف إلى درسك.
(يعود إلى عمله متظاهراً بالمطالعة وهي يراقبها وكأنها تناجي نفسها)
يا مَن تملّكني هوا ... هُ وقد سرى بمفاصلي
خُذلي أماناً من لِحَا ... ظِكَ إنهنَّ قو اتلي
حنا - آه يا فني ليتك تنشدينني دائماً شعر هذا الحب
أنِعشي مسمَعي وغني ... قصة الغرامْ
واعلَمي يا مناي أني ... فيك مُستهامْ
كلما هجتٍ مسمَعي ... لا أرى خاطرِي مَعي
فارحمي المُتيّم
فني - هل تُرى حلَّ قلبهُ=صادق الهيامْ
هل تُرى حلَّ قلبهُ ... صادق الهيامْ أم تُرى أنَ حُبَّهُ ... مالهُ دَوامْ
ربّما خاب مَطْمِعي ... وانطوى فيه مصرعَي
فالرحيل أسلَمْ
(تحاول الذهاب فيمنعها)
حنا - أنت مِلْكِي لا مَرَد
فني - لستُ ملكاً لأحَدْ
حنا - آه ما كنتُ أظنْ
فني - إن تُرِدني فليكنْ
حُّبنا ملكُ الأبَدْ
حنا - أنا يا فنيّ فقيرْ
فني - في الهوى كل الِغنَى
إنما البؤسُ يصيرْ ... في حِمى الحبِّ هَنا
حنا - مستحيلٌ. مستحيلْ
فني - ليس في الحُب مُحالْ
أنا في البيت أزيلْ ... عنكَ أسباب الَملاَلْ
كلما أبصرتني ... أتثني زِدتَ جِد
فاجتهد لا تثني ... ولنكن ملك الأبدْ
حنا - دعي شفتي تَغتنمْ قبلةً=من الوجنتين لأحيا بها
فقد صار حسنك لي قبلةً ... يصلي غرامي بمحرابها
فني - ودعني لصدرك أنسى به=عذاباً بقلبي وحظاً قسا
فيالتهم علِموا ما بهِ ... وما جرّعوني كؤوس الأسى
معاً - نعمنا على غفلةِ من رقيبْ=وتمَّ المرامْ
كذاك الحياةُ فليستْ تطيبْ ... بغير الغرام
(قبل وعناق)
الفصل الثالث المنظر الأول
(في مطعم (نعيم البطون) بحديقة مدينة أفريسي في يوم أحد)
(فني في نافذة تطل على الحديقة وحنا من خلفها)
فني - ما أطيب الحب تغمره مثل هذه الشمس، ألا نخرج يا حنا؟
حنا - نعم نخرج (محاولا ضمها)
فني - ألا تخشى أن يرانا الناس.
حنا - بعد سنة. . . ونحن هنا، ما أسرع مر الأ يام.
آه كم ملكت مشاعري يا فني؟
فني - ولكنك مع هذا لم تصبح كلك لي. إني أود أن تكون لي وحدي. وألا تشوب سماءً هذا الحب غيومُ حياتي الأولى.
حنا - ألم نقطع شهى الحياة في هذه المروج الساحرة؟
فني - وأنا أرقب عودتك عند كل مساءٍ.
حنا - فإذا ما عدت هزّتنا أحلام القُبَلِ وأناشيد الحب والأغصان خفاقة نشوى بتغريد الطيور (يجذبها إليه) آه يا فني؟
فني - ليس هكذا. دع ليس ساعدك ليشعر الناس أنك إلى جانبي.
حنا - (يفعل ما طلبت)
فني - نعم هكذا. هلم الآن.
حنا - (يغني).
أضاءتَ حياتي فيوضُ السّنا ... فليلي نهار
وأطْربني بنشيد المُنى ... لسان الهزاز
فني - وطوّق خصري حبيب الهنا=وحسني إزار
أنا مِعْصُم الحسن يزهو أنا ... وأنت السوار
(يختفيان حيث يؤم الحديقة لا بودري وبعض فتيان وفتيات وكذلك كاوودال حيث تقع عينه على المطعم فيشير إليهم) كاوودال - من هنا. من هنا.
لا بودري - حقاً إنه مكان بديع.
كاوودال - (مشيراً إلى اسم المطعم)، ثم انظر إلى هذا العنوان.
لا بودري - لقد صدق والله. إن الطعام في الواقع نعيم البطون (يقترب الباقون لاغطين فرحين)
(يتبع)
محمود خيرت