مجلة الرسالة/العدد 620/الأدب العصري
مجلة الرسالة/العدد 620/الأدب العصري
في الجنوب الغربي لشبه جزيرة العرب
للدكتور ر. ب سار جنت
تمهيد
ليس في أنحاء العالم العربي جزء يعرف عنه الناطقون بالضاد أقل مما يعرفون عن الزاوية التي في الجنوب الغربي لجزيرة العرب إذا استثنينا منها عمان. وفضلاً عن ذلك ليس في تلك المنطقة ما هو أقل معرفة لجيرانه من بلاد اليمن، على الرغم من وقوعها في الطريق العام للعالم، وعلى الرغم من تاريخها الطويل في ميدان الحضارة. يقول ابن خلدون: (وتبقى الصنائع طويلاً في البلاد المتحضرة. فهي هناك تتجدد دائماً، وخصوصاً ما تمتاز به اليمن (كنسيج الوشي، والعصب، ونسيج الثياب والملابس الحريرية إلى غير ذلك مما وصل إلى درجة الإتقان).
وليس من الصعب أن نشرح السبب الذي من اجله كنا على جهل بهذه البلاد؛ فقد ظلت بلاد اليمن وحضرموت قرناً ونصف قرن وهما في اضطراب وفوضى لم يقض عليهما إلا منذ نيف وعشرة أعوام مضت. وكانت الحكومات القائمة في ذلك العهد لا ترضى أن تأخذ على عاتقها مسئولية السماح للأجانب بالسفر في البلاد أو بالكشف عن أسرارها. وكان يؤيد ذلك الخطر مناعة البلاد بجبالها الشاهقة التي في (اليمن الخضراء)؛ لهذه الأسباب لم يتسن للرحالة، أو التجار، أن يتعمقوا في جنوبي بلاد العرب، منذ البعثة الدنمركية لنيبوهر، ومنذ الأيام التي كان فيها للبريطانيين والفرنسيين مصانع في مخا تشغيل في تجارة البن.
على أن الأحوال قد تغيرت في السنوات الأخيرة، فاستطاع كل من العرب والأوربيين أن يزوروا اليمن، ومحمية عدن، وحضرموت. وبين كتاب العرب في تلك البلاد عبد المحسن الذي ظهرت كتاباته قبل الحرب الماضية، ومنذ ذلك التاريخ ظهر الريحاني، ونزيه المؤيد العظم، ثم أحدثهم جميعاً الدكتور حزين. وكان من ثمرة الاتصال السياسي بين اليمن من جهة، ومصر والعراق من جهة أخرى أن اليمن استجلبت منهما خبراء، في العلوم الهندسية في الغالب، كما أن اليمن أوفدت عدداً من طلابها إلى القاهرة وإلى بغداد. كذلك التحق بخدمة إمام اليمن عدد من السوريين والأتراك، وعند عودتهم إلى بلادهم أفضوا بتصريحات إلى رجال الصحافة الذين كانوا يتطلعون لأخبار اليمن. ورغبة في ري ظمأ العالم المفكر عن أخبار اليمن، استخرج من بين طيات المخطوطات الأب أنستاس ماري الكرملي كتاب (بلوغ المرام) للعرشي ونشره (طبعة مصر سنة 1939) وهو يصل بتاريخ اليمن إلى سنة 1900. على أن القسم الخلاب في ذلك الكتاب هو الفصل الممتع الذي كتبه نيافة الأب بقلمه عن الدولة الحديثة، معتمداً فيه على الكتابات والجرائد المعاصرة. ومع ذلك فإن القارئ يسترعيه لأول وهلة رجوع الأب أنستاس، في كثير من المواضع، إلى مؤلفات الجغرافية في القرون الوسطى؛ فالمعلومات التي جمعها ابن حوقل، أو المقدسي، أو ياقوت ما زالت تقتبس سداً للنقص الذي في المعلومات الحديثة عن اليمن، على حين أن الحمداني - وهو دائرة معارف عن جنوبي بلاد العرب - ذو نفع لنا لا يقدر. وقد أخرج نيافة الأب أنستاس الجزء الثامن من كتابه (الأكليل) مطبوعاً شافياً. ولم يفتأ رجال الأدب يعلنون حزبهم على فقد الأجزاء الضائعة من