مجلة الرسالة/العدد 675/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 675/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 10 - 06 - 1946



في العروض والقوافي:

كان هذا الضعيف نبه في مقالاته (في العقد) و (في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) في (الرسالة الغراء) على التشديد في القوافي المشددة ووجوب تركه والاكتفاء بالسكون حتى لا يختل الوزن. وقد وجدت في (المخصص) - ج13 ص184 - وأنا أراجعه هذا الخبر الطريف:

(قال ابن الأعرابي: نزل بعض العرب بامرأة منهم، فأحسنت ضيافته، فقال: ما رأيت أم بيت أحسن ثغراً منك، وراودها على القبل، فزينته، فقال:

تقول أم عامر بالغمز: قِلْ

فإن تَقِل فعندنا ماء وظلْ

وإن أبيت فالطريق معتدلْ

أما الذي سألتنا فلا يحلْ)

فرأيت محقق الكتاب العلامة اللغوي الكبير الشيخ محمد محمود الشنقيطي - رحمه الله - قد ضبط (ظل، يحل) بالتشديد مع السكون كما ضبط مثل ذلك كثير من المتقدمين. وربما حملت مكانة العلامة الشنقيطي محققي الكتب القديمة وناشريها على المضي على الخطأ، والحق هو ما أعلنته في تلك المقالات. ولم أزل منذ دهر طويل أفتش عن نص لإمام من المتقدمين يؤيد انتقادي. فلقيت (الضالة المنشودة) عند أبي العلاء المعري، ولا كلام لعالم من بعد قول الشيخ (الشيخ بالنحو أعلم من سيبويه وباللغة والعروض من الخليل) كما روي ابن القارح في رسالته.

قال أبو العلاء في كتابه (عبث الوليد) ص180:

(ومن التي أولها (قالت الشيب بدا قلت أجل) كان على القوافي المشددة مثل (الأقل والأشل) تشديد، وذلك عندهم خطأ لأن التخفيف لازم. وكان بعض أهل العلم يعاب بأنه وجد بخطه قول لبيد:

يلمس الأحلاس في منزله ... بيديه كاليهودي المصل

مشدد اللام في (المصل) وحكي ابن عثمان بن جني كان يرى مثل هذه الأشياء أن يكون التشديد من تحت الحرف. والأجود أن يعلم الناظر أن التشديد لا يجوز في مثل هذه المواضع).

محمد إسعاف النشاشيبي

من مزايا الرسالة:

من مزايا الرسالة، وبحمد الله ما أكثر مزاياها، أن حولها نفراً من كرام الكاتبين وحذاق الناقدين، قريبة دارهم، حديدة أبصارهم، لا يدعون غلطة تمر حتى يصححوها؛ فإذا بدت لعين عاجز مثلى غلطة، وبعث تصحيحاً لها، وجدهم سبقوه إلى ذكرها، فيضيع تعبه ويذهب هباء.

ولقد سبقت في هذه الفترة مرات: بعثت أستدرك على أستاذنا النشاشيبي أنه لم يذكر وجه الصواب في تفسير بيتي حسان، فإذا بالأستاذ محمد الطنطاوي (وبارك الله في طنطا بلدنا وبلده) يسبق حفظه الله إلى الاستدراك. وبعثت بالجواب بشأن بيتي عروة فسبقني بلدينا الفاضل السباق إلى الجواب عني (جزاه الله خيراً). وأرسلت كلمة في المحدث فسبقني إلى بيانها الأديب الكبير (القارئ) (السهمي) النشاشيبي (المسلم)؛ وكثرة الأسماء دليل على شرف المسمى. ولكن السهمي لم يصحح تفسير الأستاذ الكبير العقاد لكلمة المحدث؛ فقد ذكر (أن المحدث الذي يسمع كلام الله) مع أن الذي قالوه في المحدث أنه الملهم، أنظر (البخاري 149: 4 ومسلم 7: 145 ومسند أحمد 2: 339) أما ما كتبه أستاذنا بتوقيع (مسلم) بشأن الطلاق، وقوله إن (هذا الذي يرضي النبي محمداً) فإن الكلام في رده طويل، وليس يرضي محمداً ولا رب محمد إلا قول استنبط من محكم الكتاب، أو من صحيح السنة، وجاء الاستنباط فيه من (أصوله) واقترن بدليله.

علي الطنطاوي

(فكرة الشر) واقترانها بسلوك لفنان:

إلى أخي الأستاذ جبريل خزام:

تناولت - بالنقد - بعض ما جاء في مقالي (الأدب والمجتمع) وأود أن ألفت نظرك إلى (فكرة الشر) واقترانها بمظاهر سلوك الفنان في بعض الأحيان، فأقول: إنه لا ينبغي أن نحكم (النظرة المادية) في هذا الموضوع الخطير، فيكون الشخص - بناءً على هذه النظرة - شرّيراً. . . كلما ارتكب فعلا يدل - في ذاته - على قيام فكرة الشر عنده؛ بل يتعين علينا أن نحاول استكناه (النوايا) و (البواعث) الدافعة إلى ارتكاب الفعل، فإذا دل البحث عن سوء نية الفاعل، ألصقنا به تهمة الشر بناء على ذلك. وهذه هي (النظرة الشخصية) التي نبه إليها دعاة المدرسة الإيطالية وعلى رأسهم الفقيه لمبروزو، والذين كان لهم فضل توجيه نظر الباحثين إلى وجوب تقدير العقوبة على أساس من دراسة دوافع السلوك وبواعث الأعمال والعوامل الاجتماعية المحيطة المؤثرة.

