مجلة الرسالة/العدد 714/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة/العدد 714/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 10 - 03 - 1947



ترجمة الآداب الثقافية العالمية:

أذيعت أخيراً أهم القرارات التي أقرتها الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في القسم الثاني من دورتها التي عقدت بنيويورك من 23 أكتوبر إلى 15 ديسمبر عام 1946 ومن بينها قراران خاصان بالناحية الثقافية أقترحهما الوفد اللبناني ووافقت عليهما الجمعية بالإجماع وهما:

أولا: تعتبر الجمعية العامة أن ترجمة الآداب الثقافية العالمية إلى لغات أعضاء الأمم المتحدة من شأنه أن يساعد على التفاهم وانتشار السلام بين الأمم إذ يخلق ثقافة مشتركة لجميع الشعوب.

لذلك فهي تحليل هذا الموضوع إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي ليحيله بدوره إلى المنطقة التهذيبية والاجتماعية والثقافية للأمم المتحدة لاتخاذ عمل ملائم، وتوصي المجلس والمنطقة أن يأخذا بعين الاعتبار المبادئ التالية في درس هذا الموضوع:

(ا) أن ترجمة هذه الآداب الثقافية العالمية هي مشروع ذو طابع عالمي له أهميه كبرى من ناحية التعاون والتفاهم الدولي حول المسائل الثقافية.

(ب) أن بعض الأمم ليس لديها التسهيلات الكافية ولا المعدات اللازمة لترجمة هذه الآداب العالمية إلى لغاتهم.

(ج) تعتبر هذه الترجمة من الحوافز التي تساعد على انتشار الثقافة بين الناس.

(د) أن معنى الآداب الثقافية لا ينحصر بالإشارة إلى أدب معين دون سواه بل يتناول جميع آداب الأمم وثقافتهم خصوصاً ما كان منها - بشهادة أكبر الثقاة - ذات قيمة باقية على الدهر

ثانياً: تعتبر الجمعية العامة أن أعضاء الأمم المتحدة ليسوا على مستوى من التطور الثقافي وإن بعض الأعضاء قد يحتاج إلى مشورة الخبراء الفنيين في مختلف نواحي الاقتصاد والاجتماع والثقافة، وإنها مدركة عظم المسؤولية الملقاة على عاتق الأمم المتحدة في تقديم هذه المشورة الفنية لهم بحكم نصوص ميثاقها نظراً لأهميتها في دعم السلم والرفاهية في العلم.

لذلك فهي تقرر إحالة هذا الموضوع إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالتعاون مع المؤسسات المختصة لإيجاد الوسائل الفعالة التي من شانها تأمين تقديم آراء الخبراء الفنيين في مختلف نواحي الاقتصاد والاجتماع والثقافة للدول الراغبة في الحصول على مثل هذه الآراء.

هذان هما القراران اللذان أقرتهما الجمعية العامة لهيئة الأمم بالإجماع، ونحن نسجلهما للتاريخ، ولعليا نراهم عن قريب عملا نافذاً، ولعل اتجاهات السياسة المغرضة لا تجعلهما حبراً على ورق، ولا تطويهما في مطاوي النسيان. . .

دولة المماليك البحرية:

أجمع المؤرخون على أن السلطان الصالح نجم الدين أيوب هو أول من رتب المماليك البحرية وأول من سماهم بذلك الاسم نسبة إلى بحر النيل الذي كان يحيط بثكناتهم بجزيرة الروضة.

غير أن هذا الرأي لا يستند على أساس علمي صحيح، فلقد أثبت أستاذنا الدكتور محمد مصطفى زيادة بالأدلة العلمية القاطعة أن الصالح أيوب لم يكن أول من أوجد تلك الفرقة في مصر ولم يخترع لتسميتها أسم البحرية ولا أدل على ذلك من أن جده السلطان العادل كانت لديه طائفة من الأجناد أسمها البحرية العادلية كما أن الفرقة التي أنشأها الصالح نفسه كانت تعرف باسم البحرية الصالحية ولا معنى لهذه النسبة سوى ما أريد بها من تمييز تلك الطائفة عن الطوائف البحرية الأخرى المنسوبة لمن سبق الصالح أيوب أو من جاء بعده من السلاطين كالبحرية الظاهرية المنسوبة للسلطان الظاهر بيبرس البندقداري.

ويمكنني أن أرغم أستاذي القيمة بأدلة أخرى تتلخص في أن لفظ (البحرية) كان مستعملا في العهد الفاطمي في مصر حيث أطلق على طائفة من طوائف الجند، فيروي أبو المحاسن واصفاً ركاب الوزير في الموكب الخلافي الفاطمي (. . . ثم يأتي حامل الدرق والرمح. . . ثم الأكراد والغز المصطنعة وهم البحرية.

ولم تكن فرق البحرية موجودة قبل عهد الصالح أيوب في مصر فقط، بل كان يوجد في أوربا أيضاً فرق حربية جاءت إلى الأراضي الإسلامية وحاربت المسلمين في الشام وأطلق عليها المؤرخون العرب المعاصرون أسم (الفرنج البحرية) أو (الفرنج الغرب البحرية) فيروي أبو شامة في مخطوطة (النيل على الروضتين) لوحة 8، 9، ح1 (ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وفيها فتح الملك العادل يافا. . . . ومن عجيب ما بلغني أنه كان في قلعتها أربعون فارساً من الفرنج الغرب البحرية فلما تحققوا نقب القلعة وأخذها دخلوا كنيستها وأغلقوا عليهم بابها وتجالدوا بسيوفهم بعضهم لبعض إلى أن هلكوا جميعاً وكسر المسلمون الباب يرون أن الفرنج ممتنعين (صحتها ممتنعون) فألفوهم قتلى عن آخرهم فتعجبوا عن حالهم).

