مجلة الرسالة/العدد 680/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 680/البريد الأدبي
حول مذكرة السنهوري باشا:
قرأت في (الرسالة) الغراء كلمة أشارت فيه إلى ما تضمنته مذكرة السنهوري باشا التي تهدف إلى إنشاء معهد الفقه الإسلامي للجامعة العربية. . . والفكرة جليلة قويمة. . . ولكنها أهملت دعامة الفقه الإسلامي، وحصنه الحصين ألا وهو (الأزهر) إهمالا تاما، ولم تشر إليه من قريب أو بعيد!! فقد أشارت (الرسالة) إلى المعاهد التي تقترح هذه المذكرة إنشاءها.
أولها: (معهد التدريس يمنح الشهادات والدبلومات الجامعية يلتحق به الحاصلون على ليسانس الحقوق من إحدى الجامعات العربية). . . عجبا!! أليس للأزهريين الحق في دخول هذا المعهد وهم أولى به؟! ولماذا حرموا منه؟!. . . ثم ذكرت انه ينبغي أن يلحق هذا المعهد بإحدى جامعات الدول العربية، وافضل هذه الجامعات هي جامعة فؤاد الأول!!. . . وكأن الأزهر الذي حافظ على دراسة الدين الإسلامي ألف عام وخّرج من خّرج من العظماء ليس أهلا لان يلحق به هذا المعهد، وهو الذي يجمع بين أبناء العروبة من قديم الزمن! وقد جعلته أمم العروبة منارا به يهتدون وكعبة إليها يحجون!. . . وإني لا اشك في أن الأزهر محتاج للتجديد كما نادى بذلك أستاذنا الجليل (الزيات). . . ولا ريب في أن الأزهر سينال حقه من التجديد والإصلاح عما قريب لما نعهد في شيخه الأكبر من حب للتجديد وأيمان بالإصلاح.
تصحيح:
طالعت في ذلك البحث الفياض للأستاذ أبي القاسم بدري عن (الشاعران المتشابهان). . . وقد ذكر من شعر أبي القسم الشابي رحمه الله هذين البيتين:
(أنت روح غبية تكره النو ... ر وتقضي الدهور في ليل حدس
أنت لا تدرك الحقائق إن طا ... فت حواليك دون حس وحس)
وصحة المصراعين الأخيرين (في ليل ملس)، (دون مس وجس) وذكر كذلك هذا البيت:
(أيها الشعب أنت طفل صغير ... لاعب بالتراب والليل ينسى)
وصحة المصراع الأخير (واليل مغس) كما جاء في (الرسالة) الغراء عدد نمرة 664 ف قصيدة (ليتني. . .!). . وأورد من شعر التجاني رحمه الله هذا البيت هكذا:
(وأنا اليوم لا حراك كأن قد شد ... في مكمن القوى أوثاق)
وهو من البحر الخفيف. وصحته:
(وأنا اليوم لا حراك كأن قد ... شد في مكمن القوى أوثاق)
وهذه ملاحظات يسيرة لا تغض من قيمة البحث الجليل.
إبراهيم عبد المجيد الترزي
حول معرض الكتاب العربي:
كتب صديق الأستاذ وديع فلسطين في (الرسالة) الغراء كلمة عن (معرض الكتاب العربي) الذي أقامته وزارة المعارف بدار الجمعية الزراعية الملكية؛ وقد تعجبت كثيرا حينما وجدت الأستاذ يقول في أثناء حديثه:
(ورأيت كتابا آخر عنوانه (وفيات الأعيان) فضحكت كذلك، لان مؤلفه لم يجد ما يكتب عنه إلا أن يسرد تواريخ وفيات الأعيان! كان الدنيا وما فيها لا تهمه، وكان الإصلاح الاجتماعي لا حاجة لنا إليه، وكان الكتّاب فرغوا من الكتابة في جميع الموضوعات، ولم يبق سوى الكتابة عن وفيات الأعيان!) اهـ.
أهذا كلام يقال؟. وهل يدل ذلك الحكم على أن الأستاذ فلسطين قد طالع شيئا في كتاب الوفيات أو عرف قيمته في المكتبة العربية؟. . .
