مجلة الرسالة/العدد 697/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 697/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 11 - 1946



طه الراوي

بعد أن كتبت الكلمة التي حملت إلى قراء (الرسالة) الخبر المصم، والنعي الكارث، نعي فقيد الأدب العظيم الأستاذ طه الراوي جاءتني هذه (الرسالة) من الأستاذ حسن حبشي مدرس التاريخ بمدرسة المعلمين العالية ببغداد، وكنت حملته بطاقة إلى الأستاذ الكبير رحمه الله، فقابله قبل وفاته بيوم واحد.

وهي اسطر قيمتها بأنها تتحدث عن الأستاذ في آخر حياتة، وتحمل إلى أصدقائه من أواخر نفحاته.

قال الأستاذ حبشي:

(ما كنت أبلغ عاصمة الرشيد حتى توجهت يوم السبت إلى الأستاذ طه بك الراوي وكنت قد بعثت ببطاقتكم إليه مع الأستاذ جميل سعيد، وقد رحب بي الرجل أجمل ترحيب، وسألني أن أحدثه عنكم، إذ هو مشتاق إلى الوقوف على أخباركم، وقال إنه يعتب عليكم في أنكم لا تجيئون العراق، مع أنه قد ألح عليكم من قبل، وكان حاضراً المجلس الدكتور مصطفى جواد وأنبأني أنه سيكتب إليكم.

ولكن العجيب يا أستاذي أن هذا الأديب الكريم كان ممتلئاً صحة، وكان دليل العافية بادية عليه، لا تلمح به أثراً أو جهد أو تعب، ولكن انقضى اليوم الثاني حتى وافانا نعيه فكان الرزء فيه عظيما. وأي خطب للأدب والدين في العراق اجل من أن يختطف الموت طه الراوي وقد كان ملء السمع والبصر، وكانت جنازته جنازة دلت على مكانته، فقد شيعه كبار القوم ببغداد، وعارفو فضله وأدبه، على الرغم من أن المدة بين نعيه وبين تشيعه إلى لحده لم تتجاوز خمس ساعات.

فإن يكن قد كتب إليك فذلك اخرما كتب، كما أن رسالتك التي حملتني إياها كانت آخر ما تسلم، ولا أستطيع يا أستاذي أن أصور لك مبلغ حبه لك مما بدا في حديثه معي ومع سائر زواره في ذلك اليوم، وإنني لأرجو أن يفسح الله له في جناته بقدر خدمته للأدب والعروبة والدين).

من صميم الحياة: القاضي الفاضل الأستاذ علي الطنطاوي من بقايا السلف الصالح، يرسل علينا من آن لآخر آيات فيها العضة والاعتبار بأسلوب رشيق وقصص ممتعة، وفيها أيضاً إثارة من قلم أستاذنا الرافعي طيب الله ثراه.

ساق إلينا في (الرسالة) رواية عن شاب مستقيم الخلق والدين عهد إليه بالتعليم في مدرسة ثانوية للبنات، ثم انتهى به فساد بعض التلميذات إلى الاستقالة من المدرسة؛ ولي على الكاتب الفاضل ملاحظات:

1 - تغلب عليه روح التشاؤم فيما يكتب، ونحن في عصر النهوض أو في عصر انقلاب اجتماعي وقد نسيء أو نحسن، فنحن في حاجة إلى من يروضنا ويبعث فينا روح التفاؤل بأسلوب يهز النفوس هزا لتنشط إلى السير قدماً في طريق الفلاح والنجاح، ويحملها على الاعتراف بالخطأ فتصفو من عيوب المجتمع وتسلك سواء السبيل.

2 - لقد قدم لنا بطله في مدارس البنات شاباً ضيق الأفق ضعيف الحيلة اشد حياء من العذراء، ثم صور تلميذته في صورة داعر تعشق معلمها من غير مقدمات. . . وليتها فعلت كما قال شوقي:

نظرةفابتسامة فسلام ... فكلام فموعد فلقاء

وما هكذا طبائع الأشياء، وما كذلك مدارس البنات!

3 - كثيراً ما تتغلب الفكرة والخيال على الأستاذ الكاتب فيفوته الواقع في قصصه: (فهي فتاة من أنبل الأسر تسرع وراء معلمها فيعف عنها ثم تكتب له:

وإذا رأيتك لا تكلمني ... ضاقت على الأرض والأفق)

وما كان لها أن تخجل وتعرض عن معلمها بعد أن صد عنها وأعرض، حتى هجمت عليه في منزله كالوحش الضاري لتهتك عرضه

لا - يا أستاذ - لقد شط معلمك شططاً بعيداً. ولعلي أصدقك - وقد كنت في ماضي حياتي معلماً في مدارس البنات - فهذه المخاوف التي استولت على ذهنك كنا نتصورها، أو قريباً منها، حتى إذا وجدنا أنفسنا في هذا الوسط أحسسنا أن هؤلاء البنات بناتنا والمعلمات أخواتنا، وزال هذه الخوف الأسود من مشاعرنا، وصارت الحياة عادية، وهذا شأن سائر المعلمين في مدارس البنات فرفقاً بالناس وحنانيك، وإنصافاً - يا حضرة القاضي - فالأمر أن شاء الله على ما تحب بفضل القدوة الصالحة والتهذيب الصحيح أولا فلتغلق مدارس البنات والسلام

