مجلة الرسالة/العدد 660/في إرشاد الأريب

مجلة الرسالة/العدد 660/في إرشاد الأريب

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 02 - 1946



إلى معرفة الأديب

للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

- 28 -

ج8ص230: قال أبو حيان انعقد المجلس وغص بأهله فرأيت العامري وقد انتُدب فسأل أبا سعيد السيرافي فقال: ما طبيعة الباء من بسم الله؟ فعجب الناس من هذه المطالبة. . .

وفي ج16ص312:

وحبذا همة في العزم ما انتُدبت ... لمبهم الخطب إلا زالت الحجب

قلت: ضبطت (انتدب) في الموظعين بلفظ ما لم يسم فاعله.

في الجمهرة: ورجل ندب إذا كان معواناً منجداً ينتدب للأمور إذا ندب إليها.

وفي الصحاح: ندبه لأمر فانتدب له أي دعاه فأجاب. ومثل ذلك في (النهاية) وقال الأمام الزمخشري في مقدمة مقاماته: وحين أتاح له الصحة التي لا يطاق شكرها انتدب للرجوع إلى رئاس عمله في إنشاء المقامات حتى تممها خمسين مقامة. وقال في الشرح: ندب إلى كذا فانتدب له من كلام العرب.

فانتدب المتعدية لم ترد في كلام العرب الأقدمين ولا المحدثين الأولين ولم يذكرها معجم نعرفه ما عدا (المصباح).

وللعلامة الأستاذ الجليل أحمد بك العوامري بحث محقق في هذه اللفظة روى فيه قول القاموس وشرحه والأساس واللسان والمختار والمصباح ثم قال:

(فأنت ترى أن أحداً ممن روينا عنهم لم يتعرض لانتدب المتعدي إلا صاحب المصباح وتبعه الشيرازي في (معيار اللغة) نقلاً عنه، فقد قال: (وانتدبه للأمر على افتعل: دعاه إليه، فانتدب له يتعدى ولا يتعدى)، فقد جاء انتدب متعدياً، والمصباح من الكتب التي نرجع إليها ونعول عليها، وإن انفرد أحياناً بما لم يروه أحد ممن سبقوه فيما نعلم).

قلت: نقل (التاج) من (المصباح) مسمياً إياه شيئاً في مادة (ندب)، ولم يذكر هذا (الانتداب) المتعدي ولم يشر إليه. واليقين أن (التعدي) مولد متأخر نجم في عصر العلامة الفيومي، ولم يكن في زمان الإمام السيرافي.

وإذا قبلنا الانتداب اللغوي العوامري في هذا الوقت، فلن نقبل (انتداب) غيره ولا (حمايته) ولا (وصايته) ولا (مشاركته) ولا شيئاً من هذه (المترادفات) الممقوتات الملعونات اللواتي أطرفتنا إياها بعد الحربين - عجّل الله بالثالثة! - تلكم (الديمقراطيات) ذوات الختل والمين، و (أنا أعرف الأرنب وأذنيها).

ج8ص216: صاحب مخرقة وزرق.

وجاء في الشرح: المخرقة مصدر خرق، والمراد الحمق بالتمويه والكذب. الزرق: المعمى.

قلت: المخرقة: مصدر مخرق، وقد أوردها اللسان والتاج في هذا الفعل لا في الفعل خرق. قال اللسان الممخرق المموه، وهي المخرقة مأخوذة من مخاريق الصبيان. وقال التاج: المخرقة إظهار الخرق توصلاً إلى حيلة وقد مخرق. والممخرق المموه وهو مستعار من مخاريق الصبيان، هنا أورده صاحب اللسان، وهو على شرط المصنف. . . فبالأحرى أن تذكر المخرقة هنا، وأما الجوهري، فإنه أورده في (خرق) وحكم على أنها مولدة، والميم عنده زائدة.

قلت: أوردها الصحاح بعد قوله: (والمخراق المنديل يلف ليضرب به، عربي صحيح. . . وأما المخرقة فكلمة مولدة)، فكأن الجوهري يشير إلى أن اللفظة مأخوذة من المخراق - كما قال غيره - ولا يدل إيراده إياها في (خرق) على أخذها من هذا الفعل، وأن ميمها زائدة. وفي شفاء الغليل: قال ابن جني في سر الصناعة في وزن مفعل وقالوا: مرحبك الله ومسهلك، وقالوا مخرق الرجل وضعها ابن كيسان. . . وأصل اشتقاقها من المخراق، وهو منديل يلعب به. وجاءت اللفظة في المقامات الحريرية في المقامة الأربعين التبريزية: (فقال أبو زيد: إنها ومرسل الرياح، لأكذب من سجاح. فقالت: بل هو من طوّق الحمامة، وجنّح النعامة، لأكذب من أبي ثمانة، حين مخرق باليمامة).

