مجلة الرسالة/العدد 67/في المعلقات أيضا

مجلة الرسالة/العدد 67/في المعلقات أيضا

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 10 - 1934



للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

. . . . . ولابد من المضي في تكميل رأينا في المعلقات أن نعود إلى الكلام على مذاهب علماء الأدب، قدمائهم ومحدثهم في تسميتهم، فان الذي يراه أبو جعفر النحاس ليس كما ذكرناه في (الرسالة) وذكره غيرنا قبلنا فتأثرنا به، إن هذه القصائد سميت باسم المعلقات من قول الملك (علقوا لنا هذه وأثبتوها في خزانتي) فيكون أبو جعفر على هذا مشاركا لغيره من القدماء في قدم هذه التسمية، ولا يخالفهم إلا في توجيههم لها بأنها مأخوذة من تعليقها على الكعبة. ويذهب علماء العربية الأوربيون بفضل الرأي الراجح ألان في هذه التسمية، أنها حديثة مصنوعة في عصر التدوين أو قبله بقليل، وأنا ننقل هنا كلام أبي جعفر في ذلك لنرى مذهبه حقيقة فيه.

قال في افتتاح شرحه للقصائد السبع: (الذي جرى عليه أمر أكثر أهل اللغة في تفسير غريب الشعر، إغفال لطيف ما فيه من النحو، فاختصرت غريب القصائد السبع المشهورة، وأتبعت ذلك ما فيها من النحو، ولم اكثر الشواهد ولا انساب، ليخف حفظ ذلك ان شاء الله تعالى).

وقال في آخر شرحه لها: (فهذه القصيدة آخر السبع المشهورات، واختلفوا في جمع القصائد السبع، فقيل العرب كان أكثرهم يجتمع بعكاظ ويتناشدون، فإذا استحسن الملك قصيدة قال: علقوها وأثبتوها في خزانتي. فأما قول من قال إنها علقت في الكعبة فلا يعرفه أحد من الرواة، وأصح ما قيل إن حمادا الراوية لما رأى زهد الناس في الشعر، جمع هذه السبع وحضهم عليها، وقال لهم هذه المشهورات، فسميت القصائد المشهورة لهذا).

فهذا صريح في أن أبا جعفر لا يرى في المعلقات أيضا رأي من يذهب إلى تسميتها بذلك مأخوذة من قول الملك (علقوا لنا هذه) وإن كان يراه ارجح من رأى من يرى ان تسميتها بذلك مأخوذة من تعليقهم لها بالكعبة، فكلا الرأيين عنده مبني على ان هذه القصائد كانت مجموعة قبل جمع حماد لها، فكانت معروفة عندهم بهذا الاسم (المعلقات) أو غيره إن كان لها اسم غيره، لأن جمعها هو الذي يجعل لها وجوداً خاصاً تحتاج أن تتميز فيه إلى اسم من الأسماء.

وأبو جعفر ينكر جمع هذه القصائد قبل جمع حماد لها، فهو عنده هو الذي جمعها، لما رأى زهد الناس في الشعر، فجمعها لهم من الشعر القديم، وحضهم عليها، وهذا الرأي آخر عند أبي جعفر غير ذينك الرأيين، وقد رآه أصح ما قيل في هذه القصائد فهناك لقدمائنا إذن في هذه القصائد ثلاثة آراء لا رأيان، وأصح هذه الآراء الثلاثة عند أبى جعفر أن هذه القصائد لم يكن بعضها يمت إلى بعض قبل جمع حماد لها، بل كانت مغمورة في الشعر العربي الجاهلي مثل غيرها من القصائد الجأهلية، ولم تكن تمتاز عليها باسم يجمعها من اسم المعلقات أو غيره، فلما جمعها حماد للناس قال لهم هذه المشهورات، فسميت القصائد المشهورة لهذا، وهو الاسم الذي ذكرها به أبو جعفر في افتتاح شرحه لها وفي آخره أيضاً. ولا شك أن تحاشيه ذكرها باسم المعلقات كما يسميها غيره ويوجهه بأحد ذنيك التوجيهيين دليل على انه لا يرى صحة تلك التسمية مستحدثة مصنوعة بعد الإسلام، وبعد جمع حماد لها، وهذا هو الذي ننسبه ألان ألي علمائنا الأوربيين ليذهبوا بفضله، وينسى فيه فضل أبي جعفر رحمه الله.

هذا وقد رأيت فيما رجعت إليه قبل كتابة هذا المقال من شروح المعلقات، وقد تعلقت نفسي باستقصائها حتى يجئ بحثي وافياً فيها من تلك الناحية، رأيت ما يتفق مع رأيي في المعلقات في مقدمة الطبعة المنيرية لشرح الخطيب التبريزي على المعلقات العشر، إذ جاء فيها: (وذهب فريق إلى ان وجه تسميتها بالمعلقات علقوها بأذهان صغارهم وكبارهم ومرءوسيهم ورؤسائهم، وذلك لشدة اعتنائهم بها) وهذا قريب من رأيي في المعلقات، وهو من عجائب توارد الخواطر، ولكنه في تلك المقدمة هل يذهب من يرى هذا في المعلقات إلى أن تلك التسمية على توجيهه قديمة أو مصنوعة، والظاهر انه يراها قديمة، وهو خلاف ما نراه فيها على توجيهنا لها.

