مجلة الرسالة/العدد 697/رباعيات عثمان. . .!
مجلة الرسالة/العدد 697/رباعيات عثمان. . .!
للأستاذ عثمان حلمي
كم جبان من الخيال يراعُ ... هو في نفسه الجريءُ الشجاعُ
فإذا جدَّ أي أمرٍ تبينْ ... تَ جزوعاً خانت قواهُ الطباع
كيف أضحى وجه العبوس كوجه ال ... طفلِ هشاً والقلبُ وهو شجاع
هكذا تأخذ المظاهر بالأل ... باب أخذاً ويستقيم الخداع
هكذا ما استقام في الأرض ظلُّ ... أو تعزى في ظلها المستظلُّ
ما بنوها أقل ميناً ولا الأر ... ض على المين من بنيها أقلُّ
معدنٌ واحدٌ فلا ترج ماير ... وي الصدى من كذابهم أو يُعل
وتبسَّمْ ولا تملَّ فأن ال ... عاقل المستنير من لا يمل
أيما أبصرتْه مقلة رائي ... باطل في بصائر الفهماءِ
فأرح في الحياة نفسك ما اسطع ... تَ بما تستطيع من إغضاء
ما على الأرض لو تأملت خيرٌ ... لك من لقمة وجرعة ماء
وسوى ذاك باطلٌ أي بطلٍ ... وعناءٌ ما بعده من عناء
أي حق ما لابستهُ الظنون ... ليت شعري فأين أين اليقينُ
الذي كان ليس يدريه حيٌّ ... ومحال إدراكُ ما سيكون
حُلُمٌ هذه الحياة على الأ ... رض وسرٌّ لا ينجلي مكنون
ذلك السرُّ ليس يجلوه للأح ... ياء - لولا الضلال - إلا المنون
كل نفس لها لدى الفكر حق ... فالذي خلته هو الحق - حق
والذي خاله سواك هو الحق، فمن منكما لعمري أحق
شدَّ ما في رأييكما من خلاف ... هو غربٌ وأنت في الرأي شرق
ليس من يعرف الحقيقة في الخلق برأيٍ ما في ثناياه خرق
فعلام الجدالُ والأضغان ... وإلام الحقود والطغيان
نحن مهما تباين الرأي فينا ... واختلفنا فاصلنا الإنسان
ما جرى في عقولنا من دماءٍ ... أو حوتْ في صميمها الأبد واحدٌ ذلك التراب إذا ما ... حللته الأحداث والأزمان
كل حيٍّ في الأرض أسعد حالا ... من بني آدم وأسمى مثالا
فالحمار الذي حسبناه أشقى الخل ... ق منيِّ ومنك، أنعم بالا
فهو أنى اغتدى على الأرض لم يجن على نفسه بخطءٍ وبالا
ومع العقل يا ابن آدم تزدا ... د لعمري حماقة وضلالا
نهض العلمُ يا بن آدم نهضاً ... فسعي يبتغي سوى الأرض أرضا
ترك الأرض بعد أن دوّخ الأر ... ض وجاب السماء طولا وعرضا
وارتقى فيه كل شيء ولكن ... بقيت نفسه كما هي فوضى
وتقضى بعقله كل نقص ... غير نقص بنفسه ما تقضى
هذه النفس يا أخي كيف تصفو ... إن حواها جوٌّ من الشر صرف
هي إبليس لو فطنت وفيها ... مَلك حائر على الخير يهفو
وهي وحش من الوحوش ونسر ... بجناح على المخيم يرف
لم يهذِّبْ مر القرون طوايا ... ها فظلت من ضعفها تُستخف
ملك النسل أمرها والجوع ... فهي طفل على الدهور رضيعُ
أينما أيقظا هواها فما ينفع فيها التثريب والتقريع
هكذا قام من غريزته الأصل وقامت على الأصول الفروع
ما استطاع الإنسان حدَّ هواها ... لا ولا حدَّ شرَّها مستطيع
عجز العلم والنهى والدين ... والردى دون نقصها والسنون
