مجلة الرسالة/العدد 607/ذكرى
مجلة الرسالة/العدد 607/ذكرى
على الرغم مني أن خلا منكِ معهدُ ... وأنَّك ذكرى الصدى يترددُ
وأنت التي كانت عميقاً شعورُها ... وتفكيرُها فهي الوجود الموكّد
طواك الردى ما بين يوم وليلة ... وأهنأ هذا الناس نحن وأسعد
وجَدّث الردى هزلُ، وأحكامه هوىً ... ومنطقه فوضى القياسٍ مفنَّد
قَضي أن تموتي حتفَ أنفك غضَّة ... وما أنت كُبرانا ولا أنتٍ أوهد
وأن يتوافىَ نحو بيتك صحبُنا ... فيلقاهم في البيت أَرملُ مُفرد
يصبّرني أهلي شجاهم تهالكي ... يقولون هذه أختها تتجلد
وما أختها؟ إني عَدِنْتُ قرينتي ... وأختي، ومن أرجو، ومن أتفقد
تسائلني أمي ضحّى: أين تقصد؟ ... فأفحم لا أدري، فَيْومي تشرُّد
وأغمض جفني حين تطرق مضجعي ... ليُسكن روعَ الأم أنيَ أرقد
يُهيِّج ما بي أن ألاقى معزِّيا ... وما بي - وإن طال المدى - ليس يخمد
وجانبتُ من لم يبلغ سمعَه ... حذارَ سؤالٍ عنك لا يُتعمَّد
وأعدل عن هذا الطريق لغيره ... فقد كالما جُزناه نُهوى ونصعد
وخير رفيقٍ أنتِ في كل رحلة ... وخير سمير للحديث ينضِّد
وتجلس في حضن الطبيعة ضمتُنا ... مناجاتها - إن الطبيعة مبعد
ونجلس للإسفار ندرسها معاً ... كأنْ ليس غير الكُتْب في العيش مقصد
فلا درس إلا وهو عندك أرشد ... ولا لهو إلا وهو قربّك أرغد
أمثلك لي خلٌ كريمٌ موافق! ... أبعدك نعمي في الحياة وأَسْعُدُ!
وهل متعة إلا عليها موكلٌ ... يحرّمها من ذكرياتك مُرْصَد
بحسبيَ أيام قلائل عشتُها ... بواحة روضٍ حولَها العمر فدفد
هنيهة أنسً، قبلَها العيش صفحةٌ ... بياضٌ وعيشي بعدها اليومَ أسود
ووالله لا أدري أدهري أذمُّه ... على قِنَصرٍ فيها - ولا شيء مُخَلَد؟
أوانيَّ على ما خصَّني فأذاقني ... ولو طرفاً من ذلك الخلد أحمد؟
برغمي أن قد عاود الشعر مِقْوَلي ... وأم كان في مرثاك منه التجدد
وقد كان يستعصي عليَّ، فما له ... كدمعي معينٌ سيلُه ليس يجمد! تعجّب أصحابي وطال سؤالهم ... يقولون لي في كل يوم تُقَصَّدُ
وما كان أغناهم عن القول لو دروا ... بأني طول الليل يقطان مُسْهَدُ
وكنتِ عروسي في الحياة، فلاتَنِي ... عروسً قصيدي تلهمين وأُنشد
عبد الرحمن صدقي