ذلك السفر، غير أنه ينبغي لنا ألا نفترض ضياعها لمن سيأتون بعدنا، فإن الريحاني يقرر أن الإمام عنده نسخة كاملة للكتاب في مكتبته بصنعاء، وهي مكتبة يقال إنها إحدى كبريات المعاهد التي من هذا القبيل في الجزيرة العربية، ولو أن هناك كذلك مجموعات فاخرة من الكتب في حوزة أمراء حضر موت. والحق أنه يجدر بنا أن نؤمل أملاً غير ضائع في أن كثيراً من الكتب المأثورة، التي لم يصل إلينا علمها إلا من كتاب (الفهرست) أو كتاب (كشف الظنون)، ربما كشف عنها البحث في جنوبي الجزيرة العربية. ويشغل بجمع هذه المخطوطات في اليمن سيف الإسلام عبد الله المشهور بولعه بشئون التربية. وقد سمعت من يخبرني بأن مصاحف بالخط الكوفي القديم كانت لا تزال تستعمل في القرى النائية حتى عهد غير بعيد. وربما أحل انتشار المطبوعات مصاحف مطبوعة محل تلك المخطوطات، فاليمن اليوم تتطور تطوراً ربما كان أعظم من أي تطور شاهدته من خلال عدة قرون مضت.
أنواع الأدب القديم السائدة في الجنوب الغربي لجزيرة العرب
يجنح الأدب في الجنوب الغربي العرب، بصفة عامة، إلى أنواع ملموسة ما تزال واضحة في كتابات العصر الحاضر، وخاصة فيما يتعلق بأغراض الأدب أو موضوعات الكتابة.
وأقدم الكتب التي خلفها كتاب هذه البلاد في الماضي هي في الغالب دواوين شعر هو في كثير من الأحيان شعر ديني ذو نزعة صوفية. وقد قام لويس شيخو بدراسة فيها شيء من التفصيل للشعراء النصارى القدامى في تلك المنطقة. وأشهر المنظومات غير الدينية، وأصلحها تمثيلاً لغيرها، هي (القصيدة الحميرية) لنشوان بن سعيد، وفيها يتحدث الشاعر عن افتخاره بالتراث الموروث في العلم والعزة والسلطان. ومن ذلك قوله:
وملوك حمير، ألف ملك، اصبحوا ... في الترب رهن صفائح وضراح
آثارهم في الأرض تخبرنا بهم، ... والكتب من سير تقص صحاح
أنسابهم فيها تبين، وذكرهم ... في الطيب مثل العنبر الفياح
ملكوا المشارق والمغارب، واحتووا ... ما بين أنقرة ونجد الجاح
ملت ثمود وعادا الأولى معاً ... منهم ملوك لم تكن بشجاح
وكان للمؤلفات التاريخية دائماً ازدهار وخاصة في العصر الرسولي حينما كانت زبيد مركزاً لحركة أدبية منتعشة. ونكاد نكون في غنى عن التنويه بأمثال هؤلاء المؤلفين أو هذه الكتب: عمار الخزرجي، والجندي ثم تواريخ صنعاء والغز. وكان من الطبيعي، في بلاد تقوم فيها الحياة على نظم القبائل، أن يشغل علم الأنساب بال المؤلفين، وقد كتب فيه السلطان الملك الأفضل، كما أن هناك مجلداً ضخماً عن تاريخ الأولياء وطبقات الفقهاء في بلاد اليمن، إلى جانب سير الصحابة والمدائح النبوية.
ذلك إلى أننا نجد كثيراً من الكتب الزيدية بأقلام أتباع المذهب الخامس كما يسمى الزيدية مذهبهم، كما نجد كمية عظيمة من الكتب الفقهية الشافعية، وتنقسم البلاد جغرافياً إلى قسمين: اليمن الأعلى واليمن الأسفل، ويتبع الانقسام المذهبي ذلك الانقسام الجغرافي على وجه التقريب. ويمكن أن تسمي صنعاء الحاضرة الثقافية للزيدية، على حين أن زبيد، وتريم وغيرهما من المدن الجنوبية ذات المعاهد العلمية التي أنشأها أو أحياها الأمراء الرسوليون، ما زالت مراكز لفته المذهب الشافعي.
