مجلة الرسالة/العدد 714/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 714/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 714
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 10 - 03 - 1947



أصول الأدب الهندي

أشرنا في عدد سابق من (الرسالة) إلى الجهد المشكور الذي يبذله الأستاذ وديع البستاني في البحث عن أصول الفلسفة الهندية وآداب الهنود، وأشدنا بهمته في نقل تلك الآثار الخالدة إلى اللغة العربية بعد أن وفر جهده على دراستها أربعين عاماً أو تزيد.

وقد جاء في الأنباء البرقية أن الأستاذ وديع أتم فعلا نقل الملاحم الهندية القديمة إلى اللغة العربية، وهي (الرامايانا) و (المهابهاراتا) و (النالادماينتي) و (الشاكونتالا)، كما أنه ألف كتابا خامساً عن الأساطير الهندية القديمة. . .

و (الرامايانا) و (المهابهارتا) ملحمتان الإلياذة، والأوديسة، فموضوعها تصرفات الآلهة وقصص الأبطال، وتعتبر (الرامايانا) أهم من (المهابهارتا)، كالإلياذة بالنسبة الأدويسة أما (النالادامايانتي)، فإنها إحدى القصص الخمس التي تتألف منها (المهابهارتا)، وأما (الشاكونتالا) فإنها قصة عنيفة من النوع الدرامي. ولكنها تعتبر حديثة بالنسبة لسابقاتها، إذ وضعها الشاعر (كالنياسا) في أواخر القرن الثالث للميلاد.

ويقول الباحثون في الأدب المقارن إن (الرامايانا) تشبه الإلياذة إلى حد كبير، بل إنها تشبهها تمام المشابهة، فإن الهنود ينسبون وضعها إلى شاعر قديم يدعى (فالميكي) ولكن حياة هذا الشاعر غير محققة، وإن البحث الحديث ليشك في وجوده كما يشك في وجود هوميروس، وإذا كانت الإلياذة قد صورت آلهة اليونان مجتمعة بقمة الأولمب، فأن الرامايانا كذلك صورت معبودات الهنود مجتمعة في قمة جبل ميرو، وتنسب الإلياذة إلى المعبودات اليونانية أنها كانت تتغذى بماء الخلود، وكذلك تنسب الرامايانا إلى المعبودات الهندية أنها كانت تشرب ماء العنبرية أي ماء الحق الذي يضمن لهم الحياة الباقية، وفي الإلياذة يقف (جوبيتر) أبو المعبودات اليونانية وفي يده الصاعقة ليرسلها على المغضوب عليهم من الضالين، وكذلك في الرامايانا يقف (أندرا) شيخ معبودات الهنود وفي يده هذه الصاعقة، ولكن الهنود يصورون معبودهم الكبير في وضع مهيب إذ يمثلونه بثوب أزرق مرصع بعيون كثيرة متكئاً على قوس قزح ومن حوله الحور العين، وكأنهم بهذه الصورة يرمزون إلى السماء.

وكذلك نجد على وجه العموم مشابهة كثيرة بين الملاحم الهندية والملاحم اليونانية في تصوير الآله والأبطال، (ففينوس) الجميلة المعبودة عند اليونان تقابلها المعبودة (لكمى) عند الهنود ومن الغريب أن كلتيهما قد خلقت من زبد البحر، و (أبولون) إله الوحي والشعر والفنون يقابله (كريشنا) و (إيروس) إله الحب يقابله (كاما) وهكذا نجد لكل إله أو بطل مقابلا في مثل وضعه ووصفه.

وقد يؤدي هذا إلى الاعتقاد بوجود صلة بين الأدبيين، والواقع أن الباحثين في الأدب المقارن لم يستطيعوا أن يصلوا إلى نتيجة حاسمة في هذا الشأن لأن الملاحم الهندية وضعت في القرن التاسع قبل الميلاد، وهو الزمن الذي وضعت فيه الملاحم اليونانية فلم تعرف أسبقية لأيهما بعد، كما لم تكشف صلة في ذلك الزمن بين الهنود واليونان، ولا شك أن عناية الأستاذ وديع البستاني بنقل تلك الملاحم الهندية إلى اللغة العربية سيعين على كشف هذه الحقيقة؛ ولا شك أنه بهذا الجهد الجبار يؤدي خدمة جليلة للآداب العربية، بل للآداب العالمية، وإنها لخدمة تزيد في التقدير والاعتبار عن تلك الخدمة السابقة التي نهض بها عمه الشيخ سليمان البستاني بترجمة الإلياذة إلى العربية، لأن الإلياذة كانت قد نقلت إلى كثير من اللغات الحية في العصر الحديث. أما الملاحم الهندية فأنها لا تزال بلغتها الهندية القديمة.

على أننا في هذا المقام نذكر باحثاً فاضلا بكل خير وهو المغفور له صالح جودت بك، فقد نقل إلى العربية عام 1912 قصة من تلك الملاحم الهندية وقدم لها بمقدمة أشاد فيها بالآداب الهندية القديمة وأشار إلى ما فيها من مظاهر لا تقل عما هو ملحوظ في آداب اليونان.

