مجلة الرسالة/العدد 622/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 622/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 06 - 1945



التعليم في رأي القابسي

للأستاذ محمد يوسف موسى

رسالة دكتوراه للأستاذ أحمد فؤاد الأهواني، نشر مكتبة

الخانجي بالقاهرة، 326 صفحة القطع الكبير.

ظن كثير من الناس أن نشر رسالة في التربية لعالم من علماء الإسلام لا يقتضي من المجهود ما يستحق به صاحبه درجة دكتور في الآداب، حتى نشر الأستاذ الأهواني هذه الرسالة وقرأها هؤلاء الذين كان رأيهم هذا الرأي، فتبين لهم أنهم كانوا على أنفسهم مسرفين

ومن الحق أن قارئ هذه الرسالة القيمة يتبين له بوضوح مقدار ما عانى صاحبها الفاضل وما بذل من جهد، وما كان له من آراء خاضعة ونقد قوى لما يستحق النقد من آراء القابسي وغيره من المستشرقين وبعض الكتاب المعاصرين.

جعل الأستاذ رسالته من قسمين: التعليم في رأي القابسي وهو من علماء القرن الرابع، ونص رسالته القابسي التي بين فيها أحوال المعلمين والمتعلمين.

بدأ أولا بعرض حياة القابسي وبيان منهجه في رسالته، وأن هذا المنهج كان منهج رجال الحديث الذين يعتدون بالآثار ويكرهون الابتداع، كما كان واقعياً فيما عرض من آراء في التعليم والتربية، إلا أن هذا لم يمنعه من أن يكون مؤرخاً أيضاً؛ فيعني فيما يبحث من مسائل - إذا اقتضى الأمر - بردّها إلى أصولها التاريخية وتتبع تطورها إلى أن تبلغ زمانه (49).

ولم يفت الأستاذ أن يلحظ أن القابسي وإن كان واقعياً في آرائه يعني بتقرير الواقع ووصفه، إلا أنه كان مثاليا فيما رأى من وجوب أن يكون تعليم الصبيان جميعاً إلزامياً (50، 83)، وبهذا سبق بقرون عديدة ما رأته الأمم من هذه الأيام.

ثم عرض بعد هذا إلى الكلام عن الكتاتيب في الإسلام، وإلى البواعث التي جعلت أصحاب الحديث هم المشرفين على التعليم، وإلى الغرض من التعليم في رأى القابسي ومناقشته.

وهنا نراه يقوم لذلك بعرض تاريخي عن التعليم في فارس والشام ومصر قبل الإسلام أخذ منه الفصل الرابع كله والفصل الخامس أيضاً.

ويطول بنا الحديث إذا أردنا تحليل الرسالة وبيان ما وعت من مسائل عديدة عولجت بمقدرة وشجاعة وعمق جدير بالإعجاب، ولكنه يجب علينا مع هذا أن نشير إلى أن الأستاذ الفاضل كان موفقاً وقوياً في نقده للقابسي في منهجه وفي بعض آرائه التي قررها وفي نقده لبعض الذين كتبوا في التربية عند المسلمين من المستشرقين وغيرهم من المسلمين المعاصرين، لقد كان موفقاً في ذلك كله إلى أبعد حدود التوفيق.

1 - نقد القابسي في منهجه الذي يقوم على تلمس الآثار وآراء السابقين، بأن هذا لا يصلح في التربية لما يدعو إليه من جمود وحجر على الرأي، وبخاصة والأمر أمر يتصل أوثق اتصال بشئون الدنيا (ص33).

2 - نقده أيضاً في أنه أهمل في الآراء التي أنهى إليها نفسية الطفل ورعاية مراحل نموه، كما أهمل العلوم الطبيعية والرياضة البدنية فلم يجعلها من العلوم الواجب أن يؤخذ بها الناشئة، على أن الأستاذ كان منصفاً حين لا حظ أن هذه الآراء كانت أثر البيئة الاجتماعية في عصر القابسي، وأن العيب الأول كان عيب العصر كله في الشرق والغرب (ص 175).

3 - وكذلك نقد بعض المستشرقين ومن أخذ أخذهم؛ إذا لم يفرقوا فيما ذهبوا إليه من أغراض التربية عند المسلمين وآرائهم فيها بين المؤلفين والواقعين كالقابسي والمثاليين كابن عبد البر والغزالي وإخوان الصفاء، ومن ثم كان خطأ أولئك الكاتبين - ومنهم الدكتور خليل طوطح في كتاب التربية عند العرب - في اعتبارهم آراء المؤلفين آراء المسلمين جميعاً. ص 201 وما بعدها.

4 - والأستاذ (كارادي فو) المستشرق الفرنسي المعروف ناله شواظ من نقد الأستاذ الأهواني. بحق؛ فقد زعم في كتابه (مذهب الإسلام) إن الشرق الإسلامي ليس فيه الذوق الفطري للتعليم، وأن الإسلام لم يهتم بأمر الطفل. . . فأكد لنا الأستاذ الأهواني أن هذا المستشرق لو عرف رسالة القابسي لغير هذا الرأي الخاطئ، فكيف بها وبغيرها من المؤلفات التي عنيت بالتربية والتعليم! (ص 225 - 226). هذه الرسالة التي - كما جاء ي آخر القسم الأول من البحث - وضع بها القابسي مؤلفها أسس التربية بحيث تلائم المجتمع وحاجة العصر، والتي فكر في التعليم الإلزامي وتعليم البنات.

وبعد فقد كنا نود الوقوف عند هذا، ولكن نرجو أن يسمح لنا الدكتور الفاضل بأن نشير إلى أمرين:

(أ) استعمل في مواضع (أهل السنة) للدلالة على (أصحاب الحديث) (ص 75، 78، 232، 233). والمعروف أن أهل السنة في المقام الذي جاء ذكرهم فيه، هم الأشاعرة والماترتدية الذين يقابلون المعتزلة، لا أصحاب الحديث، كما يتبين من ابن خلدون وطاش كبرى زاده وغيرهما من الذين عرضوا للكلام والمتكلمين

(ب) ذكر الأستاذ الفاضل (ص 77) رأى الغزالي عن المعتزلة من أنهم رأوا أن من لم يعرف العقائد الشرعية بأدلتهم فهو كافر. . . ومع أن هذا، كما ذكر الأستاذ، ورد في فيصل التفرقة للغزالي، إلا أنه كان الواجب في رأيي أن يأتي الأستاذ بنص في ذلك من كتب المعتزلة أنفسهم، لا من خصم لهم، ولكنا نعرف قول الخصوم بعضهم على بعض. وبخاصة والمعروف المشهور أن هذا التضييق على الناس في وجوب معرفة الله من أدلة خاصة لها مقدمات خاصة هو رأي القاضي أبي بكر الباقلاني الذي ذهب إلى أن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول؛ حتى جاء إمام الحرمين الجُوَيْني وأعرض عن هذا الرأي، وقرر أن بطلان الدليل لا يؤدي إلا بطلال المدلول بحال.

هذا، وليس هذا المأخذ أو ذاك مما يغض من قيمة هذه الرسالة القيمة التي عالج فيها صاحبها العالم الجليل مسائل التربية والتعليم - على تنوعها وتعددها - في القديم والحديث بمقدرة يستحق التهنئة عليها وأسلوب واضح مبين ومنهاج مستقيم لا عوج فيه. وهذا كله وأكثر منه ننتظره من الدكتور الأهواني الذي تخصص في هذا الموضوع زمنا طويلاً.

محمد يوسف موسى