ومن أنصع الأدلة على أهمية البلاد من حيث هي مركز ثقافي في العصور الوسطى أن السلطان الملك الأشرف دعا العالم اللغوي الشهير الفيروز ابادي للإقامة هناك في نهاية القرن الثامن الهجري، ثم عينه بعد ذلك قاضياً للقضاة. ومعظم الكتب التي ألفت في العصور الوسطى، من طراز كتاب (شمس العلوم) لنشوان الحميري، هي نتاج لدراسة سنية صحيحة وإن كانت خالية من الابتكار. وعلى ذكر هذا الكتاب نقول: إن إمام اليمن كان يأمل أن ينشره بجميع أجزائه، بل إنه رغب في الأمر المرحوم الملك فؤاد، وقد عين وقت للنشر، بل إنه صدر إعلان عن ذلك النشر، ولكن وا حسرتاه، لم يظهر الكتاب حتى الآن. ويمكننا أن نقول بصفة عامة إنه يبدو إن اليمن في العصور الوسطى، على الرغم من الطابع الخاص الذي امتازت به مؤلفاتها، لم تتمخض عن حركات أدبية مبتكرة أو ذات نباهة عظيمة. ولعل خير ما يوضح لنا اتجاه الناس نحو العلم، من حيث هو إجلال واحتفاظ للمعلومات، هو البيت الآتي الذي قاله شاعر مغمور وأنشدنيه أحد أصدقائي:
العلم يعلى بيوتاً لا أساس لها ... والجهل يدني بيوت العز والشرف
وبما أن اليمن اليوم بلاد ما زالت إلى حد كبير في العصور الوسطى، تتحرك الهوينى نحو الحياة العصرية السائدة في سائر العالم، لم يكن هناك بد من أننا نجد ما ينشر فيها اليوم من الكتب يشبه كثيراً في طابعة تلك الكتب التي أخرجتها في العصور الوسطى.
الطباعة والمطبوعات في اليمن
في صنعاء اليوم مطبعتان، إحداهما في القصر الملكي المسمى (مقام الإمام) أو (المقام الشريف). وهي هناك منذ العهد التركي، وكانت تستعمل في طبع الجريدة (صنعاء) التي سنتحدث عنها فيما بعد. ومع أن هذه المطبعة كانت على ما يظهر تطبع بعض الكتب الصغيرة في الحين بعد الحين، ليس لدينا بيان عن مبلغ ما أخرجته من المطبوعات. والمطبعة الأخرى ملك لإدارة المعارف. وفي خلال العشرين سنة الماضية طبعت هاتان المطبعتان عدداً محدوداً من الكتب، ربما لا يتجاوز الثلاثين عداً؛ ومن المرجح أن قليلاً من تلك الكتب خرج خارج البلاد نفسها. وتدل موضوعات تلك الكتب على مبلغ اشتغال الناس بالشئون الدينية، مما تمتاز به المنطقة الجنوبية لجزيرة العرب، وتشجعه حكومة إمام اليمن. وتشتمل الكتب المطبوعة هناك على بحوث قرآنية، ورسائل في مذهب الزيدية، والفقه، والحديث وما إلى ذلك، وهي في الغالب طبعات لكتب قديمة من كتب المؤلفين السابقين.
