مجلة الرسالة/العدد 66/من مشاهداتي في أوربا:

مجلة الرسالة/العدد 66/من مشاهداتي في أوربا:

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 10 - 1934



معجزات طبيب

للأستاذ عبد الحميد فهمي مطر

في بطن واد من وديان بلاد النمسا بين التلال والسهول المكسوة بالأشجار الباسقة والخضرة الضاربة، قرية صغيرة كانت قبل خمس سنوات مجهولة لا يطرقها طارق، ولا يذكر اسمها ذاكر. ولكنها أصبحت منذ سنة 1929 محط الرحال، ومهبط الآمال، تعرفها شعوب الأرض قاطبة، ويحج إليها المريض الأوربي إنجليزياً كان أو ألمانياً أو إيطالياً أو تركياً أو مجرياً كما يحج إليها مرضى القارات الأخرى أمريكا واستراليا وآسيا وأفريقيا، تلك هي قرية جالزباخ الصغيرة التي تبعد عن فينا أربع ساعات في القطار، وتعلو عن سطح البحر بنحو300 متر تقريباً.

عرفت تلك القرية منذ أنشأ فيها (فالنتين تسايلايس) رجل المعجزات والعجائب كما يسميه أفراد تلك الشعوب، مصحته العظيمة التي كلفته نحو الأربعين ألفاً من الجنيهات. وإذا كان تسايلايس استطاع بمهارته وقدرته ومخترعاته أن يعالج بالألكتروراديوم الأعمى فيبصر، والأخرس فينطق، والمقعد فيمشي، والأشل فيبرأ، وغير ذلك من المرضى فيشفون، فقد حق لتلك الشعوب أن تطلق عليه اسم الساحر أو طبيب المعجزات والعجائب.

ولقد مكنت لي الظروف صيف هذا العام أن أتعرف إلى الكثيرين في تلك المصحة من المرضى النازحين إليها من مختلف شعوب الأرض، بعضهم لعلاج العمى، وبعضهم لعلاج الشلل، وبعضهم لعلاج الربو، وهكذا من شتى المرضى بالعاهات المختلفة، ورأيت فيهم جميعاً روحاً غريبة هي روح الثقة بالشفاء على يدي هذا الرجل إن عاجلاً أو آجلاً، كل حسب شدة المرض عنده. وقد تحدثت هنالك إلى رجل نمساوي كان أعمى وأبصر، فعلمت منه أنه مستمر في العلاج بالألكتروراديوم لتحسين قوة نظره، وهو يتطوع أبداً لقيادة العميان وأخذهم في صف واحد ممسكاً كل واحد منه بقميص الآخر من الخلف في دخولهم إلى حجرة العلاج وخروجهم منها. كما أني تحدثت مع فتى إنجليزي، وآخر ألماني، كان كل منهما أشل لا يستطيع أن يحرك نصفه الأيسر، وبعد العلاج مرتين أو ثلاث مرات أصبح كل منهما قادراً على المشي بعرج بسيط، وكلاهما يأمل في الشفاء التام بعد تك العلاج مرة أخرى أو مرتين، وهناك فوق هؤلاء وهؤلاء عشرات من الشيوخ الذين يحجون إلى مصحة هذا الساحر لاسترجاع شبابهم واستعادة قوتهم. وقد قابلت هناك من المصريين عبد الرحمن فهمي بك السكرتير السابق للوفد المصري، وقد ذكر لي أنه كان يعالج عينيه مما يسمى بالذباب الطائر، وأنه قد برئ منه، وأن هذه سابع مرة يحج فيها إلى تلك المصحة لأنه يشعر بعد كل مرة أن الشباب والقوة يتدفقان في جسمه، وقد حدثني كثيراً عما رأى من معجزات تسايلايس، وكان مما ذكره أنه رأى اخرس علاجه هذا الرجل بطريقته الشاذة العجيبة حتى أنطقه. ورأيت هناك أيضاً من المصريين أحمد حجازي بك عضو مجلس النواب السابق وأسرته لأول مرة له، ليعالج نفسه من الربو، وليعالج كريمته التي عجز نطس الأطباء في أوربا عن شفائها، وهو وإن لم تطل مدة إقامته هناك إلا أنه ذكر لي أنه استفاد فائدة محسوسة من العلاج، وأنه لابد أن يعود في العام المقبل مع كريمته ليستأنف علاجها مدة حتى تشفى على اعتقاده نهائياً. أما أنا وصديقي الأستاذ علم الدين القوصي فقد جمعتنا ظروف المرض العصبي الذي عجز أطباء مصر عن علاجه، فقصدنا لأول مرة تلك المصحة حسب نصيحة الدكتور يوسف قابيل مأمور القنصلية المصرية بفينا، والذي نسجل له على صفحات الرسالة جزيل شكرنا على ما لقيناه منه من مساعدة ونصيحة. قصدناها فعالجنا الساحر النمساوي ثلاثة أسابيع بالألكتروراديوم، فأحس كل منا بالتحسن الكبير في صحته، وعدنا شاكرين الله سبحانه على اهتدائنا لهذا الطبيب.

وقد حصلت على إحصاء رسمي عن آلاف المرضى الذين عولجوا في تلك المصحة في خمس سنين من سنة 1929 إلى سنة 1933 فكان كالآتي.

سنة 1929: 10100مريض، سنة 1930: 16354مريضاً، سنة 1931: 10155مريضاً، سنة 1932: 12092مريضاً، سنة 1933: 7670مريضاً، وكان عدد المرضى في شهور سنة 1934 كالآتي.

يناير 364، فبراير 304، مارس 416، أبريل 602، مايو 604، يونيه 725، يوليه 883.

والذي يتتبع هذا الإحصاء يرى تناقصاً في العدد في سنتي 1933، 1934 ويرجع السر في ذلك إلى إقفال الحدود النمساوية الألمانية، فقد قررت حكومة ألمانية في يونيه سنة 1933 على كل ألماني يرغب في اجتياز الحدود النمساوية أن يدفع ألف مارك، أي نحو 75 جنيهاً، فكان هذا سبباً في صد تيار الألمان الذي كان يتدفق قبل ذلك إلى جالزباخ، ويكفي للدلالة على ذلك أن تعلم أن عدد الأجانب الذين هبطوا تلك القرية أخذ في التناقص من 74 % من جميع المرضى في سنة 1929 إلى 55 % في سنة 1933 إلى 47 % فقط في شهور سنة 1934.

أما تسايلايس ومصحته وطريقته في العلاج فقد أثارت ضجة

عظيمة في الجرائد الأوربية عامة والنمساوية والألمانية خاصة

بين سنتي 1929، 1931، وقد اطلعت على بعض المقالات

التي نشرت في الجرائد الإنجليزية تحت عناوين مختلفة، منها

مقالة في (الديلي ميل) بتأريخ 17 12 1930 تحت عنوان

(عمليات بالآلة الكهربائية) أطرت فيها استخدام الكهرباء بدل

المشرط في العمليات الجراحية، ومقالة أخرى طويلة في

تحت عنوان (معجزات النمساوي صاحب العصى السحرية)

وغيرها مما لا يتسع المقام لتفصيله. وسنأتي فيما بعد على

طرف من أخبار انتصاره على أساتذة الطب في النمسا

وألمانيا، كما سنذكر شيئاً عن الطرق التي يستخدمها في

العلاج والأمراض التي يعالجها.

عبد الحميد فهمي مطر