مجلة الرسالة/العدد 680/حزب الاستقلال المراكشي كما يرى:
مجلة الرسالة/العدد 680/حزب الاستقلال المراكشي كما يرى:
مراكش والوحدة العربية
ثلاثة اتجاهات تسيطر الآن على الحالة السياسية في مراكش
1 - المراكشيون تحت زعامة حزب الاستقلال يريدون الاستقلال التام وضم بلادهم إلى دول الجامعة العربية.
2 - الفرنسيون الرسميون، والرأسماليون المستحوذون على الأرض والمالية، يريدون إبقاء ما كان على ما كان، وإكراه المراكشيين على الرضوخ لإرادتهم بالطغيان والتحدي.
3 - طائفة من اليساريين الفرنسيين ومن بينهم من له مسؤولية في حكومة باريز الحالية يريدون إلغاء عقد الحماية المبرم بين الحكومة المغربية وحكومة فرنسا سنة1912، وإبداله بعقد آخر تدخل به مراكش في حضيرة العائلة الفرنسية، على شكل يشير من قرب أو من بعد إلى شكل جمهوريات القوقاز التابعة للاتحاد السوفياتي.
هذه هي الاتجاهات العامة في هذا القطر العربي الذي عاش ثلاثة عشر قرنا مستقلا مرهوب الجانب حتى طوقته الدسائس الأجنبية فأرغم على الخضوع لإملاء 30 مارس سنة 1912 أي معاهدة الحماية.
وقد كان هذا الإملاء كما يذكر القراء نتيجة حتمية لاتفاق 1904 الذي تنازلت فيه بريطانيا العظمى عن مراكش لفرنسا في مقابل تنازل فرنسا لبريطانيا عن مصر.
وكان الاحتلال الأجنبي سبب محنة عظمى للشعب المراكشي الذي ظل يدافع عن استقلاله بالسلاح ويعلن الثورة تلو الثورة، سواء ضد الفرنسيين أو ضد الأسبان، منذ إملاء 30 مارس سنة 1912 إلى أواخر سنة 1934 أي طيلة اثنين وعشرين سنة كاملة لم يمر منها يوم واحد (أقول يوم واحد) لم تكن فيه الحرب معلنة في ناحية ما من نواحي الإقليم المراكشي بجميع أهوالها وويلاتها المعروفة.
وقد ابتدئت مقاومة الفرنسيين الساسة في شكل أحزاب عصرية منظمة منذ سنة 1930، فكان الفرنسيون يقابلون بالتشريد والرصاص والسجن كل طموح سياسي يظهره المراكشيون لتحسين حالتهم.
وفي 11 يناير سنة 1944 طرأ تغيير جوهري على موقف المراكشيين السياسي من فرن وذلك بالمذكرة التي رفعها حزب الاستقلال إلى جلالة الملك والى اللجنة الفرنسية بالجزائر (حكومة الجنرال دي جول) والتقت حولها الشعب برغم التدابير الجهنمية التي لجا إليها الفرنسيون لإقناع الأمة بالسكوت والاستسلام والتنازل.
ولكن الفرنسيين يضعون الشعب المراكشي، كما قلت، بين احتمالين لا ثالث لهما، أما البقاء تحت نظام النهب والإرهاب والمحق التدريجي، كما كان الحال في الماضي؛ وأما الاندماج في حضيرة العائلة الفرنسية، أي الانتحار وتحدي كل إحساس طبيعي يشعر به المراكشيون في نفوسهم.
أما المراكشيون فهم في أعماق قلوبهم يشعرون انهم عرب ويشعرون أن تطورهم وحظارتهم يجب أن يصبا في قالب لغتهم العربية واتخذوها لغتهم قبل أن يتكون الشعب الفرنسي وقبل أن توجد الفرنسية بقرون، لذلك يعتبرون أن مستقبلهم مرتبط ارتباطا طبيعيا بمستقبل الأمم العربية الاخرى، مرتبط بمستقبل العرب، من الوحدة الثقافية والعاطفية، ولا مانع من ارتباطه بالوجهة الاقتصادية التي تعد محور السياسة اليوم، وهم بأجمعهم ينتظرون بفارغ الصبر اليوم الذي توقع فيه حكومة مراكش المستقلة على دستور الجامعة العربية وتصبح عضوا عاملا بين بقية الأعضاء العاملين العرب، بذلك يصبح المراكشيون عاملا نشيطا لتثبيت السلم العالمي كما كانوا عاملا نشيطا لكسب الحرب.
والمراكشيون يريدون أن يسترجعوا استقلالهم السياسي أولا لأنه حق من حقوقهم الطبيعية، لا يقبل أي مناقشة، وثانيا لأنهم يرون في الاستعماريين الفرنسي والأسباني، خطرا يهدد كيانهم كأمة. وقد اتخذ في مراكش، وبالأخص الاستعمار الفرنسي، وسيلتين لمحو الشخصية المراكشية، والقضاء على كيان الأمة، فمن جهة، باتباع السياسة المعروفة بسياسة الإدماج وهي تتلخص في الإدارة المباشرة للبلاد، ونزع أراضي الفلاح بالقوة وتقديمها للمعمر الفرنسي، وإحلال اللغة الفرنسية محل اللغة العربية، لغة البلاد الوطنية، والاستيلاء على رؤوس الأموال؛ ومن جهة أخرى بمقاومة نشر التعليم، وإهمال الصحة العامة، وخنق الحريات، وتأسيس نظام بوليسي مرعب يحاول بجميع الوسائل الدنيئة، قتل الإحساس بالكرامة في نفس المراكشي لتسهيل السيطرة عليه.
وليس من شك في أن الفرنسيين، ومثلهم الأسبانيون، كانوا ينتظرون من وراء هذه السياسة انقراض أمة لتحل مكانها أمة اخرى، فتصبح مراكش امتدادا لفرنسا أو لأسبانيا في قارة أفريقيا، وهو حلم ردده الجنرال ديجول لجنرال فرنسا الجديدة، في خطاب له وهو في طريقه إلى بلاد السوفيات، وهو نفسه الحل الذي يقترحه (اليساريون) الأحرار في لهجة أدبية تقدمية، معادية للاستعمار وأساليبه الرجعية الغاشمة كما يزعمون.
أما الشعب المراكشي فهو يعرف ما يريد، وغيته واضحة لا غبار عليها، وهو يطمع الآن لعقد معاهدتين أساسيتين، معاهدة يحصل بها على استقلاله التام، والأخرى يدخل بها كعضو عامل في وسط دول الجامعة العربية.
(مراكش)
(خبير)