مجلة الرسالة/العدد 7/الزهرية العاطلة.

مجلة الرسالة/العدد 7/الزهرية العاطلة.

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 04 - 1933



للأستاذ راشد رستم.

لا أجد هنا من يضع لي الزهر في غرفتي، وأنا الذي أحب الزهر

قريباً مني، أضمه إلى صدري حنيناً، وأشمه لتسمو به روحي بعيداً،

أحب العطر منه، وأحب العطف عليه.

ليس غيري إذن يضع الزهر لي في غرفتي، بل أختاره بنفسي وأرعاه وحدي.

واليوم اشتريت من الزهّارة الفتية الناضرة، باقة من ذلك الزهر الذي تحبه. . . . . (روحي).

لم تدر فتاة الزهر الجميلة لماذا سألتها السماح لي اليوم أن أنتقي بيدي أنا تلك الزهرات الحبيبة التي سأجعل منها وحدها دون غيرها، حديقتي في هذا اليوم.

سكتت فتاتي الحسناء راضية، وتَنحَّت هادئة، ونظرت إليَّ في سرور وابتسام وعجب!. ولِمَ تعجب؟ ومن عاشر الزهر لا يغضب.

لم ترني الفتاة قبل اليوم ألمس أزهارها بيدي، إنما أشير إليها بالطرف وهو كليل فتفهم مني قصدي، وتجمع لي زهراتي المختارة، تنتقيها من بين أخواتها برشاقة في حنو وعطف.

تبتسم الفتاة بسمات اللطف والرقة، وكأني بها تعلم سري عن الزهرات وهي تجمعها فتحدثها بها جهراً تقول: ما أحلاك أيتها الوردة الحمراء، المملوءة عطراً وعطفاً وشوقاً وحرارة!. . وأنت أيتها الزهرة الفاتنة مثال الرشاقة والخفة والحلاوة! وأنت يا حبيبة الفؤاد! تعالي تعالي يا زهرة الحب والإخلاص والحنان! أما أنت فيا للفتوة ويا للحياة!. وما أسعد الفتى بالفتاة؟ وأنت يا ربة الدلال والكمال. تقدمي! تقدمي! خذي مكانك هنا بين زميلاتك الرشيقات!.

هكذا كانت الزهرة تناجي وتنادي وتداعب هذه الزهرات النواعم، وهي تجمعها من هنا وهناك وتنسقها ثم تلفها في حرزها لتحميها، ثم تلتفت في رقة الفاتنات المائلات وتقول: تفضل يا حبيب الزهر فخذ زهراتك المحبوبات، وبودي لو أطلعت عليك معها، أو لو علمت سرها معك!!. ثم تعود مسرعة إلى زهرها.

نعم أتيت اليوم بذلك الزهر الذي تحبه. . . (روحي)، وهي لا تعلم أنني جئت به! ليس له اليوم شريك من زهرات أُخر.

هذا الزهر الذي تحبه (. . .) أشمه يوماً في كل عام، فيحييني طول العام!

وبعد. . فليس له عندي زهرية تصونه وتماشيه، ولا بد له من زهرية خاصة ترضيه وتحميه وتحييه.

ولكن هل أخشى هذه الزهرية ألا تحمل إليَّ هذا الزهر يوماً ما؟.

أم هل أخشى هذا الزهر ألا يكون في هذه الزهرية يوماً ما؟.

أم أخشى يوماً تحمل إلي فيه هذه الزهرية زهراً غيره؟.

نعم. قد يأتي هذا اليوم الذي أخشاه، وقد أرى بعيداً عني هذا الزهر الذي تحبه (. . .) والذي أحب أن أرعاه.

ولكني لا أخشى أن تكون الزهرية يوماً عاطلة!

ألم تحمل لي هذا الزهر يوماً من الأيام؟

وهل هذا اليوم ينسى مع الأيام؟

أني لأرجو أن تبقى الزهرية بعد اليوم عاطلة على الدوام، فهي عاطلة أحب إليّ منها خالية بعد هذا اليوم الذي أخشاه ستظل كنفسي التي تحمل دوماً ذكريات كنَّ في يوم من الأيام. . . . حقيقة موجودة. وواقعة مشهودة. . .

المعادي - راشد رستم