مجلة الرسالة/العدد 671/التاريخ في سير أعلامه:

مجلة الرسالة/العدد 671/التاريخ في سير أعلامه:

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 05 - 1946



مِلْتُن. . .

(القيثارة الخالدة التي غنت أروع أناشيد الجمال والحرية

والخيال. . .)

للأستاذ محمود الخفيف

- 12 -

رحلة إلى إيطاليا:

قضى ملتن نحو ستة أعوام في هورتون بين كتبه وأوراقه، وهي في الحق عزلة طويلة ما كان ليطيقها لولا عزم مصمم ورغبة قوية في الاستزادة من المعرفة والتأهب لعظيمة في دنيا الشعر.

بيد أن القلق أخذ يساوره والسأم يهجس على قلبه في نهاية العام الخامس من مقامه في القرية أي سنة 1637 قبيل نظمه مرثيته الرائعة ليسيداس، نتبين ذلك مما كتبه إلى صاحبه ديوداتي في سبتمبر من تلك السنة، وكان ديوداتي قد صار يومئذ طبيباً تشغله مهنته فعتب عليه ملتن عتباً عنيفاً أن لم يف بوعده في زيارته وكانت لهجة الكتاب غاضبة شاكية تنم عن حال من الضجر والسأم من طول مصاحبة الكتب والابتعاد عن الدنيا إلى هذا المضطرب الضيق المحدود في القرية.

والحق إن هذه العزلة وإن أجدت على الشاعر كثيراً من الثقافة والاطلاع لم تخل من بعض الآثار السيئة، فقد زادت من ذهابه بنفسه واعتداده برأيه ووثوقه من ارتفاع مستواه من غيره، وإلى ذلك يعزى إلى حد ما صرامته في الجدل فيما كتب بعد وتعاليه على مخالفيه في الرأي وعنفه في الخصومة، وغياب ما عرفه خلانه في مجالسته من عذوبة روحه ورقة حاشيته وطلاوة حديثه.

وكانت قد ماتت أمه في أبريل من هذه السنة، وبموتها ازداد قلقه وازداد ميله إلى الرحيل عن هورتون، وأصبح يحس أن مقامه فيها قد أشرف على النهاية، فقد كان يجد في ابتسامة أمه له وحدبها عليه وثقتها في مستقبله وفرحها بطموحه عزاء له وبهجة لروحه في هذ العزلة القاسية، أما أبوه فقد جاوز السبعين وهجر ألحانه وقراءاته، ورغبت نفسه عن الحديث في الأدب والفن إلا قليلاً، ولهذا لم يعد ابنه يجد عنده ما كان يجده من قبل من بشاشة وإقبال إذا كان يفضي أليه بآماله ويحدثه عما يقع عليه من مطالعاته من رأي سديد أو تعبير بليغ أو نادرة حلوة.

ورد عليه ديوداتي يتمنى له راحة البال وهدوء الحال، وسأله عما هو فيه. وكتب إليه ملتن كتاباً لم يك فيه ما كان في سابقه من الضجر، ما ذلك إلا لأنه قد عقد العزم على أن يرحل. وكان يفكر أول الأمر في الإقامة في أحد فنادق لندن، وفي هذا الكتاب أجاب ملتن إذ يرد على تساؤل صديقه بتلك العبارة التي أسلفنا الإشارة إليها ألا وهي تهيؤه لعمل يسلكه في الخالدين.

وصح عزمه في ربيع سنة 1638 على الرحيل إلى إيطاليا لتكون رحلته فيها متعة لنفسه وثقافة لعقله، فما إن تزال الثقافة هي حافزاً إلى كل ما يعمل من عمل، كأنما يضن بوقته أن يكون فيه قسط للراحة أو للمتعة الخالصة.