حسنين حسن مخلوف

مفتش بوزارة المعارف

تحية قدوم:

(من الشاعر الراوية الأستاذ أحمد الزين إلى الأستاذ أحمد أمين

بك بمناسبة قدومه من أوربا):

سعدت بمقدمك العباد ... يا خصب أذهان البلاد

الشرق محتفل القلو ... ب بكم وإن حال البعاد

بشرى تناقلها البلا ... د تناقل النغم الميعاد

يسري شذاها حاملا ... أملاً إليها في ازدياد

أحمد الزين

مناظرة هادئه

اطلعت بالعدد 694 من مجلة (الرسالة) الغراء على المقال القيم بقلمك الأستاذ الكبير علي الطنطاوي. وإني وإن كنت من (الرجعيين) أمثال الأستاذ الكبير، إلا أني أريد أن أنصف النساء والرجال أيضاً فأقول: إن النساء لم يجرمن ولم يذنبن، (وطالب القوت ما تعدى)، فموضوع النساء كموضوع الرجال تماماً، ينحصر في غريزتين اثنتين: وهما المحافظة على الذات والمحافظة على النوع، وبعبارة أصرح الحاجة إلى الطعام واللباس والغريزة الجنسية، وكان الزواج يكفي المرأة هاتين الحاجتين؛ إلا أن الشبان في هذه الأيام - تبعاً للتصور الفكري والمادي - أرادوا أن تكون زوجاتهم على علم يتفق وثقافتهم، كما رأوا أن الزواج عبء ثقيل لما يتبعه من تربية أبناء وتعليمهم وعلاجهم فأرادوا أن تكون لزوجاتهم ثروة تعينهم.

اضطرت البنت إلى أن تتعلم، أو اضطر أهلها إلى تعليمها، واستتبع التعليم حتما السفور، ثم اضطرت الفتاة إلى أن تعمل لتكون لنفسها ثروة يطلبها الرجال!

وكان لا بد من أن تتطور أفكار الفتاة تبعاً لثقافتها وقدرتها على الكسب، فرأت لنفسها الحق في شيء من الحرية والاستقلال وهو أمر - إذا لم يتعد حدوده - لا يتنافى مع الدين ولا مع الشرف ولا مع حقوق الزوجية!

وفي فترة انتظار الزوجة المتعلمة الغنية اتصل الشاب ببعض المتهتكات - اللاتي كانت المشكلة الاقتصادية أيضاً هي السبب الرئيسي في سقوطهن - فاستمرأ المرعى ووجد الأمر اسهل من الزواج

وظنت الفتاة المتعلمة أن الشبان يفضلون المظاهر الخلابة، فأرادت أن تتقرب إليهم ببعضها فنفروا من زواجها! فماذا تصنع؟!

كما رأت أخوات لها تزوجن رجالا ابتزوا أموالهن وجروا وراء شهواتهم وملاذهم، بل طلقوهن وهربوا من النفقة! فأصبحت هي أيضاً تخشى الزواج!

ومن هذا ترون أن المشكلة أشد تعقيداً من أن ينفع فيها لوم المرأة، والمرأة وحدها. إنها مشكلة الجوع والحرمان - المادي والمعنوي - مشكلة العصر الحاضر كله، والذين وضعوا أسسه ونظمه هم الرجال لا النساء. . فما ذنب المرأة؟!

الشاب يجب أن يتزوج فتاة مثقفة محتشمة، والفتاة تريد أن تتزوج رجلا يرعاها ولا يظلمها، ولكنهم جميعاً يخشون المستقبل، ولا ضمان لهم، فلا التعليم مباح لأبناء الفقراء، ولا العلاج ميسر للمرضى، ولا العمل مكفول للعاطلين والعاطلات!

فليس التعليم إذن ولا السفور مسئولين عن هذه التبعة الثقيلة، ولو كانت الفتاة جاهلة ومحجبة وحُرمت الزواج، لما كانت الحال أحسن، بل تكون أسوأ، لأن الجاهلة لا تجد ما يشغلها، وكل ممنوع محبوب ومطلوب!

صحيح أنه يوجد في التعليم والاختلاط أخطاء وضحايا، ولكن العلاج ممكن ببعض التنظيم والتهذيب، فالفضيلة اسهل من الرذيلة التي لا يلجأ إليها الإنسان إلا مضطراً لسوء الظروف أو سوء التربية إن الزمن يتطور، والنظريات تتغير، وإن التيار جارف شديد لا يمكن اعتراضه، ولكن يمكن توجيهه إلى الخير، إذا صلحت النيات وقويت العزائم والمشكلة الرئيسية مشكلة اقتصادية - كما أوضحنا - فإذا أراد أولياء أمورنا حلها، فعليهم أن يوفروا للرجال والنساء حاجتهم من العيش والزواج بكرامة واطمئنان، ليوفروا التعليم للفقراء، والعلاج للمرضى، والعمل للعاطلين، ليكفوا الناس شرور الفقر والجهل والمرض!

وبغير هذا (فصاحب الحاجة أرعن)، ولا فائدة من اللوم ولا من الكلام!

فؤاد السيد خليل