مجلة الرسالة/العدد 690/إلى المجمع اللغوي:

مجلة الرسالة/العدد 690/إلى المجمع اللغوي:

ملاحظات: بتاريخ: 23 - 09 - 1946



الأسماك في الشواطئ الحضرمية

للأستاذ علي عبود العلوي

- 3 -

اللغة المهرية:

هذه هي المعلومات التي دونتها عن الملاحين الحضرميين طيلة الساعتين التي كنت أتخطر فيهما مع النسمة الروحية - لا - الغذائية.

وهي كما ترى على أكثرها مسحة اللغة المهرية والشحرية - نسبة إلى الشحر - وهي ليست بذاك كما يقول علماء اللغة.

وقبيلة مهرة من القبائل العربية ونسبتها إلى قضاعة. وتسكن مهرة في ظفار الحبوظية ومرباط وصيحوت وغيرها من الأماكن الشرقية بالنسبة إلى موقع حضرموت. وهذه الأماكن يشملها اسم حضرموت وذلك حسب التقسيم الجغرافي القديم ولا يعتد بالتقسيم السياسي اليوم.

وذكر بعض مؤرخي العرب أن لغة مهرة هي من بقايا التراث العربي القديم اعني أنها من بقايا لغة عاد. وهي إلى اليوم لا كتابة لها.

ويؤكد بعض المؤرخين أنها من بقايا اللغة الحميرية. ويؤيد هذا الرأي فضيلة شيخنا العلامة الكبير مفتى (جوهور) سابقا السيد علوي بن طاهر الحداد العلوي يقول:

(ويدل على هذا وجود كلمات فيها نص علماء اللغة على أنها حميرية. اذكر منها أنهم يسمون اللبن (شِخَوفْ) وهذا اسمه بالحميرية كما في القاموس، ويقولون (قَيَهلْ) بمعنى اقبل. وقد ذكر هذا اللفظ بمعنى الوجه في ترجمة صاحب القاموس، ويقولون للنار (شَوَاظْ)، وهذا محرف من شُواظ، ويسمون الماء (حَموه) وهذا هو اسمه في لغة عربية بتفخيم ألف وزيادة الحاء فقد حكي علماء اللغة أنه يقال: فيه (حاه) على لغة فإذا فخم الألف قرب جرسه في السمع مما ذكر.

وقال أيضا: وللمهرة والقَرى - هم بادية مهرة وتسكن الجبال - وأهل سقطري لغات متقاربة تجمعها اللغة المهرية، وبينهما فروق. وتسمى لغة القرى بالحِكلى.

وأعدادهم محرفة عن العربية بتحريف بعيد أو قريب، والعدد في لغة الأمحارة الحبشية اقرب إلى العربية منها.

أعداد القرى

أعداد المهرة

أعداد الحبشة

(1)

طاد

طَاط

أحَدْ

(2)

ثِرَةْ

ثِلْثْ

لِسْنَين

(3)

صَاطِيْطْ

صافيدْ (أو صفديد)

سلاسي

(4)

أرْبَعَط

أرْبوُتْ

أرْبُوء

(5)

خُوْنِش

خُمُةْ هَمْسَهْ

(6)

شِتِتْ

يَتِّيه

سَدِسْ

(7)

شِبْعَتْ

هِيَيَايِتْ

لَسْبُوْ

(8)

ثِنْيَتْ

ثِمِنْتْ

سَمانِية

(9)

تسعِتْ

ثَايِتْ

زَطِّىْ

(10)

عِشْرِتْ

عِشْرِتْ

عَشر

هذا ما نص عليه فضيلة شيخنا في محاضرة له عن ظفار الحبوظية نجتزئ بالنقل عنها بما يهمنا حسب سياق البحث.

ولتكملة البحث نثبت هذه الألفاظ عن اللغة المهرية وهي:

ألفاظ مهرية يقابلها بالعربية

تُخوْل

إجلس

أَثث

قم

ثِيوُوْطْ (الثاء مفخم)

النار

حَيلو

الليل

من هوك قهبك؟

من أين جئت؟

كعبيت

الصحفة

شخوف

اللبن

هيبيت

الناقة

هيرون

الغنم

بَقَريت

البقر

مَحِل

السمن

غجِّيْنْ

صبي غجِّيْتْ

بنت

حِبِرانِيْ

إبني

وعن اللغة المهرية صدرت في اوربا هذه المؤلفات القيمة كما ذكرها المستشرق الإيطالي (نللينو) راجع مجلة الزهراء. فعسى أن يقوم بترجمتها المجمع اللغوي أو أحد أبناء العروبة البررة.