ولم يبخل الموثق الشيخ على ابنه بالمال اللازم له ولخادم يتبعه فأمده بثلاثمائة وخمسين من الجنيهات وكانت تساوي يومئذ نحو ألف مما نتداوله اليوم، وحمد ملتن لأبيه سخاءه، وكان يتوجس خيفة منه حين هم بطلب ذلك المال، وكان حرياً أن يخاف، فهو قد بلغ الثلاثين من عمره ولما يزل في رأي أبيه عاطلاً لم ينهض بعمل مما كان يحبه له، وكأنما لم يكفه ذلك فجاء يطلب من أبيه مالاً ليستمتع بالرحيل إلى إيطاليا!

والحق إنها يد للموثق الشيخ تضاف إلى سالف أياديه على ابنه، ولم ينس الابن أنه تركه لما كان فيه من الشعر، إذ آنس منه وهو بعد غلام أنه يحب أن يجعل من نفسه هوميروس آخر وكان أبوه يحب أن يكون منه كلفن ثان، ولم ينس أنه قبل ولو على كره انصرافه عن الوظيفة مدنية كانت أو دينية، وأنه وافق على مقامه في هورتون ليتفرغ للدرس والاطلاع وهو خريج الجامعة؛ لم ينس الشاعر الشاب شيئاً من هذا ولذلك فهو مغتبط بسماحة أبيه ونور بصيرته، ومرد ذلك فيما يرى الشاعر إلى ما تذوقه أبوه من نعمة الثقافة، وما فتح عليه عينيه من نور المعرفة.

وكانت إيطاليا يومئذ منتجع خواطر الرجال والشباب من كل أمة على اختلاف ثقافاتهم وميولهم، فكانت تجتذبهم إليها اجتذاباً، وكان لا يحس المرء بكامل ثقافته إلا إذا زار معالمها أو معالم النهضة في أنحائها، وكان بها لكل عقل متعة، يجد فيها ضالته رجل الفن ومحب البحث في الآثار القديمة والعاكف على دراسة التاريخ والمولع بالمعمار، والمفتتن بمشاهد الطبيعة والمشتغل بالفلسفة والعلم، ولا عجب ففي إيطاليا ازدهرت الحضارة الرومانية، وفيها أشرقت شمس النهضة الأوربية منها انبعثت أشعتها، وهي مهد أوفيد وفرجيل، وموطن دانتي وبتراك وتاسو ورفائيل وميكائيل أنجلو وجاليليو، وكانت في النصف الأول من القرن السابع عشر حين رحل إليها ملتن كسوق انقضت إلا قليلاً، فلا يزال بها من سحر النهضة وجمال مواكبها بقية.

وكان أمر طبيعياً أن ينجذب ملتن إلى إيطاليا وهو ابن النهضة بدراسته وروحه وفنه، وما يزال يتجه بخياله وعقله إلى الربيع الأليزابيثي الراحل وكان موكباً من مواكب النهضة وإن له في مشاهد إيطاليا وفي لقاء شعرائها ورجال الفن والذوق فيها وإن كانوا ظلالاً لمن مضى من الأفذاذ، لمتعة يطرب لها قلبه، وتأنس بها روحه.

وكان لملتن أكثر من عدة إلى إيطاليا، فإلى جانب ما أمده به أبوه من مال، كان له باللغة الإيطالية علم كاف، وبتاريخ إيطاليا معرفة وثيقة، كما أنه حصل على كتاب توصية به من بعض ذوي الحيثية، وكان من بين تلك الكتب كتاب من سير هنري وتون وقد قضى سير هنري سنين من عمره في إيطاليا، وله فيها أصدقاء من ذوي المكانة

ونصح سير هنري لملتن فيما نصح له به أن يتجنب المناقشات الدينية، وأن يكون حريصاً في هذا ما وسعه الحرص؛ وكان سير هنري خبيراً بما عسى أن يجلب على المرء المتاعب في إيطاليا، كما أنه كان يلمس من تحمس ملتن لرأيه ومن شدة كراهته لبابوية روما وقساوستها ما جعله يكرر النصح في إلحاح وشدة