وفي العلوم المدنية شغلت إدارة المعارف نفسها بجمع مواد لإخراج كتاب في تاريخ اليمن يمكن استخدامه في المدارس كتاباً مدرسياً. وقبل إعلان هذه الحرب كان تحت الطبع كتاب في تاريخ الإمام يحيى. وقد بلغ من ارتباط الأسرة الزيدية المالكة ببلاد اليمن وما جرى لها، سواء في طول المدة أو وثاقة الصلة، ما جعل هذين الكتابين على شاكلتهما ضرباً من الدعاية للأسرة الحاكمة. ومن المرجح أن ذلك سيساعد على خلق روح القومية في البلاد. ومما يشغل بال حكام اليمن اليوم التربية والكتب المدرسية، وهي مشكلة من المحتمل أن تزداد إلحاحاً على مرور الأيام. فأطفال المدارس الأولية مثلاً قلما يستعملون كتباً مطبوعة، وإن كانت مدارس صنعاء تستعمل إلى حد ما كتاب (القاعدة البغدادية) لعيسى البابي الحلبي، كما أن لدى إدارة المعارف مجموعة صغيرة من المطبوعات المدرسية. وفي (المدرسة العلمية) يكاد الطلاب لا يستعملون سوى المخطوطات التي ينسخونها بأنفسهم. وطبع كتاب في قواعد اللغة أو علم النحو، وكذلك كتاب مؤلف في القرن العاشر اسمه (كتاب العلماء والمتعلمين) وهو يبحث في آداب المعلمين والطلاب، ويبحث هذا الكتاب كذلك في طريقة الخط ونسخ المخطوطات. وحسبنا في أنه رؤى أن هذا الكتاب يستأهل الطبع دليلاً على نوع التربية التي ما زالت سائدة هناك، فإن البلاد التي أخذت بنصيب أوفر في التقدم لا ترى في مثل هذا الكتاب ما يزيد كثيراً على قيمته التاريخية من حيث هو أثر من الآثار. وبانقطاع علماء اليمن عن الاتصال المباشر بسائر البلاد العربية، بعوامل البيئة الجغرافية والاعتبارات المذهبية، أصبحوا على غير شاكلة العلماء في البلاد الأخرى.
على أن مطبعتي صنعاء أخرجتا عدة كتب فيها روح جديدة، فهناك كتابان في الفنون الحربية، وكتاب في الزراعة. وقد ظهر الكتابان الحربيان في سنتي 1341 و1351هـ. وأسم أولهما (كتاب التربية العسكرية)، ومؤلفه هو حسن تحسين باشا، وهو رجل سوري كان في وقت من الأوقات قائداً للجيش الهاشمي. وبين سنتي 1931 و1933م كان هذا الضابط في اليمن يعيد تنظيم جيش الإمام، والقواعد التي وضعها في هذا الكتاب تدل على درجة أعلى في تنظيم الجيش مما هو قائم الآن، ولكنها تؤمل مجيء وقت تتحسن فيه الإدارة الحربية.
أما كتاب (رسالة في فن زراعة الأشجار المثمرة) فكان من تأليف أحمد واصف بك، المستشار الزراعي في الحقبة التي في سنتي 1935 و1936م. ويعالج الكتاب، كما يدل عليه عنوانه، موضوع زراعة الفواكه واستخدام الوسائل الزراعية. وكان الأتراك في مدة احتلالهم لليمن قد قاموا بتجارب متقطعة في إدخال محاصيل جديدة في البلاد، وقد احتذى البيت المالك حذوهم في القيام بتجارب أخرى من جانبه، وعلى الأخص في زراعة القطن. ولا شك أننا سنرى في المستقبل الكثير من هذه المطبوعات الفنية والعلمية.
ومن المعلوم أن كثيراً من المؤلفات القيمة بأقلام بعض اليمنيين قد ظهرت في القاهرة حيث تقطن جالية يمنية. ومن بين هذه المطبوعات الكتب الثلاثة التي ألفها عبد الواسع، والتي تناول فيها التاريخ والجغرافية والشئون العامة التي تشوق القارئ. ونحن نؤمل أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه هؤلاء المؤلفون اليمنيون أن ينشروا مؤلفاتهم في وطنهم. وسنرى أن معظم المؤلفات التي تنشر اليوم عن الجنوب الغربي لجزيرة العرب إنما تنشر في مصر، أو الهند، أو جزائر الهند الشرقية.
