مجلة الرسالة/العدد 591/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 591/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 10 - 1944



فرقة التمثيل

حاربت مع من حارب الفرقة القومية للتمثيل التي كان يديرها الأستاذ الجليل خليل مطران، ولم أحفل بمن كان يطالب بالتريث والاصطبار إلى أن يشتد عضد الفرقة وتقوى على مسايرة الأمة في نهضتها الأدبية، لأني كنت ولا زلت أعتقد أن المسرح مرآة ثقافة الأمة وعنوان إدراكها معنى الحياة وأن السكوت عنه إنما هو خيانة للأدب

ولقد صفقت فرحاً يوم استخلص الشبان الإدارة من أيدي الشيوخ، لظن حسن مني بأن إرادة شبابنا لا تقاوم، وأن حبهم الفني للفن يقصيهم بعيداً عن الشهوات والنزعات

ولكن، سرعان ما قبض الشبان على أعنة التمثيل حتى استهانوا بالفن وبذواتهم، وتراخوا عن العمل، وانحدروا دراكاً إلى مستوى عامة الشعب

أسوق هذه الكلمة إلى إخواني في فرقة التمثيل المصرية وهم هم الذين قاموا على أنقاض الفرقة القومية، لا لأحاسبهم على ما اقترفوه في حق النهضة الأدبية خلال العامين المنصرمين في تمثيل روايات (كلنا كده) وشهرزاد (وسلك مقطوع) وإضراب هاتيك المهازل السخيفة والتهريج السمج، بل لأنبههم بأن أقلام الكتاب لم تعد تغلها قوة طاغية، ولا تسيطر عليها أهواء السياسة ووسوسات الشيطان

حبيب الزحلاوي

تعقيب

عقب الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في الثقافة رقم (300) على كلمة الأستاذ عبد الحميد ناصف في الرسالة رقم (579) بشأن كلمة (الصدفة) إذ يستشهد الثاني على لغويتها ببيت أبي دهبل الجمحي:

فطوراً أمني النفس لقياك صدفة ... وطوراً إذا ما لجَّ بي الحزن أنشج

ويتساءل الأستاذ عبد الباقي عن المصدر الوارد به هذا البيت

قلت: ورد البيت في كتاب الأغاني جزء6 صفحة 151 (طبعة المغربي) هكذا:

فطوراً أمني النفس من عمرة المنى ... وطوراً إذا ما لج بي الحزن أنشج كما أنه ورد على هذه الصورة في آمالي المرتضى جزء (1) هامش صفحة 82

وأما عمرة هذه صاحبة أبي دهبل فهي امرأة من قومه (وكانت جزلة يجتمع الرجال عندها لإنشاد الشعر والمحادثة)

(نابلس)

فدوى عبد الفتاح طوقان

إلى الأستاذ توفيق الحكيم

سيدي الأستاذ الجليل صاحب مجلة الرسالة المحترم

قرأت في العدد 588 من مجلتكم الغراء في باب البريد الأدبي كلمة للأستاذ توفيق الحكيم يرد بها عن نفسه بعض تهم ألصقتها به الصحافة السورية، كما أنه يتبرأ من رأي (هو كعادة آرائه في المرأة) كان قد أعطاه عن الوحدة العربية راجياً صحف الأقطار الشقيقة أن تضن قليلا بحسن ظنها في صحة الأقاويل والإشاعات التي تنسب إليه وألا تلقي بالا إلى غير ما ينشر موقعاً عليه باسمه من مقالات أو تصريحات مسنداً ذلك إلى بدعة (أحاديث المجالس) المتفشية في الصحافة الحديثة (كذا)

ولما كنت ذلك الصحافي الذي تفضل عليه الأستاذ (حفظه الله) برأيه في الوحدة العربية لأنشره، وقد نشرته فعلاً في مجلة (العالمان) السورية في شهر يونيه الفائت إلى جانب آراء للأساتذة أنطون الجميل بك وعبد القادر المازني و. . وكان يومئذ جالساً في مقهى (ريتز) مع الأستاذ المازني (الذي لم اكن أعرفه) فقدمني إليه يعطيني بدوره حديثاً عن الوحدة قائلاً: إن الأستاذ المازني خير من يفي هذا الموضوع حقه لأنه أكثر ممارسة له

وقد كان الأستاذ المازني لطيفاً جداً إذ وعدني بإنجاز الحديث في اليوم التالي بينما كان الأستاذ الحكيم يكتب بخط يده! نعم بخط يده، أجوبته على أسئلتي على ورقة ما زلت محتفظاً بها

