مجلة الرسالة/العدد 68/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 68/البريد الأدبي
مؤتمر الكتاب السوفييت
وسير الأدب الروسي الحديث
عقد أخيراً مؤتمر الكتاب السوفيتيين (الروسيين البلاشفة) في موسكو، فشهده زهاء ستمائة كاتب من مختلف الجمهوريات السوفيتية مثل: اليوكرين، والقوقاز، وبلاد الكرج، والتركمان، والغرغيز، ثم روسيا ذاتها؛ وهم يمثلون اثنتين وخمسين أمة مختلفة هي أمم الاتحاد السوفيتي، واثنتين وخمسين لغة وآداباً مختلفة؛ وشهده أيضاً جمهور كبير من كتاب الأمم الأخرى والصحفيين من مختلف البلدان؛ وألقى أعلام الأدب الروسي المعاصر مثل جوركي، وبوخارين، وإيفانوف، وبابل، وايرنبورج، واسكندر تولستوي، خطباً إضافية في وصف الروح الجديدة التي تسيطر على التفكير الروسي، وهي روح الحقيقة الاشتراكية.
وخطب في جمهور الشباب الذين شهدوا المؤتمر الكاتب الفنان أوليخا، فتساءل عن الجيل الروسي الجديد ما هو؟ وماذا يغلب في توجيهه، أهي للعاطفة أم للعقل؟ وهل هو حساس يفيض حناناً ودمعاً؟ وماذا يشعر نحو المجتمع الاشتراكي الذي خلقه ورعاه؟ وكان من المناظر الشائقة أن خطبت صبية سيبيرية في الرابعة عشرة من عمرها؛ فتحدثت عن أماني الشباب نحو الأدب، وطالبت الكتاب الروس بمضاعفة نشاطهم في إخراج الكتب التي يحتاج إليها الشباب، ثم نوهت بما يلاقي الأطفال من رعاية في روسيا، وبأنهم ينعمون بما لا ينعم به الأطفال في أي بلاد أخرى من بلاد العالم.
وقد ساد في المؤتمر على ما يصفه كاتب مشاهد، جو من الحرية والصراحة والإخلاص قلما يبدو في المؤتمرات العامة، وألقيت فيه الآراء المضمرة والظاهرة بحرية لم يحدها شئ، ولم يحجم الكتاب الضيوف عن إبداء آرائهم بمنتهى الصراحة؛ وتولى الرد عليهم أقطاب التفكير البلشفي مثل بوخارين وكارل رادك؛ وكان الجدل برغم احتدامه يطبعه كثير من الصراحة والولاء.
ونقول بهذه المناسبة إن الفن والآداب الروسية لم تتأثر بالموجة البلشفية الهدامة بل ازدهرت في عهد الحكم السوفيتي، وعنى البلاشفة دائماً برعايتها وتشجيعها. ذلك لأن أقطاب البلاشفة كانوا كتاباً وأدباء قبل كل شئ. والاشتراكية تقوم على توجيه الفكر وتغذيته بالأدب والفن؛ وفي روسيا الآن نهضة أدبية وفنية تضارع أعظم النهضات المماثلة في البلاد الأخرى. وبزغ فجر النهضة الأدبية الروسية المعاصرة منذ سنة 1919 بعد أن خمدت الحركة الأدبية مدى عامين كانت روسيا تضطرم فيهما بنار الثورة والحرب الأهلية. وظهرت الروايات والقصص الأولى المطبوعة بروح الاشتراكية سنة 1920؛ وبدأ الكتاب القدماء باتخاذ أساليب وصور جديدة تناسب الروح والأحوال الجديدة. وفي وسعك أن تتتبع مراحل البلشفية والمجتمع الجديد خلال الكتب. ففي المرحلة الأولى كانت المبادئ الثورية والاقتصادية الجديدة تطبع الأدب بطابع عميق؛ ولما تطورت البلشفية، وأبيحت الملكية الخاصة في حدود معينة، وظهر مجتمع (بورجوازي) جديد، ظهرت الميول (البورجوازية) مرة أخرى في الأدب الروسي ولكن بصورة مخففة. ونشبت هنا معركة بين الأدب الشيوعي المتطرف، والأدب المعتدل، وعاونت الحكومة دعاة التطرف في هذه المعركة؛ وسيطر الجناح الشيوعي على التوجيه الأدبي، وعاق بذلك تقدم الحركة الأدبية. ولكن مهمة الجناح الشيوعي الأدبية انتهت بتغلب السياسة الاقتصادية الجديدة. وفي أبريل سنة 1932 أعلنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي حل جميع الجمعيات الأدبية، ومنها جماعة الحزب نفسه؛ وأعلنت إنشاء هيئة واحدة تضم كتاب الاتحاد السوفيتي جميعاً؛ واستمرت الهيئة الجديدة في طور الإنشاء مدى عامين؛ وهذا المؤتمر هو أول مؤتمراتها.