عدن وطلائع الحركة الحديثة
تختلف عدن اختلافاً عظيماً عن اليمن وعزلتها الجذابة التي خلفتها في القرون الوسطى، بما فيها من الجو العلمي الذي يستمد من مائة سنة كانت فيها عدن على اتصال مباشر بالبلاد الأوربية، وبمصر، والهند؛ وبمدارسها الثانوية للبنين والبنات؛ ويعلم في مدارس البنين معلمون من البلاد العربية الأخرى كسورية، وأحياناً من الهند؛ وبالعدد المتزايد الذي ترسله من أبنائها إلى جامعات القاهرة وبغداد. ويطالع الأهالي الجرائد المصرية الشهيرة، بل إنني كثيراً ما رأيت كذلك روايات مصرية في أيدي المتعلمين في المدارس الثانوية من آهل عدن. ومما لا شك فيه أن الجالية السورية المؤلفة من مستوردي المنسوجات والتجار تستورد كذلك الجرائد السورية، وما نعهده في السوريين وميلهم للاشتغال بالصحافة يدعو إلى الظن بأنه في يوم من الأيام قد يقوم أحد السوريين بنشر جريدة في عدن. وليس هناك مفر من أن الصحافة تنتعش في مثل ذلك الجو، وتصدر جريدة (فتاة الجزيرة) منذ أواخر سنة 1939. وكان في عدن قبل سنة 1914 ثلاث مطابع، وكانت إحداهما في السجن وربما كانت تقتصر على طبع المطبوعات الحكومية. وليس من المعروف مدى ما نشرته المطبعتان الأخريان من الكتب العربية، ولم أستطع أن اعثر على أي مطبوع عربي صادر عنهما. على أنه قبل الحرب الحاضرة أخرجت مطبعة الهلال في بازار بهرة - وهي تطبع بكل من اللغتين العربية والإنكليزية - مجموعة شعرية وصلت إلى يدي، وهي ديوان لأغاني لحج على أوزان بحور الشعر القديمة والبحور المولدة، من نظم لأمير فضل بن علي. وقد أعيد طبع هذا الديوان في مطبعة فتاة الجزيرة؛ وقد طبعت هذه المطبعة أيضاً رسالة في إباحة العود والرباب لنفس المؤلف المذكور. ولعل القراء يذكرون أن الموسيقى محظورة في اليمن إذا استثنينا جوقات الموسيقى الحربية، وهذا الكتيب ينادي بنظرة تسامحيه في شأن الموسيقى.
وقد نشر محرر فتاة الجزيرة عدة كتيبات أخرى شائقة، على أن عدداً منها - كما هو الشأن في مطبوعات مطبعة صنعاء - يتناول التاريخ، والبحوث الدينية، وسير الصالحين، ككتاب (سلالة قحطان)، تأليف محمد سعيد الأصبحي. وأهم ما نشر من الوجهة الصحافية هو سلسلة مقالات كتبها أعضاء النادي المعروف باسم (أقلام المخيم)، وهي مقالات تتناول موضوعات شتى، مثل الكشافة، والمذياع (فإن عدن لها محطتها الإذاعية الخاصة (صوت الجزيرة) وهي كذلك تنشر صفحة عن إذاعتها)، وحياة صيادي السمك على الساحل الجنوبي لجزيرة العرب؛ وكل هذه المباحثات كتبت بأسلوب نقدي علمي. وقد أخبرني محرر فتاة الجزيرة، في رسالة بعث إلي بها حديثاً، أن هناك كثيراً من اليمنيين في عدن يرغبون في نشر كتب ألفوها، وفي هذا دليل على مبلغ العناية التي ينالها الأدب في هذه المنطقة من العالم العربي. ولا يسعنا إلا أن ننوه بعناية الجالية الهندية المسلمة في عدن بالأدب العربي، ولا سيما عبد الله يعقوب خان الذي هو حجة في تاريخ ثغر عدن، والذي نشر كتباً عن جغرافيته وأمثاله. وقد ورد ذكر الهنود بالثغر قبل زمن أبي مخرمة الذي يشير في كتابه (تاريخ ثغر عدن) عدة مرات إلى نشاطهم التجاري.
وخليق بالقراء الذين أخذوا من الحضارة بنصيب أوفى، من أهل مصر وسورية اللتين مضى على قيام النهضة العربية فيهما عهد طويل - خليق بهؤلاء القراء ألا ينقدوا هذه المطبوعات نقداً حديثاً على وفق المقاييس العالمية للإنتاج الأدبي السائد في بلادهم؛ بل عليهم أن يعدوها نواة الإنتاج الأدبي الذي تقدمه بلاد الجنوب. الغربي لجزيرة العرب إلى الثقافة العربية. ولنتذكر أن جمعيات المناظرة التي من طراز (نادي المخيم) كانت ذات أثر فعال في القرن الماضي في قيام النهضة الثقافية العربية في سورية؛ ونحن نرى اليوم في عدن عوامل التقدم هذه تخلف آثارها.
(البقية في العدد القادم)
عن مجلة الأدب والفن الإنجليزية