انحطاط المجلات المصرية:

بهذا العنوان كتبت مجلة (عالم الغد) العراقية كلمة قالت فيها: (يغمر العراق سيل لا ينقطع من المجلات المصرية الأسبوعية المصورة الرخيصة، وهي ملأى بالميوعة والخلاعة والعامية وسوء الأدب وليس فيها إلا الأدب الرخيص الذي يتنافى وعاداتنا وتقاليدنا ويتنافى ونهضتنا التي يجب أن تقوم على أسس ثقافية متينة وتستند إلى دعائم خلقية قويمة، ولو كانت هذه المجلات تباع بالمئات لغضضنا الطرف عنها ولكنها تباع بالآلاف وتتسلل إلى كل بيت ويقرؤها كل شاب وتتصفحها كل فتاة فلا نستطيع إذن أن نتجاهل تأثيرها في أخلاق الناس ومستقبل الثقافة).

(ولقد ارتفعت الشكوى من هذه المجلات في مصر والعراق لأنها أخذت تتسابق في دعارتها. . . وتتفنن في إثارة شهوات المراهقين بما تعرضه من صور خليعة نابية، وما تنشر من أقاصيص مكشوفة بعيدة عن كل ذوق سليم، ونحن لا نعترض على نشر الصور الفنية، وإنما نعارض في نشر الصور الخليعة التي لا ترمي إلى غاية ثقافية وخلقية، فعلى مديرية الدعاية العامة واجب عظيم وهو مراقبة هذه المجلات مراقبة دقيقة والحيلولة دون تسربها إلى أسواق العراق محافظة على الثقافة الصحيحة والآداب العامة).

هذا ما كتبته تلك المجلة الثقافية العراقية، نشرناه بنصه وحروفه، وإن كنا قد حذفنا منه أسماء المجلات التي عينتها وعنتها بالحديث، ونحن ننشر هذا الكلام من غير تعليق، وكل ما نرجو أن نكون بصيرين على أنفسنا قبل أن يبصرنا غيرنا بأمورنا، وماذا يكون موقفنا إذا واجهتنا مديرية الدعاية في العراق بمنع دخول تلك المجلات المصرية إلى العراق بحجة أنها تسيء إلى الأخلاق؟

تاريخ دمشق:

من أنباء دمشق أن مصلحة الآثار هناك اتخذت خطة للعناية بالآثار الإسلامية، ورأت في ذلك أن تذيع نشرات دورية للتعريف بأهم تلك الآثار وأن تقوم بطبع الكتب المخطوطة القيمة التي تؤرخ دمشق وتتحدث عن خططها.

وهذه نهضة طيبة ووجهة حميدة نرجو أن تستمر في طريقها كما نرجو أن تسايرها نهضات مماثلة في مصر والعراق ولبنان وفلسطين وغيرها من الأقطار العربية الإسلامية، فأن كثيراً من مصادر التاريخ الإسلامي وعواصم الإمبراطورية الإسلامية لا تزال مطمورة مجهولة، ولا يزال المؤرخون في العصر الحديث يجدون في معالجة هذه الموضوعات مشقة بالغة.

ومما يذكر بهذه المناسبة أن نهضة مماثلة لهذه النهضة الدمشقية كانت قد قامت في مصر، وكان لدينا طبقة من العلماء الباحثين الذين يعنون بهذه النواحي، ولكن هذه النهضة ركدت بل وقفت فجأة في منتصف الطريق، حتى إن كتاب مسالك الأبصار الذي حقق المغفور له أحمد زكي باشا الجزء الأول منه وأخرجه منذ ثلاثين عاماً لم يطبع منه أي جزء آخر للآن، بل لقد أهمل أمر هذا السفر العظيم وأصبح في خبر كان.

ولعل عاصمة من العواصم الإسلامية القديمة لم تجد من عناية المؤرخين بتاريخها وخططها وتطوراتها مثل ما وجدت القاهرة، ولكن مما يدعو إلى الأسف أن لا نجد بين أيدينا من ذلك إلا خطط المقريزي في القديم وخطط علي باشا مبارك في الحديث، على حين أن هناك عشرات الكتب المماثلة لا تزال مطمورة مجهولة فهل يمكن أن تتعاون دار الكتب المصرية ودار الآثار العربية على إخراج هذه الآثار؟

آثارنا:

ومن أنباء دمشق أيضاً أن رئيس البعثة الفرنسية التي كانت تقوم بأعمال الحفر والتنقيب في منطقة رأس شمر باللاذقية قد نقل جميع ما عثر من اللوحات الأثرية القيمة إلى فرنسا ولم يسلم للحكومة السورية منها شيئاً مع أن هذا يخالف نص الاتفاق الذي عقد بين الحكومة السورية والبعثة الفرنسية والذي يقضي باقتسام ما يعثر عليه من الآثار مناصفة بين الفريقين، وقد كتب محافظ اللاذقية إلى حكومته يقول أن رئيس البعثة الفرنسية يأبى أن يسلم شيئاً من الآثار التي عثر عليها بحجة أنه نقلها إلى فرنسا ليقوم بدراستها وفك رموزها، ثم يهيب بالحكومة أن تقاضيه نصيبها من هذه الآثار.

وهذه القصة في الواقع هي قصة جميع الآثار لأقطار الشرق، تلك الآثار الغالية التي سرقت تحت أبصارنا وأسماعنا وغمرت بها المتاحف الأوربية، على حين خلت منها متاحفنا ومكتباتنا وأصبحنا لا نستطيع تصحيح تاريخنا إلا إذا شددنا إليها الرحال أو تفضل مستشرق فقدم إلينا من دلائلها ما يريد هو لا ما نريد نحن.

(الجاحظ)