وقد جمعت هذه القصائد السبع بعد جمع حماد لها جمعاً آخر مع قصائد أخرى يبلغ جميعها تسعاً وأربعين قصيدة، قال عنها المفضل الضبي إنها عيون أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، وانفس شعر كل رجل منهم، وهي التي جمعها أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي في كتابه جمهرة أشعار العرب.

ويخالف المفضل حماداً في أصحاب هذه القصائد السبع، فهم عند حماد: أمرؤ القيس، وطرفة، وزهير، وعمرو بن كلثوم، والحارث بن حلزة، ولبيد بن ربيعة. وهم عند المفضل: أمرؤ القيس، وزهير، والنابغة، والأعشى، ولبيد، وعمرو بن كلثوم، وطرفة. وقد تبع المفضل في هذا أبا عبيدة، وقال عن الشعراء السبعة: (هؤلاء أصحاب السبع الطوال التي تسميها العرب السموط، فمن قال أن السبع لغيرهم فقد خالف ما اجمع عليه أهل العلم والمعرفة). ثم ذكر بعد هذا السبع المجمهرات، والسبع المنتقيات، والسبع المذهبات. والسبع المرائي، والسبع المشوبات، والسبع الملحمات.

وإذا كان المفضل يخالف حماداً في هذا فهو يوافقه في انه لم يرد فيما رواه أبو زيد القشرشي عنه تسمية هذه القصائد السبع بالمعلقات، ولم يذكر إلا أن العرب تسميها السموط، فإذا كان يعني الأقدمين فهي تسمية جاهلية، وإذا كان يعني العرب في عصره فهي تسميه إسلامية. وقد كانت العرب قبل الإسلام تطلق هذا اللفظ على غير هذه القصائد السبع، ومن ذلك ما رووا إن علقمة الفحل كان يأتي مكة فيعرض شعره على قريش، وكانت العرب تعرض شعره على قريش، وكانت العرب تعرض أشعارها عليهم، فما قبلوا منها كان مقبولا، وما ردوا كان مردودا، فاتاهم مرة فعرض عليهم قصيدته:

هل ما علمتَ وما استُودعت مكتومُ ... أم حبلُها إذ نأتْك اليومَ مصرومُ.

فقالوا: هذا سمط الدهر، ثم عاد إليهم في العام المقبل فأنشدهم قصيدته في مدح الحارث الغساني، وكان اسر أخاه شاساً فرحل إليه يطلبه:

طَحا بك قلب في الحسان طَروب ... بُعيْد الشباب عصر حان مشيبُ

فقالوا هاتان سمطا الدهر

ويمكننا بعد هذا أن نجزم بأن اسم السموط كان يطلق عند العرب على قصائد غير هذه القصائد السبع، ولا يدل ما ذكره المفضل على حصر هذه التسمية (السموط) في هذه القصائد السبع، وإنما معناه أنها كانت تسميتها السموط فيما كانت تسميه بذلك من قصائدها، فلا يدل ذلك على إنها كانت مجموعة متميزة عند العرب بهذا الاسم قبل جمع حماد لها، بل يتفق هذا أيضاً مع ما رجحه أبو جعفر النحاس من أن حماداً هو الذي جمعها، ولا يخالفه في شئ من المخالفة.

هذا وقد كانت وفاة حماد الراوية سنة 155 هـ، ووفاة المفضل الضبي سنة 168 هـ، ووفاة أبي زيد القرشي صاحب الجمهرة سنة 170هـ، فنستطيع مع هذا أن نحكم بان هذه القصائد السبع ما كانت تعرف باسم المعلقات إلى سنة 170هـ، وإنما كانت تسمى القصائد المشهورة آخذاً من قول حماد فيها بعد جمعها هذه القصائد المشهورة، وكان يقال السموط كما كان يقال لبعض قصائد أخرى، فلم يكن اسماً خاصاً بها، وقد سماها المفضل السبع الطوال فيما نقله أبو زيد في الجمهرة عنه.

وقد نقبنا في المقدمة التي ذكرها أبو زيد في جمهرته قبل القصائد السابقة التي أوردها فيها، فلم نجد فيها ما يمكن أن يؤخذ منه أن السبع الأولى كانت تسمى في عصره باسم المعلقات. وكان الواجب على طابعي الجمهرة أن يلاحظوا ذلك فلا يضعوها تحت اسم المعلقات، ولا يذكر قصيدة امرئ القيس (قفيناك) تحت اسم معلقة امرئ القيس، ولا قصيدة زهير (أمن أم أوفى دمنة لم تكلم) تحت اسم معلقة زهير، وهكذا في باقي السبع، وهو خطأ ضاهر، وتسمية لهذه القصائد بما لم يسمها به صاحبه الجمهرة، فان كان هذا في الأصل الذي طبعوا منه فهو خطأ من ناسخه قطعاً. ولعلنا نظفر بعد هذا بأول من سماها باسم المعلقات في الزمن الذي بين زيد القرشي وأبي جعفر النحاس وهو الذي أورد فيها ما نقلناه عنه من ذلك الخلاف.

عبد المتعال الصعيدي