أن كتاب (وفيات الأعيان) أيها الصديق من أمهات المراجع التاريخية التي لا يستغني عنها مؤلف أو اديب، وهو لم يقتصر كما فهمت خطا على ذكر وفيات المشهورين من الناس، بل أوجز الحديث عن حياتهم وأعمالهم وصفاتهم وولادتهم ووفاتهم، واسم الكتاب كاملا هو: (وفيات الأعيان، وأنباء أبناء الزمان)، وقد ألفه صاحبه شمس الدين أبو العباس أحمد ابن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان الشافعي، وانتهى من ترتيبه بالقاهرة المحروسة سنة أربع وخمسين وستمائة هجرية. أي منذ أكثر من سبعة قرون، وقد شرح ابن خلكان في مقدمة كتابه جانبا من غرضه فيه فقال:
(ولم اقصر هذا المختصر على طائفة مخصوصة مثل العلماء أو الملوك أو الأمراء أو الوزراء أو الشعراء، بل كل من له شهرة بين الناس، ويقع السؤال عن ذكرته، وأتيت من أحواله بما وقفت عليه من الإيجاز، كيلا يطول الكتاب، واثبت وفاته ومولده إن قدرت عليه، ورفعت نسبه على ما ظفرت به، وقيت من الألفاظ ما لا يؤمن تصحيفه، وذكرت من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمة أو نادرة أو شعر أو رسالة، ليتفكه به متأمله، ولا يراه مقصورا على أسلوب واحد فيمله، والدواعي إنما تنبعث لتصفح الكتاب إذا كان مفننا).
وتعبير ابن خلكان بان كتابه (مختصر) فيه تواضع العلماء القدامى، وإلا فكتابه ليس مختصرا، بل هو موسوعة كبيرة لو طبعت على ورق حديث لبلغت آلاف الصفحات، وقد وصف أحد الأدباء كتاب الوفيات فقال انه (روضة يانعة الأزهار، متدفقة الجداول والأنهار، بل كنز بالفرائد حافل، ولبدائع المحافل شامل كافل، لما حواه من تراجم أكابر الفضلاء، وتضمنه من فكاهات الأدباء والشعراء، مع ترتيب عجيب، وأسلوب فائق غريب، وضم الشوارد، واقتناص الأوابد، وضبط غريب مبانيه، وتهذيب مقصده ومعانيه).
وحياة ابن خلكان بعد هذا أيها الصديق لا تدل على انه كان تافها أو ضعيف المنة، فله من عمله وأدبه ومؤلفاته وفقهه ما يرفعه إلى مصاف العظماء من الرجال، وله فوق هذا شعر في غاية الرقة والجمال. فهو القائل في الغزل:
أنا والله هالك ... آيس من سلامتي
أو أرى القامة التي ... قد أقامت قيامتي!
وهو القائل أيضا:
تمثلتمو لي والديار بعيدة ... فخيّل لي أن الفؤاد لكم مغنى
وناجاكموا قلبي على البعد والنوى ... فأوحشتمو لفظاً، وآنستمو معنى!
لقد ظلمت (وفيات الأعيان) يا وديع وظلمت صاحب الوفيات. ورحم الله ابن خلكان إذ يقول في آخر خطبته التي قدم بها الوفيات: (حرسنا الله تعالى من التردي في مهاوي الغواية، وجعل لنا من العرفان بأقدارنا امنع وقاية!).
هذا وقد لاحظت أن المعرض قد خلا من الكتب التي صدرت في الأقطار الشقيقة، وهذا صحيح، فقد زرت المعرض كما زرته، ولاحظت أنا فوق ما لاحظته أنت. أن المعرض قد خلا من قسم للكتب الأزهرية، مع أن الجامعات والمعاهد العليا ودور الطباعة والنشر قد مثلت في هذا المعرض؛ وكم كنت أتمنى أن يطلع الناس في هذا المعرض على نماذج من الكتب الأزهرية القديمة والحديثة، ويرون كيف تطور التأليف الأزهري عل مر العصور، وكم كنت أتمنى أن يشاهد الناس كتب الباجوري والشرقاوي والأشموني والسيوطي والصبان والدرديري وغيرهم، وكم كنت أتمنى أن يرى الناس في هذا المعرض مؤلفات أو مطبوعات المراغي ومصطفى عبد الرزاق والصعيدي وعرفة ومحي الدين وعوني وعبد القادر ويوسف موسى وغلاب وماضي وقرقر وبدير والخضر وغيرهم!!. . .
ليت شعري! كيف فات الأزهر هذا وعلى رأسه اليوم الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرزاق خريج السوربون وصاحب المؤلفات العديدة؟. . . لئن فات الأزهر هذا اليوم نرجو مخلصين ألا يفوتهم يوم يحتفلون بالعيد الألفي للأزهر. ولكن متى يكون هذا الاحتفال؟.
أحمد الشرباصي
المدرس بالأزهر الشريف