والنفس الفنانة كثيراً ما يستحثها توفر الحس فيها وتعدد شعورها بجوانب الحياة المختلفة - علويها وسفليها - إلى التورط في الشر والانكباب عليه. . . ولا يكون هذا السلوك إلا دلالة قاطعة على ما تلاقيه هذه النفس العاثرة الجد - التي تنطوي على الخير المحض - من عسف وإعنات من جانب المجتمع والقائمين على رعايته. وبالتالي يروح الرجل - المتميز بأي ضرب من ضروب الامتياز - يغرق همومه ويعالج إخفاقه في الحياة بالتهالك على المتعات الحسية واستياف اللذات الرخيصة. وما هذا السلوك من جانبه - في واقع الأمر - إلا برهان قوي على قوة الحيوية في نفسه وتعدد طاقاته وعدم ارتضائه الاستكانة إلى الظلم ومذلة الهوان!

ولا أظن أحداً يتشكك في حسن طوية (النّواسيّ) ونقاوة سريرته ورحابة آفاقه؛ وإن فيما أورده المعنيون بالبحث في طبيعة نفسه، ما يستشعر منه تشبث هذا الفنان الممتاز بعاصم الكبرياء وقوة شعوره بذاته.

ولعل فيما أثبته الأستاذ الفاضل عبد الرحمن صدقي عن (بودلير) في كتابه (الشاعر الرجيم) ما يؤكد ما ذهبنا إليه في إمكان رد أغلب سيئات الفنان وحماقاته إلى ظروف الأسرة وقساوة المجتمع!

عبد العزيز الكرداني

تجديد علم المنطق للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

قامت مكتبة الآداب بدرب الجماميز بطبع كتاب تجديد علم المنطق في شرح الخبيصي على التهذيب في (مطبعة الرسالة) وهي الطبعة الثانية من هذا الكتاب، وتمتاز على الطبعة الأولى بكثير من الزيادات والتنقيحات.

وقد جاء الكتاب كاسمه تجديداً في شرح الكتب الأزهرية وفي طبعها وترتيبها، وما إلى هذا مما جاء من التجديد والتهذيب فيه، بعد أن مضت عليها أزمان تطبع فيها أقبح طبع، وتظهر في أقبح ترتيب، وتتجافى عما حدث في علومها من تجديد، فتتغير الدنيا ولا تتغير، وينقلب العلم من حال إلى حال وهي باقية على حالها، ويسير إلى الأمام بخطى واسعة وهي واقفة في مكانها، وتقف تبعاً لها عقول الطلاب، وتتأثر بجمودها وسوء ترتيبها وقبح طبعها، لأن عقل الطالب يتأثر بالكتاب في أسلوب بحثه، وفي طريقة ترتيبه، وفي هيئته وشكله.

وقد بدأه مؤلفه الأستاذ عبد المتعال الصعيدي بمقدمة بين فيها ما وصل إليه المنطق عند علماء اليونان، وعند علماء العرب، وعند علماء أوربا، وبين فيها كيف يجري المنطق في اللغة العربية، وقد وضعه علماء اليونان على أساليب اللغة اليونانية، وهذا إشكال قد أثاره الإمام الشافعي رضي الله عنه، وتأثر به رجال الأدب والشعر الذين أنكروا أسلوب المنطق اليوناني، كأبي عبادة البحتري من الشعراء، وكابن الأثير من علماء الأدب، فحل المؤلف هذا الإشكال في مقدمته أحسن حل، وأنصف المنطق اليوناني من الذين أزروا به من رجال الشعر والأدب.

ثم عني الأستاذ بعد هذا بالموازنة بين المنطق القديم والمنطق الحديث، فذكر عقب شرح كل فصل من فصول هذا الكتاب ما وصل إليه المنطق الحديث فيه، ووازن بين المنطقين في كل فصل من هذه الفصول، فأحدث بهذا تجديداً له قيمته في شرح الكتب الأزهرية، وجمع في كتابه بين المنطق القديم والحديث، ليكون الطالب على بينة منهما، وهي طريقة أجدى على الطلاب من قصرهم على دراسة المنطق القديم، أو على دراسة المنطق الحديث، وتكاد الجامعة الأزهرية تمتاز بها على سائر الجامعات.

وما أحوج الكتب الأزهرية كلها إلى مثل هذه الطريقة في الشرح والتجديد، وفي حسن الطبع والترتيب، لتلائم حال هذا العصر، وتجذب إليها نفوس الطلاب، فيقبلوا على دراستها وتتأثر عقولهم بما تجده فيها من التجديد والترتيب، وتتهيأ بهذا إلى تجديد أتم، وتستعد إلى إصلاح أكمل، ومن سار على الدرب وصل.