وصل ملتن إلى باريس في أبريل أو مايو سنة 1638، وهناك لقيه السفير الإنجليزي بالترحاب والحفاوة وقدمه إلى جروشْيَسْ وكان جروشيس يعيش منذ بضع سنين في كنف ملك فرنسا لويس الثالث عشر، وكان رجلاً مشهور المقام في الأدب والفلسفة والسياسة والبحث الديني، وكان قد حكم عليه في بلاده بالسجن مدى الحياة بسبب آرائه الدينية التي خالف بها مذهب كلفن في القضاء المحتوم، وفر بمساعي زوجته إلى فرنسا، حيث طاب له المقام، وأظهر جروشيس الحفاوة بملتن وأبدله المودة وأثنى عليه، وذكر له ما سمعه عن نباهة شأنه في الشعر

وفي يوليو بلغ ملتن فلورنسه عن طريق نيس وجنوة، وأقام الشاعر في فلورنسة شهرين، وقد أحب ملتن فلورنسة وأهلها حباً قوياً، وكانت تمتاز يومئذ بجماعاتها الأدبية، وكان بها من تلك الجماعات ست شهيرة، وكانوا يسمونها الأكاديميات، وشتان بينها وبين الأكاديميات الحديثة ذات القوانين المحددة والأصول المرعية في البحث والدرس، وإنما كانت هي منتديات يلتقي فيها ذوو الثقافة فيتناقشون فيما يعرض لهم من المسائل في جلسات ترفع فيها من بينهم الكلفة وتزداد الألفة؛ وقد تنقل ملتن بين هذه الجماعات وكان يقابل فيها جميعاً الحفاوة والمردة، وأصغى ملتن وتكلم في تلك المنتديات، وكان هو ومضيفوه ينتقلون من حديث إلى حديث حيثما تتشعب طرق الكلام، فتناولوا الأدب والعلم والفلسفة والرقابة على المطبوعات والسياسة والدين؛ وتكلم ملتن عن عقيدته الدينية كما تعرض لعقيدتهم، وأصغوا إليه في دماثة وهدوء، ووافقوه على كثير مما يقول، بل إنهم ذهبوا إلى أكثر من ذلك فشكوا إليه وقد وثقوا منه ما يعانون من استبداد الكنيسة وطغيانها، الأمر الذي يمقتونه أشد المقت؛ وقد جاء فيما كتبه ملتن عن تلك الزيارة 1644 قوله: (جلست بين المثقفين من رجالهم، وقد عدوني سعيداً أن ولدت في إنجلترا بلد الحرية الفلسفية كما تصورها يومئذ، في حين أنهم لم يترك لهم شيء إلا أن يئن المثقفون منهم مما يلاقونه من عنت وشدة، وإلى ذلك يعزى ما أحاط بأولى الألمعية من الإيطاليين من ظلمة، وإليه يعزى أنه لم يكتب طوال هذه السنين الكثيرة في إيطاليا إلا الملق والادعاء!)

وكان مما اعتاده أعضاء هذه الأندية أن يلقى كل واحد منهم ما يبرهن به على ذكائه وسعة اطلاعه، واستمع ملتن إلى كثير مما ألقي أمامه بالإيطالية، وجاء دوره فتلا في إحدى هذه الجماعات عن ظهر الغيب بعض قصائده اللاتينية التي نظمها في أول شبابه، وبعض قصائد أخرى نادرة وقع عليها أثناء مطالعاته، كما أنه ألقى عليهم بعض ما نظم بالإيطالية، وقد طربوا كثيراً لهذه القصائد الأخيرة وبالغوا في امتداحها، وعبورا عن شعورهم نحو صاحبها بمدائح لاتينية ذكر ملتن أنها (مما يضن به الإيطاليون على من يقطنون في هذا الجانب من الألب).