وبعد. فقد جئتكم راجياً نشر كلمتي هذه على صفحات رسالتكم لإظهار الحقيقة

وتفضلوا بقبول أسمى احترامي

محمد فاضل طلس نظرية دوركهيم والإصلاح الاجتماعي

كتب الدكتور محمد مندور مقالاً في العدد 586 من مجلة الرسالة الغراء، ذكر فيه رأيه في المنهاج الذي يجب أن نسير عليه إذا أردنا النهوض ببلدنا. ونص فيه على (شاب مسكين أكبر الظن أنه حديث التخرج من قسم الفلسفة بالجامعة) لأنه (تحدث عن مكافحة الأميين في ضوء علم الاجتماع) فذكر (أن هذه المكافحة ستجري ضد قوانين علم الاجتماع المزعومة) وأنها لذلك لن تنجح لأن عقلية الفلاح ليست عقلية حضارة وعلم وإنما تصبح كذلك بعد أن تنتشر الصناعات في مصر) وأنا لم أقرأ مقال هذا الشاب (المسكين) ولا يعنيني رد الدكتور مندور عليه أو شتمه إياه وإنما يعنيني أن أدفع زعماً نشأ عن سوء الفهم لنظرية المدرسة الفرنسية الحديثة وعلى رأسها العلامة دوركهيم

لعل الفكرة الأساسية في نظرية دوركهيم هي أن الظواهر الاجتماعية تسير وفق قوانين لا تقل في صرامتها عن قوانين الطبيعة، وإنها تتطور تبعاً لسير الزمان واختلاف المكان

وليس معنى هذا أننا لا نستطيع عمل أي إصلاح. ويتحتم علينا أن نقف مكتوفين أمام ما تبرمه تلك القوانين. كلا. أننا إذا دققنا الفهم ووضعنا هذا الإحساس أمام أعيننا أمكننا أن ننشئ فناً إصلاحياً دعامته علم الاجتماع. فمن يقوم على دراسة ظروف البيئة وأحوال الشعب وأخلاقه، ومقدار التطور فيها، ومقدار تقبل الشعب للإصلاح الجديد. ويجب أن نقف على حالته الاقتصادية وقوفاً تاماً. وبالجملة نكون على علم تام بحالة البلد التي نحاول أن نضع لها مشروع الإصلاح، وما يترتب عليه من نتائج في شتى فروع الحياة. وينبغي كذلك أن نستعرض آثاره في الأمم التي أخذت به، حتى نستطيع أن ننتفع بأخطاء غيرنا، وإن نكون على علم بالأحوال والظروف التي أحاطت بتنفيذه حتى نتلافى الضار منها

هذا هو الوضع الصحيح إذا أردنا الإصلاح، وأردنا أن نسير بالمجتمع نحو الكمال في شيء من التدرج الذي لا يحس معه أفراد المجتمع أن شيئاً خارجاً عن طبيعتهم قد أقحم عليهم، بل يشعرون إن إصلاحاً كهذا من طبيعة الأشياء ومن لوازمها. ولعمري أن هذا الشعور وحده قمين بنجاح أي إصلاح

ولقد أجاز بعض العلماء التدخل في قوانين الظواهر الاجتماعية. أي في لغتنا نحن أجاز هؤلاء العلماء أن نظفر بالشعب ونستحثه على السير إلى الأمام بخطوات أوسع، ولكن هذا لا يتم إلا إذا هيأنا أذهان المجتمع لإصلاحنا التهيؤ الكافي

ومن هذا نرى أن علماء الاجتماع لا يتفقون بعلمهم موقفاً عقيماً في وجه أي إصلاح بل أنهم يريدون أن يكون الإصلاح أساسه العلم الصحيح بأحوال المجتمع وميوله

وإذا رحنا نحن نوسع هذا القول ونقاربه من الموضوع الذي حدا بنا إلى كتابته وهو موضوع محو الأمية. فإننا نرى أن هذا المشروع يسير وفق قوانين المجتمع، فلقد أحسسنا برغبة شديدة في محو الأمية للاستزادة من العلم والسير في قافلة العالم المتمدن. ثم إن هذا المشروع لم يرتجل ارتجالاً بل أتى نتيجة لدراسة عامة شملت جميع النواحي الاجتماعية وخاصة الناحية الاقتصادية. زد على ذلك أنها عند عرض هذا المشروع على البرلمان المصري لم يعترض أحد على المبدأ مما يدل على أن هناك استعداداً لتقبله

وأخيراً فإني أعتقد أننا عملنا الدعاية الكافية له. وأن في مسارعة الهيئات المختلفة إلى تلبية ذلك النداء لدليلاً كافياً على أن الزناد كان متوقفا على إشعال الثقاب فقانون محو الأمية يوافق رغبات المجتمع إذن وهو بذلك يسير وفق قوانين علم الاجتماع التي قلنا عنها أنها تتطور على مرور الزمان وتختلف باختلاف المكان

أما إذا كان مخالفاً لرغبات المجتمع فما كنا نرى بالمرة صيحات الاستحسان له من كل مكان ومنها صيحة الدكتور مندور، وأظنه يعلم من تاريخ النهضة أولئك الرجال الذين أوذوا في سبيل دعواتهم لأنهم لم يمهدوا لها التمهيد الكافي مخالفين بذلك نواميس الاجتماع

فليطمئن إذن الدكتور مندور فإن أحداً لن يتأثر بدعوته الهوجاء في نبذ نظريات العلم لأن هذا يخالف قوانين المجتمع ولأن أحداً لم يبلغ من السذاجة مقدار ما بلغه رجله الفرنسي

وبعد فهذه كلمة قصيرة نكتفي بها اليوم ولدينا مزيد إذا أراد الدكتور مندور.

سعيد زايد

ليسانس في الفلسفة والاجتماع