ويروي أبو شامة في موضع آخر (ح1 لوحة 55) (وفي سنة 601هـ تغلبت طائفة من الفرنج البحرية يعرفون بالبنادق على قسطنطينية وأخرجوا الروم منها). وفي موضع ثالث ح2 لوحة 167 يذكر أبو شامة (في سنة 624هـ قدم رسول الأنبرور ملك الفرنج البحرية على المعظم بعد اجتماعه بالكامل يطلب منه البلاد التي كان فتحها عمه صلاح الدين فأغلط له القول وقال قل لصاحبك ما أنا مثل العزيز ما له عندي إلا السيف).

ويروي ابن واصل في مخطوطة (مفرج الكروب) ح1 لوحة 150 (سنة 599هـ خرج من الاسبتار من حصن الأكراد والمرقب ومن وصل من الغرب وأغاروا على بلد بعرين وعدتهم خمسمائة فارس. . . . . فبلغ الملك المنصور (صاحب حماة) ذلك فخرج إليهم والتقاهم فكسرهم كسرة عظيمة وقتل منهم مقتلة كبيرة وكان من جملة القتلى. . . . . وقومص من البحرية وانهزم الباقون لا يلوون على أحد).

فلفظ بحرية إذن لم يكن جديداً على مصر حينما أنشأ الملك الصالح أيوب فرقته البحرية بل كان لفظاً عاماً أطلق على المسلمين والمسيحيين على السواء.

تبقى أمامنا المشكلة الأخيرة وهي لماذا سميت هذه الفرقة بالبحرية؟

للإجابة على هذا السؤال يجب أن نشير أولا إلى خطأ الفكرة الشائعة بأن لفظ بحرية يرجع إلى بحر النيل الذي كان يحيط بثكنات فرقة البحرية الصالحية بجزيرة الروضة، فهذه النسبة لم يذكرها المؤرخون المعاصرون بتاتاً أمثال ابن واصل وأبي شامة، هذا فضلا عن أن وجود هذا الاسم منذ العهد الفاطمي في مصر ينفي هذا الزعم نفياً باتاً.

وأغلب الظن أنهم سموا بحرية لأنهم جاءوا من وراء البحار فيروي الجنرال جوانفيل أحد قواد حملة الملك لويس التاسع على مصر (1249 - 1250م) في كتابه (تاريخ حياة سان لوي) العبارة التالية يعرف بها البحرية الصالحية:

أي أنهم كانوا يسمون بحرية أو رجال ما وراء البحر ,

والجنرال جرانفيل الذي ندين له بالكثير في تفاصيل هذه الحملة في كتابه المذكور، قد حارب المماليك البحرية الصالحية وأسر عندهم وتحدث إليهم، فروايته لها قيمتها بصفته رجلا معاصراً وشاهداً عياناً. وإذا علمنا أن المماليك البحرية زمن الأيوبيين والمماليك كانوا عبارة عن فئة من الغرباء والأجانب الذين جلبوا من أسواق النخاسة بالقوقاز وآسيا الصغرى وشواطئ البحر الأسود تأيدت لدينا عبارة جوانفيل السالفة الذكر.

من كل ما تقدم نرى أن لفظ بحرية في العصور الوسطى كان لفظاً عاماً أطلقه المسلمون والمسيحيون على الرجال الآتين من وراء البحار.

أحمد مختار العبادي

أمين مكتبة كلية العلوم بجامعة فاروق الأول

نجم يهوي.

في موجة من موجات الجنون قذف نجم بنفسه من سمائه العالية وهوى إلى أعماق البحر المظلمة. . .

حملقت ملايين النجوم فزعة مروعة وهي تشاهد هالة من الضوء تغيب في هذا الفضاء المطلق في لحظات معدودات. . .

لقد اندفع النجم إلى أعماق المحيط ذات القاع الصخري وانتثر هناك مع نجوم لاقت مصيره من قبل وابتلع البحر نورها مثله.

ماذا كان سبب مأساة هذا النجم الهادي. . .

أنا وحدي أعرف الجواب.

أنا وحدي أعرف ماذا كان يبليه ويعنيه أثناء إشراقه ولمعانه.

إنه دفع ثمن لمعانه المستمر وكفر عن تلألئه الدائم. . . مثله كمثل قطعة من الفحم الحي تضحك وتبين عن ثناياها لتخفي ظلمتها وسوادها، وكلما زاد تلألؤها ازداد احتراقها وهكذا ضحك النجم وتوهج نوراً، وحينما لم يستطع أن يتحمل آلام الاحتراق هوى من سمائه.

من مملكة الضوء إلى ظلمات الأمواه.

ملايين من النجوم أبصرت النجم الساقط وضحكت في سخرية قائلة.

(إننا لم نسخر شيئاً. فلا نزال السماء منيرة كما كانت من قبل).

إبراهيم أبو الفتوح يوسف

المدرس بدار المعلمين ببغداد