مجلة الرسالة/العدد 625/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 625/البريد الأدبي
الأستاذ احمد محرم
فجع الشعر في علم من أعلامه الذين حفظوا وجوده وأقاموا عموده ومهدوا له السبيل إلى هذه النهضة: ذلك هو المغفور له الأستاذ احمد محرم. قُبض إلى رحمة الله في الأسبوع الماضي على الفراش الذي ينسجه القدر للأدباء الأحرار من الفاقة والمرض والوحشة، بعد أن ظل اسمه لامعاً في سماء الأدب العربي قرابة نصف قرن. والناظر في تاريخ الشعر الحديث يراه في الرعيل الأول من شعراء الإحياء الذين خلفوا البارودي على إرث الشعر فحددوا باليه وأنعشوا ذاويه، ثم تخطفتهم المنايا واحداً بعد واحد فلم يبق منهم غير مطران والكاشف!
كان احمد محرم من الشعراء المطبوعين على الديباجة المشرقة والقافية المحكمة؛ وكان يطيل في غير سقط، ويبالغ في غير شطط، ويتأنق في غير تكلف. وربما كان أقل معاصريه وقوعاً على المعنى الطريف والفكرة العميقة؛ ولكنه كان من أكثرهم احتفالاً بحسن الصياغة ولطف التخيل. وقد قام في أعقاب عمره بنظم (الإلياذة الإسلامية) وهو عمل يكفي وحده لتمجيده وتخليده.
هذه كلمة ينعى بها الفقيد الكريم ولا نزعم أننا نرثيه؛ فإن الرثاء يقتضي العلم بحياة المرثي وصفاته ومقوماته وملابساته، ومعرفتنا بالشاعر الراحل لم تتعد المعرفة الفنية لشعره. لذلك نتقدم إلى إخوانه الذين خالطوه ولابسوه - وفي مقدمتهم الأديب الوفي للأدب، والصديق المخلص للأصدقاء، الأستاذ كامل كيلاني - أن يكتبوا للتاريخ ترجمة حياته وتبث مؤلفاته؛ فإن ذلك غاية ما يطلبه الأديب من الحقوق، في دنيا لم ينل منها ومن بنيها غير العقوق!
أين شعراؤنا؟
تحت هذا العنوان كتب الأستاذ علي محمد حسن كلمة أخذ فيها على الشعراء تقصيرهم إزاء شقيقتنا سوريا. والأستاذ مشكور على غيرته وحماسته وخاصة فيما يتعلق ببكاء شعرائنا المتفرنسين (باريس) بكاء الثكالى الوالهات! ولو قد سقطت الإسكندرية تحت سنابك حصان موسليني الأبيض كما كان يرجو ما ذرفوا عليها دمعة واحدة!
وأحب أن أذكر بهذه المناسبة أني قد قلت شيئاً في حوادث لبنان سنة 1942 عندما أمعن غربان السنغال في التنكيل بأهل بيروت! ولكن الرقابة حالت يومئذ دون نشره. ولما كانت حوادث سوريا هي حوادث لبنان، وسنغال الأمس هم سنغال اليوم، وعقلية فرنسا الاستعمارية لم تتغير ولن تتغير، أستميح الرسالة الغراء لنشر هذه القطعة ليعرف الكاتب الفاضل أن الشعراء لم يقصروا وإن لم يقوموا بكل ما يحب.
إلى الجنرال ديجول!!