المناعة ضد الحمى الصفراء
اكتشاف طبي جليل
قدمت أخيراً إلى أكاديمية العلوم الفرنسية مذكرة باكتشاف طبي خطير هو مصل جديد لمقاومة الحمى الصفراء. والحمى الصفراء من الأمراض الوبائية التي تجتاح المناطق الحارة في أفريقية وأمريكا الجنوبية، وتحدث من لدغ البعوض الذي يحمل ميكروبها، وهو المعروف في اللغة العلمية وقد وفق إلى هذا الاكتشاف الجليل الدكتور ليجريه من أطباء معهد باستور في تونس، والدكتور سيلاردس الأمريكي، ومذ اكتشف البعوض الذي يحمل الميكروب كانت مقاومة الحمى الصفراء تجرى بواسطة إتلافه في المدن الاستوائية الكبرى مثل ريودي جانيرو وهافانا وثغور أفريقية الغربية، ولكنه كان في الداخل يعصف بالسكان شر عصف. فعكف العالمان المذكوران على إجراء البحث لاكتشاف مصل يفيد في المناعة ضد الميكروب ويقي الإنسان نهائياً شر هذا البعوض الفتاك، وتوصلا إلى اكتشافه عن طريق القرد والجرذ. ذلك أن ميكروب هذا البعوض لا تمكن رؤيته بالميكروسكوب؛ وهو شديد الفتك بالقردة، ولكنه لا يؤذي الجرذان إلا إذا كانت الإصابة في المخ، فعندئذ يتحول فعل الميكروب ويغدو شديد الفتك بها، وقد لقح العالمان المذكوران الجرذ في المخ بدم البعوض، ثم استخرجا (الفيروس) (الميكروب) من الجرذ ولقحا به القردة فلم يؤثر فيها. ومن هنا نشأت فكرة المصل الواقي، وقد لقي الدكتور ليجريه صعاباً كثيرة، ومنع من إجراء تجاربه في البشر في معهد باستور، ولكنه استطاع أن يجريها في ثلاثة من التونسيين تطوعوا لذلك، فجاءت النتائج العملية تؤيد اكتشافه. فانتقل إلى أفريقية الغربية، وفاوض السلطات في دكار حتى سمحت له بتلقيح ثلاثة آلاف أوربي بالمصل الجديد؛ وكانت النتيجة باهرة، لأن ألفين لم يحدث لهم شئ؛ وأصيب الألف الباقي بشيء من رد الفعل والحمى اليسيرة؛ وكانت مناعة الذين لقحوا تامة ضد البعوض المعدي؛ وتأيدت بذلك صحة الاكتشاف وخطورته، وقدم بذلك مذكرة إلى أكاديمية العلوم لتتوجه بصفة رسمية.
ويجري اللقاح المذكور على ثلاث دفعات بين كل منها عشرون يوماً، وتؤخذ مادته من ميكروب الجرذان الحي، ويمكن تجفيفه وتصديره إلى الجهات الحارة دون أن يفقد خواصه.
ولا ريب أن سيكون لهذا الاكتشاف أثر عظيم في مكافحة الحمى الصفراء وانقاذ الملايين من فتكها الذريع.
مؤرخ مسرحي
توفي في أوائل هذا الشهر أديب ومؤلف فرنسي كبير هو فيلكس جاف، أستاذ الآداب بالسوربون، وكان مولده في سنة 1874. وقد بدأ بتدريس النحو وفقه اللغة في السوربون؛ ولكنه شغف بالموسيقى والمسرح والفن؛ وعنى عناية خاصة بدرس تاريخ الفن والمسرح؛ وأصدر في سنة 1910 أول كتاب جامع عن (الدرامة)، وعنوانه (الدرامة في فرنسا) ثم أصدر كتاباً عن (المتناقضات في عصر لويس الرابع عشر) وشغل كرسي (تاريخ الأدب المسرحي) في كلية باريس أعوام طويلة، وكان حجة في كل ما يتعلق بهذا النوع من الأدب.
ذكرى أناتول فرانسي
كان يوم 12 أكتوبر الجاري هو الذكرى العاشرة لوفاة كاتب فرنسا الأكبر أناتول فرنس. وبهذه المناسبة عنيت جمعية تخليد ذكرى أناتول فرانس التي يرأسها الكاتب الكبير جول رومان بوضع لوحة تذكارية في قرية بشيليري التي قضى فيها فرانس أعوامه العشرة الأخيرة، وتوفي في 12 أكتوبر سنة 1924، واحتفل بوضع هذه اللوحة في جمع حافل من أصدقاء الكاتب الكبير والمعجبين به. وهي خطوة من خطوات تزمع الجمعية اتخاذها لتخليد ذكراه.
قبر سيرانودي برجراك
للفرنسيين ولع شديد باكتشاف قبور عظمائهم التي طمست وغمرها النسيان، وفي فرنسا جمعيات أثرية كثيرة تعنى بالعمل في هذا السبيل. ومنذ أعوام قلائل استطاعت إحدى هذه الجمعيات أن تعثر بقبر الفيلسوف فولتير ورفاته تحت أقبية الكنيسة التي تذكر الرواية أنه دفن بها. ومنذ أشهر اكتشفت جمعية أخرى قبر الشاعر رونسار في بلدته التي دفن بها؛ وقد قرأنا أخيراً أن جماعة أثرية أخرى تعنى باكتشاف قبر (سيرانودي برجراك) وهو السيد الذي خلد روستان اسمه في روايته الشهيرة. والمعروف أن سيرانو حينما اشتد عليه المرض غادر باريس في سنة 1665 إلى بلدته الأصلية (سانوا) ومات هنالك، ولا يزال اسمه مسجلاً في دفتر الوفيات بكنيسة القرية المذكورة. وقد أجريت مباحث في السهل الذي يوصف بأنه دفن فيه في ظاهر القرية. واكتشف بالفعل هيكل عظمي ظن بادئ بدء أنه هيكل سيرانو، ولكن ظهر من فحصه أن عظامه دقيقة كأنما هي عظام امرأة أو فتى لم يكتمل أطوار النمو. ولكن الباحثين لم ييأسوا، ولازال البحث يجري لاكتشاف رفات سيرانو ذي الأنف الضخم.