1 - تأليف وطبع في فينا سنة 1902 م.

2 - كتاب اللغة المهرية والسقطرية، وهو باللغة الألمانية طبع فينا سنة 1902و1907 م. وهو في ثلاثة مجلدات.

3 - رسائل متعددة وهي من تأليف مطبوعة في منشورات المعهد العلمي في فينا سنة 1909وبعدها.

مرامي العنبر والإبل المعنبرة:

ولن أحيد أصلا عن موضوع بحثنا حينما استطرد إلى مرامي العنبر ولا سيما أن التاريخ العربي قد أقام لها وزنا.

ويقول الأستاذ عن منشأ العنبر في كتابه الذخيرة:

(ويغلب على الظن أن منشأه أن عقادات صفراوية تتكون في أمعاء بعض القياطس البحرية كما تتكون الحصوات المرارية عند الإنسان وغيره من الحيوانات الثدية).

والقياطس البحرية هي التي اسماها البحارة الحضرميون بالشوحطة، وما عزب عن أذهانهم من فصيلتها كما أشرنا إلى ذلك.

ومرامي العنبر ليست محصورة بمكان واحد. فكما يوجد على شواطئ البرازيل وجزيرة مدغشقر وجزائر الهند الشرقية والصين واليابان ونيوزيلندا الجديدة واستراليا وساحل أفريقيا الشمالي كذلك يوجد على الشواطئ الهندية والعربية إلى باب المندب.

وللشواطئ الحضرمية نصيب من ذلك كما حدثنا التاريخ عنها في القديم بل والحديث.

قال الهمداني: (وبها - أي اليمن - مرامي العنبر على سيوفها ولمهرة وبني مجيد علي سيفي بحر اليمن شرقا وغربا الجمال المعنبرة. وذلك أن مسائمها على الساحل، وإذا اشتم الجمل العنبر به برك فلم يثر حتى يفتقده صاحبه، فيطلبه فيجده بالقرب منها فيلتقطها. فإن أبطأ عليه لم يبرح حتى تفتر قواه من الجوى وربما نفق فذلك خيفته عليها. صفة جزيرة العرب ص37).

وقال في موضع آخر: (وباليمن من كرام الإبل الارحبية لأرحب بن الدعام من همدان والمهرية ثم من المهرية العيدية تنسب إلى العيد قبيلة من مهرة والصدفية والجرمية والداعرية تنسب إلى دعر من بلحراث والمجيدية ومنها الإبل المعنبرة. ص201)

وقسم أبو عبد الله محمد أبو طالب الأنصاري الدمشقي المعروف بشيخ الربوة المتوفى سنة 728هـ العنبر إلى خام ومبلوع. وله نظرية في العنبر. أوهي نظرية المعلومات السائدة في ذلك العصر وهذه النظرية لا تتفق والمعارف العصرية كما ذكرنا عن الأستاذ حسن عبد السلام، ولا يفوتنا أن نشير إلى أنه نبه في آخر بحثه إلى ما هو معروف لدينا اليوم: قال قوم: أن العنبر زبل هذه الدابة.

ولا غرو أن نتيح له الفرصة ليتحدث إلينا بمعلومات أجدادنا العرب السابقين قال:

(ولهذا المحيط - يقصد بذلك المحيط المغربي - مد وجزر كما للمحيط المشرقي. ويقذف ساحله العنبر الخام من غالب جهاته ولاسيما من خلجانه. والعنبر نبع من عيون من جبال بقعر البحر المالح الفارسي والحبشي والهندي والمغربي والصيني والموسوي فيركب بعضه بعضا. وهو في حين خروجه شديد الفوران والحرارة فإذا لاقى برد الماء جمد على أحجار وصار جماجم صغارا وكبارا فيكون جموده كجمود الشمع إذا أصابه بعد ذوبه الماء البارد فيبقى لاصقا بتلك الصخور إلى أن يهيج البحر في زمن الشتاء فيقتلعه قطعا قطعا ويخرجه إلى سطحه فترمي به الأمواج إلى الساحل.