فتأمل أيان كنت أنَّى ... شئت فالضعف جاثم والشجون
وفنون من الخصاصة والتعس وجمُّ من الشقاء فنون
ودمٌ في براءة مُهرَاق ... وغريم من كل ِّ شرٍ مصون
يا لها من حقيقة تتوارى ... خجلا والنفوس منها حيارى
فإذا ما تحجبتْ أسدل المي ... ن على وجهها البغيض ستارا
وإذا ما تكشَّفتْ لم ير المبصر فيما يراه إلا صغارا
كم يرى النفس كيف لطخها الطينُ ... فجُنَّتْ حماقة وسَعَارا كلنا لائمٌ فأين الملوم ... أين منا الأريب أين الحكيمُ
فالتمس للنفوس ما اسطعت من عذ ... ر فما في نفوسنا المعصوم
وتقَّبل ما ساء منها وما سرّ بقلب ما أثقلته الهموم
هكذا كانت النفوس فلا يُحزنك منها صحيحها والسقيم
لو تراني والشر يطغى أمامي ... ودموعي يطغى عليها ابتسامي
لو تراني عجبتَ لي كيف أمضيتُ حياتي في راحة وسلام
فتأمل مع ابتسامك في عصري وكيف انقضت به أيامي
لو تأملتها كفتكَ كثيراً ... من تجاريب سادرٍ مغشام
كلما زاد بالحياة اهتمامي ... واشتغالي زادت بها آلامي
وتبيَّنت كلما مرَّ يومٌ ... إثرَ يوم حقيقة الأيام
فالتجاريب علمتني أن تذ ... عن نفسي فيها لغير مرامي
والقيود التي فُرضْنَ على الأحياء فيها قوبلن باستسلامي
والسلام الذي أراه أمامي ... كم تبينت فيه عكس السلام
غير أني على مرارة سخري ... لم أبح في انتقاده بملام
هذه حكمة الحكيم جناها ... عقله من تتابع الأعوام
من يُردْ هذه الحياة جحيما ... جاء من نفسه لها بضرام
أصبحت تشبه الحمامة نفسي ... فهي تضحي على الهدوء وتمسي
حسبها السعي للقليل من الرز ... ق وحسبي الرضى به والتأسي
ثم حسبي أن لم أرق ماء وجهي ... لابن أنثى من ذي ثراء وبأس
وأرى في الرضى أماناً من الهم ... وبرءًا من كل غمٍّ ويأس
ولقد رُضتُ في العواطف قلبي ... وتقلبتُ بين بغض وحبِّ
ثم أصبحت لا أودُُُّ ولا أقلي ولا يستقيم للعطف لُبِّي
كل همي أن أبصر الخلق عن بُعدٍ على مسرح الخليقة قربي
ساخراً من مشاهٍدٍ تتوارى ... بين سهل من الأمور وصعب
ليس للحبِّ والقلى أسبابُ ... أدركتها النفوس والألبابُ حيِّر العلم كل عقل ودون العلم عن حيرة القلوب حجاب
ربَّ قلب أحبَّ نفساً إساءته ومن أحسنت ببغضُ تثاب
ذاك أمرُ مثل المنية خافٍ ... جهل الشيب سرَّه والشبابُ
كل ما في حياتنا أوهام ... إن خبرت الحياة أو أحلام
فاسأل الغيبَ عن حقيقة دنيا ... نا تجبك النجوم والأجرامُ
وسل الكائنات عن منشأ العق ... ل ومأوى النهى يجبك الرغام
واعتصم يا أخي بعجزك أن العجز فيه إذا ضللت اعتصام
كم سؤال لا ينتهي وجواب ... لم يكن في هداك فصل الخطاب
فتبرّمتَ بالحياة ولم ير ... ددك عقل إلى سواء الصواب
ما الذي يستطيع عقلك أن يفهم مما اختفى وراء الحجاب
ولعمري ما الأرض في الكون إلا ... ذرة في خضمّه الصخاب
عثمان حلمي