مجلة الرسالة/العدد 65/في الأدب الدرامي

مجلة الرسالة/العدد 65/في الأدب الدرامي

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 10 - 1934


8 - الرواية المسرحية في الفن والتاريخ

بقلم احمد حسن الزيات

تحليل موجز لأشهر المآسي

(فدر موضوعها أسطورة من أساطير الإغريق في عهد الحروب الطروادية، وأهم أشخاصها تيزيه بن ايجيه ملك أثينا وفدر امرأة تيزيه وبنت مينوس، وهيبوليت بن تيزيه من انتيوب ملكة الامازون، واريسي أميرة من أميرات اثينا، وتيرامين مشير هيبوليت، واونون مرضعة فدر ونجيتها. وقد وقعت حوادثها في تريزين إحدى مدن (بيلوبونيز) وملخصها أن فدر امرأة تيزيه تبوح إلى مرضعتها (اونون) بهواها الدخيل وحبها المضمر لهيبوليت بن زوجها، ويستفيض الخبر في الناس فجأة أن تيزيه قتل في أثناء رحلته، فهتبل هذه الفرصة فدر، وتعلن إلى هيبوليت غرامها، فيقابل إعلانها بالدهش والإباء، ويظل مخلصا لحبيبته ايريس. ثم يعلمون أن الملك حي وانه قدم المدينة، فتياس فدر من هيبوليت، ويتسعر قلبها بالغيرة، ويمضها الندم ووخز الضمير. فتخجل من لقاء الملك وتفر من وجهه، وتظن ان هيبوليت سيفضي إلى أبيه بما كان منها فتترك اونون تؤلف المكيدة له، وتدبر الوقيعة به، فتهمه عند أبيه بمراودة سيدتها عن نفسها فيثور ثائر الملك فينفي ابنه، ويكله إلى غضب (نبتون). ويستيقظ ضمير فدر، فتنفجر باللعنة والعقوبة على مرضعتها الأثيمة، ويرجع تيرامين فيقص على الملك في أسلوب بليغ مؤثر جموح الجوادين بمركبة هيبوليت، وموته تلك الميتة الشنيعة. فيجزع الملك، وتقوم الأدلة على براءة ابنه مما اقترف به، فيتضاعف الحزن ويجل الخطب، فيذهب إلى فدر يسألها جلية الامر، فتعترف له بخيانتها، وقد كانت من قبل قد شربت سما فيفعل في جسمها، ولا تلبث أن تلفظ نفسها على المسرح.

مآسي فولتير

اشهر مآسي فولتير اثنتان وهما: (زيير) وميروب:

(زيير موضوعها ذكرى من ذكريات الحروب الصليبية، وقعت حادثتها لفتاة مسيحية أخذها أحد فرسان المسلمين في سبيه منذ طفولتها فرباها أراد أن يتزوج منها، ولكنها عرفت أباها وأخاها وهي على وشك الزفاف فأغرياها بالتنصر، وهذه المأساة مكتوبة على مثال عطيل لشكسبير. أما أهم أشخاصها فهم: اورسمان وهو سوداني من سكان أورشليم وخطيب زيير، ولوزينيان أحد أمراء أورشليم وابنته زيير وابنه نير ستان، وثلاثتهم من أسرى صلاح الدين، وشاتيليون فارس فرنسي، وفاطمة جارية من جواري السوداني، وقد وقعت هذه المأساة في أورشليم.

ففي الفصل الأول:

تبوح زيير لفاطمة بسر زواجها المقبل من السوداني. فتذكرها الجارية أنها مسيحية. وكان نيرستان قبل ذلك قد نال الأذن من مولاه اورسمان ان يذهب إلى فرنسا ليأتي بالفداء له ولعشرة من الأسرى. فيعود ويطلب من اوزسمان فك رقبة زيير وفاطمة وعشرة فرسان من الأسرى. فتفعل هذه الأريحية في نفس الأمير، فيمنحه مائة أسير ليس فيهم زيير ولا لوزينيان.

وفي الفصل الثاني:

تريد زيير أن تقضي نيرستان حق الشكر على مروءته وفضله، فتحمل اورسمان على إطلاق سراح لوزينيان. فيتحرر هذا، ولكنه يعرف ابنته زيير بصليب قد احتفظت به، وابنه نيرستان بأثر جرح فيه. ويأخذه المقيم المقعد من الهم والحزن حين يعلم أن ابنته مسلمة، ولكن زيير ترتمي في أحضان أبيها، وتعده أن تتنصر.

وفي الفصل الثالث:

يلقى نيرستان اخته، وينعى إليها لوزينيان أباها، ويحضها على أن تجعل باعتناق النصرانية. فتوافقه على ذلك، وتقسم له أنها لن تتزوج من اورسمان. ويأتي هذا بعد قليل يطلبها إلى المسجد ليعقد عليها، فتستمهله ريثما تدبر وسيلة للهرب.

وفي الفصل الرابع:

يمهلها اورسمان يوما للاستعداد للزواج. وفي غضون تلك المهلة يرسل نيرستان كتابا إلى أخته، يرشدها فيه إلى طريق الهرب، ويدلها على باب سري تنجو منه، فيقع هذا الكتاب في يد اورسمان، فيظن أن نيرستان يزاحمه في حب زيير وهو يحاول الفرار بها. فيعد الوسائل للقبض عليه.