وبلغ من فرط سروره بهذه المدائح أنه اعتزم أن تكون معظم أشعاره في المستقبل باللاتينية ليذيع صيته في القارة، ولكنه ما لبث أن ترك هذه الفكرة بعد أن عاد إلى وطنه؛ على أنه لم ينس تلك المدائح التي اختصه بها أهل فلورنسة فنشرها في مقدمة ما نشر من أشعاره اللاتينية سنة 1645، ولعله أراد بنشرها أن يطلع الحاقدين عليها من بني وطنه على ما لقيه من ثناء وحفاوة بين الإيطاليين، فقد أثنى الإيطاليون فيها على ذكائه وعلمه وحذقه اللغات، وجماله وفصاحته وما يتصف به من فضائل، وطول باعه في الفلك والفلسفة والتاريخ وبالغ أحدهم وهو السنيور فرانسيني فراح يؤكد لملتن في قصيدته أنه ما من سر مهما بلغ من عمقه تخبئه الطبيعة في السماء أو في الأرض إلا وهو على علم وثيق به، وأنه قد بلغ حد اكتمال الفضيلة وأن ألحانه الحلوة ترفعه إلى السماء.

واتخذ ملتن طريقه إلى روما فقضى فيها شهرين؛ وهناك طاف بأبنيتها وآثارها القديمة وتعرف إلى كثير من ذوي النباهة والمكانة، وقوبل بالحفاوة فيها كما قوبل في فلورنسة، وإن كانت حماسة أهل روما لم تصل إلى حماسة أهل فلورنسة، ولم يتبع ملتن في روما ما نصح له به سير هنري، فأخذ يتكلم في حماسة وصراحة عن مذهبه البروتستنتي ورأيه في الإصلاح الديني، ولعل ذلك هو السبب في فتور حماسة أهل روما نحوه، بل إن بعضهم انصرف عن الحفاوة به حينما نما إليهم ما يقول في الدين، وما كان ملتن بالرجل الذي يستطيع أن يخفي في نفسه رأيا يؤمن بصوابه، وما كان ليخاف عنتاً أو أذى في سبيل عقيدته، ومن أبرز خلاله منذ صغره الجهر بما يعتقد لأنه يرى أن الكتمان نوع من المذلة إذا كان الباعث عليه الخوف. وهكذا أخذ في المدينة البابا نفسه يتكلم في طلاقة وجرأة لا يهمه كيف يقع كلامه في نفوس سامعيه، ولا يخيفه أقل خوف ما عسى أن يكون من موقف السلطات حياله؛ أشار إلى ذلك فيما كتب فقال (لم يكن من دأبي أن أثير المناقشات الدينية فيما أغشاه من الجماعات، ولكني كنت إذا سئلت عن عقيدتي لا أخفي شيئاً مهما يكن ما أتعرض له من ألم. . . لم أخف عن أي سائل يسألني أي مذهب أعتنق مهما كان هذا السائل؛ وكنت إذا هاجم أي شخص في المدينة البابا العقيدة الأصلية لا أتردد في الدفاع عنها بكل طلاقة)

وتعرف ملتن إلى رجل ألماني الجنس هو لشتنيس، وكان يقوم على شؤون مكتبة الفاتيكان، وكانت له مكانة عظيمة في نفوس الكثيرين من عظماء القساوسة، وقد أراد أن يظهر للشاعر الإنجليزي عرفانه لجميل أهل إنجلترا معه حين كان يطلب العلم في اكسفورد وقد قدمه هذا الألماني إلى الكاردينال العظيم فرنسسكو باربريني، وكان الكاردينال يومئذ هو كل شيء في روما، وأقيم للشاعر حفل موسيقي في قصر باربريني وهناك استمع ملتن إلى المغنية الشهيرة ليونارة باروني فأعجب بها إعجاباً شديداً عبر عنه في قصائد ثلاثة لاتينية قصيرة أهداها إلى المغنية العظيمة.

ولو كان رجل آخر مكان ملتن لأثرت فيه أمثال هذه الحفاوات وبخاصة ما جاء منها من قبل رجال الدين، ولتخفف من صراحته وحدته في الكلام عن عقيدته الدينية وركن إليهم شيئا قليلاً، ولكنه لم يدع لمثل هذه الأمور سبيلا إلى التأثير في رأيه فلم يتحول عنه قيد شعرة الأمر الذي جعل البعض يصدون عنه بعد إقبال، وجعل الجزويت ينكرون أقواله ومسلكه إنكاراً شديداً.