وأما (الزرق)، فهذا ما وجدته فيه. في اللسان والتاج: ورجل زراق خداع، وفي شفاء الغليل: أكذب من زراق، وهو الذي يقعد على الطريق، فيحتال وينظر في النجوم، وزرقت أي موهت عليه، قاله أبو بكر الخوارزمي في أمثاله، ولم يذكر كونه مولداً، لكنه مذكور في اللغة الساسانية، وهو يدل على أنه مولد. وفيه: بنو ساسان قوم من العيارين والشطار، لهم حيل، ووضعوا بينهم لغة اخترعوها، ونظم فيها أبو دلف قصيدة طويلة، وكان الصاحب يتحاور معه بذلك اللسان ويعجب بحفظه، وهي قصيدة بديعة مذكورة في اليتيمة. ويقع من لغتهم كثير في أشعار المولدين، فلا يعرفها الناس. . . منها قول أهل مصر لآكل الحشيش مسطول، ومنها زرق، وهو تعاطى التنجيم وصاحبه زراق.

ذكر الثعالبي في اليتيمة صاحب القصيدة التي أشار إليها الخفاجي فقال: أبو دلف الخزرجي مسعر بن مهلهل شاعر كثير الملح والظرف. . . وكان ينتاب حضرة الصاحب. . . ويتزود كتبه في أسفاره، فتجري مجرى السفاتح في قضاء أوطاره، ولما أتحفه أبو دلف بقصيدته، وذكر (فيها) المكدين. . وأنواع رسومهم، وتنادر بإدخال الخليفة المطيع في جملتهم. . . اهتز ونشط وأجزل صلته عليها.

يقول العلامة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبدة المصري (رضي الله عنه) في شرحه مقامات أحمد بن الحسين الهمذاني:

(بنو ساسان الشحاذون وأهل المسألة، وساسان يقولون إنه كان رجلاً فقيراً حاذقاً في الاستعطاء، دقيق الحيلة في الاستجداء، فنسب إليه المكّدون. وعندي أن الساسانية وبني ساسان، وما شاكل ذلك من الألفاظ المشيرة بالتحقير لساسان، وأنه جد السفلة أو شيخهم، إنما جاءت بعد زوال الدولة الساسانية من الفرس التي كان مؤسسها أردشير بابك، فلما محقها الإسلام، وبقى من أطرافها أفراد أذلاء سقطوا في ألسنة فتيان المسلمين الأولين، فكانوا يطردونهم من مكان إلى مكان، ويعيرونهم بعنوان آبائهم. فبعد أن كانت نسبتهم إلى ساسان نسبة مجد وحسب صارت نسبة قذف وسب. وكان في شهر هذا الإسم بالتحقير غاية سياسية فضلاً عما تطمح إليه نفس الغالب من إذلال المغلوب، وهي أن لا يبقى لدولة الساسانية ذكر في لسان، ولا أثر في جنان، ينبئ عن سلطانها أو رفعة شأنها، وإذا خطر أمرها بالبال، فلا يخطر إلا مع لازمه الجديد، وهو السفالة والدناءة، ثم نسى ذلك بمرور الأيام، وبقي اللفظ مستعملاً في الشحاذين، وهم أدنى طبقة في الناس.

قلت: سجاح في كلام الحريري المذكور آنفاً هي بنت الحارث بن سويد بن عقفان من بني يربوع ارتدت وتنبأت، ثم حسن إسلامها، وفيها يقول عطارد بن حاجب:

أمست نبيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الله ذكرانا وأبو ثمانة هو مسيلمة بن حبيب الحنفي ارتد وفطس قتيلاً كافراً و (لم يكن مسيلمة نبياً صادقاً ولا متنبياً حاذقاً). كما قال الأحنف ابن قيس، وقد عده عربانيون غربيون - مهرئين ومبطلين - وطنياً ثائراً. . . وهي عداوة الإسلامية لا تزايل علماء القوم في أقوالهم ولا ساستهم - أرى الله بهم - في أعمالهم. وقد نسبت إلى مسيلمة مقولات سخيفات صاغها صواغها كي يجعلوه شهرة، منها قوله:

والمبذرات زرعاً، والحاصدات حصداً، والذاريات قمحاً، والطاحنات طحناً، والخابزات خبزاً، والثاردات ثرداً، واللاقمات لقماً إهالة وسمنا - لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه، والمعتر فآووه، والباغي فناوئوه.

ومن تلك المقولات (يا ضفدع ابنة ضفدع. . .) وهي مشهورة.