الفصل الخامس:

وفي جنح الليل البهيم تتسلل زيير إلى المكان الذي دلها أخوها عليه، وتناديه فلا يجيبها غير اورسمان بطعنة نجلاء بخنجره، ويسحب نيرستان في المسرح إلى موضع الجثة، فيصيح الأخ المنكود: واأختاه!! فيعرف اورسمان خطأه، ويعتلج في صدره الندم واليأس فينتحر.

يأخذون على هذه القطعة فقدان اللون المحلي منها في دوري زيير واورسمان. فقد يخيل إلى من يسمع تلك العواطف التي اكناها وشرحاها انهما من المختلفين إلى أندية السمر الأوربي في القرن الثامن عشر، فضلا عن انه جعل ذلك الأمير الكريم الحليم الوديع ينتقل فجأة إلى جنون الغضب لرؤيته رسالة لم يتحقق ما فيها.

(ميروب موضوعها استيلاء ايجسط بن ملك مسينا على العرش، ومدارها على انتصار الحب. واهم أشخاصها:

ميروب أرملة كريسفونت ملك نسينا، وولدهما ايجسط، وبوليفونت قاتل الملك، ونرباس خادم كريسفونت الخ. وقد وقعت حوادث هذه المأساة في مسينا.

الفصل الأول:

قبل خمسة عشر عاما من ابتداء المأساة قتل كريسفونت هو وولدان من أولاده في ثورة. أما ايجسط ثالث بنيه فقد أنقذه من المذبحة نرباس خادم أبيه، ونجا به في بلد غريب، وكان القاتل هو بوليفونت؛ ةقد استطاع أن يكتم سر الجريمة خمس عشرة سنة، فيبدأ الفصل بتحريض إحدى الوصيفات ميروب على المطالبة بحقها في العرش، وهي تتربص قدوم ولدها الغائب، ولكن الشعب يصمم على انتخاب ملك، ويفاضل الآن بينهما وبين بوليفونت. ويوهم بوليفونت الشعب انه المنتقم للملك، فيفضلونه وينصبونه عليهم ملكا. ويريد هو أن يجعل تملكه شرعيا فيحاول الاقتران بميروب فترفض وتطالب بحق ولدها، فيرسل طغمة من السفاكين يبحثون عن ايجسط ليقتلوه.

الفصل الثاني:

وفي أثناء ذلك يقدم إلى المدينة شاب فيتهم بقتل ايجسط ويساق إلى قصر الملك، وتسمع بأمره نيروب فتشفق أن يكون ابنها فترغب في ان تراه وتسأله هي بنفسها، فيجيب الفتى على أسئلتها في طهارة قلب وسلامة ضمير، فتأبى أن تحكم عليه. ومع ذلك تستفيض الإشاعة في الناس ان ايجسط قد قتل، وان قاتله هو ذلك الشاب الغريب. وأقوى الأدلة على حدوث القتل منه أن سلاح القتيل معه، فيستولي الهم واليأس على الملكة.

الفصل الثالث:

تعزم الملكة الرأي على الشاب، وتحرص على أن تقتله بيدها انتقاما لولدها وإطفاء لكبدها. وبينما هي ترفع يدها بالضربة القاضية عليه يقبل نرباس لحسن - الحظ في الوقت المناسب فيمنع الضربة، ويفشي لها سر هذا الغريب، ويخبرها ان القاتل الحقيقي لزوجها هو بوليفونت.

الفصل الرابع:

يدهش بوليفونت ان المتهم لا يزال حيا يرزق، ويرتاب في أمر هذا الغلام، ويرى ميروب مقبلة فيأمر حراسه أن يضربوا الساعة عنق هذا الغريب، فيضيق ذرع ميروب وتعييها الحيلة ويغلبها الجزع، فتصيح بالجند: ويحكم أيها البرابرة، كفوا انه ابني!

الفصل الخامس:

يقبل بوليفونت أن يبقى على الولد إذا رضيت أمه أن تكون له زوجة. ولا ترى الأم بداً من الخضوع لقاتل زوجها إبقاء على ولدها، ويذهب الناس جميعا إلى الهيكل ليحتفلوا بعقد الزواج، ويأخذ الناس فيما هم فيه، ويتقدم ايجسط إلى الهيكل يريد أن يقسم يمين الطاعة للملك، فيأخذ مدية القربان ويطعن بها بوليفونت طعنة نجلاء فيصرعه، ويهتف الشعب بعد تردد قليل لملكه وابن ملكه.

يأخذون على هذه القطعة الرائعة، بعد الإمكان في بعض الحوادث، فيسألون كيف يقتل بوليفونت الملك، ثم يسير سمعه بالناس خمسة عشر عاما بأنه المنتقم له؟ وكيف يتهم الفتى القادم إلى مسينا بقتل ايجسط وهو نفسه ايجسط؟ ولماذا تريد ميروب أن تقتل بيدها هذا الغلام؟! والجاذبية مع قوتها لم تسر نامية، فان الخطر الذي حاق بايجسط ساعة أن همت أمه بقتله في ختام الفصل الثالث أقوى من الخطر الذي يهدده في الحل.

وكان في النية أن نختار نماذج من مآسي شكسبير إلا أن ما اخترناه لغيره قد كثر حتى حبسنا طويلا عن الموضوع، فلنكتف بما شاع له في مصر من ملخص ومترجم، ولنأخذه فيما نحن بسبيله.

يتبع

(الزيات)