ديجولُ، قلْ لي - هَداك الله - ديجولُ ... أأنتَ عما جرَى في (الأَرْزِ) مشغولُ؟
أعطيتَ (لبنانَ) عهداً ما وفَيْتَ به ... فكيف فاتك أنَ العهدَ مسئول
فيم المواثيق إنْ كنتم على ثقةٍ ... أنّ المواثيقَ تمويهٌ وتضليل
قولوا لنا: كيف يحلو الُّظلُم من فئةٍ ... أجلاهمو الّظلُم عن أوْطانهم، قولوا
أتنكرون على الأحرار حقَّهمو ... في عقر دارهمو! تلك الأباطيل
جَزاؤهُم منكمُ في ظلّ رايتهم ... - على المودّة - تشريدٌ وتقتيل
تركتموني - وقد أكْبرتُ ثورتكم - ... أقول: ثورتكم يا قوم تدجيل
أغمدْ سيوفَك إنّ البغيَ جردها ... على البريء! وَسَيفُ البغي مفلول
لا تحقِرنّ دماء راحَ يَسْفَحُها ... غِربانُ جُنْدِكَ! غالت جندك الغولُ
شننتَ حرباً على من لا سلاحَ له ... وفي بلادكمو تجري الأفاعيل
قد كان أولى بذات (الُهونُ) وحدهمو ... فشيخكُم في إسار (الهون) مغلول
عودوا إلى الحق، إن الحقَّ منتصرٌ ... مَنْ ذاد عنه، ومَنْ عاداه مخذول
إنّا غضبنا (لِلُبْنانٍ) وساِكنِه ... و (الأرْزُ) شاطرَه أحزانه (النِّيل)
كلا الشقيقين - صانَ اللهُ حوزَته - ... أبناؤه العرَبُ الغرُّ البهاليلُ
علي الجندي
كتاب الفاروق عمر لمعالي هيكل باشا
تبدو لنا في ابتسامات الضحى السير ... متى جلاها عزيز القول مقتدر
يا (هيكل) إن ما دبجت عن عمر ... قد كان يرقبه من (هيكل) عمر
خليفة ملأ الأسماع ذو خطر ... فما له غير جبار له خطر ومن سواك انتضى في كفه قلماً ... نور الهداية من فكيه منحدر؟
ساس الأمور فعاش الكل في دعة ... وإن تفرست عن أعمالهم بهروا
ما حاد في الله يوماً قيد أنملة ... في سِلم من آمنوا أو حرب من كفروا
وإن رأى شبهة جالت بخاطره ... من خشية الله لا ينفك يعتذر
ويقبل الحق مهما كان مصدره ... لم ينسه الحكم يوماً أنه بشر
الناس في عدله طراً سواسية ... كالمشط، ما فيهم سام ومحتقر
هذي صحائف غر راح يبسطها ... (محمد) بأياد كلها غرر
تبسري من الأدب العالي على فلك ... وهالة ما سرى في مثلها قمر
قدمت للشعر عقداً من مفاخرهم ... فما هنالك تثريب إذا افتخروا
حللت تاريخه من كل ناحية ... فكان أجمل تاريخ به صور
سفر يكمله سفر كما حبكت ... ببعضها الآى في التنزيل والسور
فالله يشكر ما قدمت من عمل ... لدينه، ولسان الله من شعروا
محمد برهام
مجمع العرب. . .
اجتمع العرب على مائدة جلالة الملك فاروق جمع كريم من رجالات البلاد العربية وزعمائها وفيهم سمو الأمير محمد بن عيسى آل خليفة عم حاكم البحرين، وهو شاعر عظيم وراوية كبير، فقدم إليه صديقه الشاعر الأستاذ محمد عبد الغني حسن هذه الأبيات:
شَرَّفتَ يا أبن الضاربين في الكَرمْ ... جوانبَ النيل وسَاحةَ الهرمْ
مصرُ التي كانت على طَول المدى ... منارةَ العلم ومصباحَ الُّظَلمْ
لملة الإسلام فيها دَولةٌ ... ولْغةُ الضاد لها فيها جُرمْ
اتحد الجمعُ على ربوعها ... واجتمع الشملُ عليها والتأمْ
قد صَدَقوا العزَم على نيَّاتهم ... والعربيُّ صادقٌ إذا عزمْ
ما العرب إلا أمةٌ واحدةٌ ... لها الجلالُ والجمالُ والِقدَمْ
قد فرقتهم كلُّ أرضٍ حرةٍ ... واتحدوا في ظل ذلك العلمْ أليس من طينتهم كلُّ فتىَ ... محتدِم البأس إذا البأس احتمْ
من كلِّ ممنوع على الضَّيم فلا ... يُرْجىَ، وأَبَّاء فليس يهتضمْ
الأمل المنشودُ آخى بينهم ... وألَّفتهمُ الجراحُ والألم
ألم يكونوا أمس آسادَ الحمى ... وسادةَ الدنيا وقادةَ الأمم؟
قد فتحوا الأرض على أقطارها ... وزلزلوا كلَّ بناء فانهدم
في كل خطوةٍ لهم غنيمةٌ ... وهمةٌ علياءُ في كلِّ قَدَمْ
مجد أضاعه بنوه فمضى ... وحائطٌ قد ثَلَموهُ فانثلم
واليوم قد هبَّت عليه نفحةٌ ... منكم وسار في خلاله الضَّرمْ
فيم التغني بتُراثٍ ضائع ... وفيم يا قوم النشيد والنغم؟!
لا يُدرَكُ المجدُ بمجد فائتٍ ... ولا يُنالُ بالفخارِ والكلمْ
والحقُّ لا يُحمىَ بقولٍ أَعزل ... الحقُّ يُحمى بالحديد والحممْ
يا أمة العُرْب وفيكم أنفسٌ ... تأبى على القيد وفيكم الهمم
كفاكم النومُ قروناً عدةً ... من طلب الأمر الجليلَ لم يَنم
قولوا لمن نام إلى رأْد الضحى ... قد غّطت الشمسُ الهضاب والأكم
المجدُ لا يُرجى بحُلم زائل ... من عاش في الأوهام يا قوم وهم
محمد عبد الغني حسن