مجلة الرسالة/العدد 607/صفحة حزينة. . .!

مجلة الرسالة/العدد 607/صفحة حزينة. . .!

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 02 - 1945



(إلى زوجتي الشابة المثقفة الطيبة الخلق شريكة حياتي ورفيقة

دراساتي).

للأستاذ عبد الرحمن صدقي

بعد أيام. . .

مماتك في الرَّيعان أصمي مقاتلي ... وفقديكِ من عيشي مشيرٌ مشاكلي

وكنتِ الغِنَي من مشكل بعد مشكل ... وعقداتِ نفسٍ تستديم قلاقلي

مشاكل شتَّى: حاجةُ النفس للهوى، ... وحاجة ذي حسٍ، وحاجة عاقل

جمعتِ لي الدنيا - فأغنيت معدمي، ... وأمتعتِ محرومي، وزينتِ عاطلي

أدور بعيني كالشريد بلا هوىً ... ولا منزلِ مثلِ الهوى والمنازل

وما منزلي إلا الذي أنتٍ ملؤُه ... وما من هوى إلاّكِ بين العقائل

رأيت الغواني وهي لهوٌ ومظهرٌ ... وأنتِ مزاجٌ من جميل وكامل

ورقة إحساس، وعفة لفظةٍ ... ولحظٍ وتفكير، وحفل فضائل

تعزَّيْتُ لو أني كغيري من الورى ... وأَنَّكِ أُنثى كالنساء الحوامل

ولكنني نفساً وحسّاً مُعَقَّدٌ ... وأنكِ طبُّ للنفوس العلائل

أقول لدهري فيمَ، فيمَ حرمتني؟ ... وكل عزائي كان فيها ونائلي

أسائله في كل يوم وليلة ... ولن ينتهي مهما حييتُ تساؤلي

أراني مع الأيام تزداد لوعتي، ... وعهدي بها للنقص في قول قائل

ويوحشني، أني وحيد وأنني ... مع الناس - أبغي الأنسَ في غير طائل

يزلزلني همي، فأخرج هائماً ... أسكِّن في هذا الفضاء زلازلي

فأذهل أن ألقي السماء وضيئةً ... تَشِعُّ على الآفاق بسمة آمل

وأن تكتسي الأشجار أنضرَ خضرة ... ويرقص موجُ النيل رقصة جاذل

بنا تسخْر الأقدار: موتٌ وأدمعٌ ... وثمَّةَ أنوارٌ وزهر خمائل؟!

خيالك في التابوت أثلج بي دمي، ... وأحرق أعصابي، وهدَّ مفاصل وغيَّض دمعي أن رأيتك جثةً ... وجسمك معروق العُلَى والأسافل

ووجهك شمعٌ ذو شجوبٍ وصفرة ... كرسم عتيق في التصاوير حائل

وشَعرك غريبٌ، وهُدبكِ أَسودٌ ... كذيل غُدافٍ حالك الريش ذائل

وما أنس لا أنسى جبينَك عالياً ... قوياً - على قيد الردى - غير ناكل

كأن الردى قد هاب ما في وِطا بِه ... من العلم عصريّاً وعلمَ الأوائل

وأذكر زوجي كيف كانت إلى مدىً ... قريب، وما اختُصَّتْ به من شمائل

فينهلّ دمعي هامراً بعد حبسةٍ ... تَفَجُّرَ مُزنٍ حافل الضرع هاطل

وأعجبُ من شان الحياة وسرّها ... وأعجب من شأن المنون المعاجل

ويبلغ من فعل الزمان تعجّبي، ... فأضحك كالمفجوء من فعل هازل

هنا كان إنسانان: شطرُ وصِنْوُهُ ... سعيدان في فيض من العطف شامل

ففيمَ انصداعُ الشمل، شطر على الثرى ... وآخر من تحت الثرى والجنادل

لقد كان لي في الحب مَحْيا مضاعفٌ ... وحبك - بعد البين - لاشك قاتلي