وأجوده الذي يقع إلى ساحل الشحر من بلاد المهرة فيلتقطه الجلابون؛ وربما ابتلعه سمك يسمى أوال فإذا ابتلعه مات من شدة حرارته فتريقه الأمواج أيضا فيشق عنه جوفه ويستخرج منه، وله رائحة زهمة ويسمى المبلوع والآخر الخام.

والعنبر إذا ألقاه الموج إلى الساحل لا يأكل منه حيوان إلا مات ولا ينقر منه طائر إلا أنفصل منه منقاره. وإذا وضع عليه رجليه نصلت أظفاره فإن أكل منه شيئا مات.

وقد ورد في دابة العنبر حديث صحيح وهو: أن النبي بعث ثلاث مائة رجل سرية وأمر عليهم أبا عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه فأجهدهم الجوع حتى أن الرجل كان يقتات في اليوم والليلة بتمرة واحدة فبينما هم يسيرون على ساحل البحر إذ أصابوا دابة العنبر مثل الكثيب الأضخم ميتة فأكلوا منها شهرا حتى سمنوا وكانوا يغترفون من وقب عينيها الدهن بالقلال، وأخذ أبا عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في الوقب، واخذ ضلعا من أضلاعها فنصبه ثم ادخل اعظم بعير واركبه أطول رجل وأمره يدخل تحت الضلع فلم يبلغ رأسه منقعره. ولما رجعوا تزودوا من لحم السمكة حتى أوصلتهم إلى المدينة. فلما قدموا حكوا ذلك لرسول الله فقال: هذا رزق ساقه الله إليكم. فهل معكم شيء فتطعمونا؟ فأرسلوا إليه منه فأكل.

وقال قوم: أن العنبر زبل هذه الدابة. صفحة 133 - 134 من كتابه (نخبة الدهر وعجائب البر والبحر) المطبوع في بطرسبورغ سنة 1281هو1865م.

ومن نصه نفهم امتياز العنبر الذي يلقى على الشاطئ الحظرمي على غيره.

وللمسعودي إشارات إلى مرامي العنبر بالشواطئ الحضرمية والإبل المعنبرة فليراجعها من أحب.

ولا أعرف عن الإبل المعنبرة شيئا اليوم. أما مرامي العنبر فلا تزال القياطس البحرية تكرم شواطئنا الحضرمية بمبراتها الودية في كل حين.

وهذه الإبل المعنبرة هي التي أشاد بذكرها التاريخ في سرعة السير كما تحدثت عنها الأسفار الأدبية. قال البعيث الحنفي:

وهاجرة يشوي مهاها سمومها ... طبخت بها عيرانة واشتويتها

مفرجة منفوجة حضرمية ... مساندة سر المهاري انتقيتها

فطرت بها شجعاء قرماء جرشعا ... إذا عد مجد العيس قدم بيتها

وجدت أباها رائيضيها وأمها ... فأعطيت فيها الحكم حتى حويتها

وقال جرير:

وكيف ولا اشد حبال رحل ... أروم إلى زيارتك المراما

من العيدي في نسب المهارى ... تطير على أخشتها اللغاما وتعرف عنقهن على نحولٍ ... وقد لحقت شمائلها انضماما

وقد غالى في القول أبو الشمقمق وجاوز الطرف إذ جعل نعليه تسابق الإبل المهرية على شدة سرعتها في السير، ولندعه يحدثنا كما شاء له ظرفه وأدبه قال:

رحل المطي إليك طلاب الندى ... ورحلت نحوك ناقتي نعليه

إذ لم يكن لي يا يزيد مطيتي ... فجعلتها لك في السفار مطية

تحدى أمام اليعملات وتفتلي ... في السير تترك خلفها المهرية؟!

من كل طاوئة الصُوى مزورة ... قطعاً لكل تنوفة روسيه

فإذا ركبت بها طريقا عامراً ... تنساب تحتي كانسياب الحية

لولا الشراك لقد خشيت جماحها ... وزمامها من أن تمس يدي؟!

تنتاب أكرم وائلا في بيتها ... حسباً وقبة مجدها مبنية

أعني يزيدا سيف آمحمد ... فراج كل شديدة مخفيه

يوماه يوم للمواهب والندى ... خضل ويوم دم وخطف منيه

ولقد أتيتك واثقا بك عالما ... أن لست تسمع مدحة بنسيه

ويقصد الشاعر بيزيد: يزيد بن المؤيد الشيباني، وكان واليا على اليمن.

علي عبود العلوي