ولم تك تلك القصائد الثلاث كل ما أوحته إيطاليا إلى ملتن، فبين قصائده اللاتينية خمس غيرها وجهها الشاعر إلى سيدة إيطالية لم يذكر اسمها سحرته (بسمو حركتها وبحاجبها الأسود الذي يلقي في النفوس الحب).

وتوجه ملتن بعد ذلك إلى نابلي، وهناك زار رجلا كان لزيارته إياه أجمل وقع في نفسه وذلك هو مانسو العظيم ماركيز فيلا، وكان مانسو في الثامنة والسبعين من عمره، ومرد عظمته إلى أنه كان راعي الأدب والفن مدة جيلين، آوى في أولهما الشاعر تاسو وفي ثانيهما ماريني؟ وهاهو ذا يلقى شاعراً ثالثاً سوف يكون أعظم خطراً في تاريخ الأدب العالمي من ذينك الشاعرين، وقد رحب به مانسو واستطاع على الرغم من شيخوخته أن يطوف به على الأماكن التي وصفها حين كتب حياة تاسو، وأحب ملتن هذا الشيخ فامتدحه بقصيدة جميلة ذكر فيها أنه يود لو كان له راع مثل مانسو راعي الشعراء؟ ليعنى بدفنه إذ يموت، ويقيم له تمثالا من المرمر يتوج الغر هامته، وقد أشار ملتن في هذه القصيدة إلى ما يعتزم في دنيا الشعر كما أثنى على موطنه إنجلترا وعلى مكانتها في الشعر والأدب؛ وأهدى إليه مانسو كأسين منقوشين وعبارة جاء فيها (لو أن دينك كان مثل عقلك وهيكلك ورشاقتك ووجهك ومزاجك ما كنت بريتانيا فقط بل كان مقامك بين الملائكة).

واعتذر إليه مانسو لأنه لا يستطيع بسبب عقيدته الدينية أن يظهر له من الحفاوة به ما يستحق مخافة الرقباء في المدينة، وعاد ملتن إلى روما فلبث فيها شهرين آخرين ثم ذهب مرة ثانية إلى فلورنسة، وفي هذه المرة استطاع أن يزور العالم العظيم جاليليو وكان نزيل السجن في المرة الأولى؛ بسبب آرائه في الفلك وخالفته بها رأي الكنيسة، وزاره ملتن في بيته على مقربة فلورنسه بعد أن حصل على إذن من السلطات، وكم تأثر الشاعر لمرأى هذا العالم الشيخ فقد كف بصره وأحيط بالرقابة الشديدة وبدا محطم الهيكل شديد الضعف، على أنه كان لا يزال محتفظا بقواه العقلية، ولو اطلع ملتن على الغيب ساعتئذ لرأى نفسه صورة شبيهة بصورة جاليليو في ضعفه وفقد بصره ومعاناته الآلام من أجل عقيدته. . .

وسافر ملتن بعد ذلك إلى البندقية ومنها أرسل إلى وطنه ما اشترى من كتب ومخطوطات وكان بينها صندوقان لكتب الموسيقى، ومن البندقية اتجه إلى جنيف ليعود منها إلى موطنه، وكان يجب أن تطول رحلته أكثر من هذا، ولكن ما ترامى إليه من أنباء وطنه جعله يؤثر العودة، عبر عن ذلك في قوله (رأيت أن ما يلحق بي الشين أن أرتحل طلباً للمتعة في الخارج بينما يعاني بنو وطني الآلام من أجل الحرية في بلادي).

هذه هي رحلة ملتن إلى إيطاليا ولسنا نجد لما شهده من المدن والآثار صوراً في شعره اللهم إلا ما وصف به روما في الفردوس المستعاد، وهي صورة ليست بذات أهمية كان يستطيع مثلها لو لم يسافر؛ كذلك لم يظهر ملتن أثر لاستمتاع بلهو الحياة، بل إنه أشهد الله وهو في جنيف في طريقه إلى موطنه أنه لم يأت شيئا في رحلته تخجل منه الفضيلة.

(يتبع)

الخفيف