مجلة الرسالة/العدد 720/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 720/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 04 - 1947



تهجم لا داعي له:

نشرت مجلة الرسالة في عددها 719 نقداً للسادهانا التي قمت بترجمتها عن الشاعر الروحي تاجور، لمترجم آخر قام بذلك، هو الأستاذ طاهر الجبلاوي.

وأنا أوفق الأستاذ على أن السادهانا من أمهات الكتب العالمية، وأنها يجب أن توضع في ميزان النقد، ولكن الذي قام به الأستاذ لم يكن نقداً، بل تهجم محنق مغيظ. لقد عدد الأخطاء التي في ترجمتي فبلغت سبعة كاملة!! وذلك لا يبيح له أن يرفع عقيرته طالباً الضرب على أيدي العابثين كما يقول؛ فما بالك وهو مخطئ في تخطئته؟ إن موقفه هذا ليس موقف الناقد الممسك لسكان سفينة الأدب؛ بل موقف مدعي الاتهام الذي لا يملك شيئاً من الأدلة، فيضرب بكلامه ذات اليمين وذات اليسار.

1 - ترجم الأستاذ كلمة بتحقيق الحياة، وفسرها بقوله جعل الحياة حقيقية، وليست الحياة باطلة حتى يجعلها الكتاب حقيقة، وليس من معاني التحقيق في اللغة العربية جعل الشيء حقيقة، بل إن تحقيق الأمر إثباته، والتحقيق في الأمر فحصه، وكلاهما غير مقصود هنا؛ ولكن المقصود هو إدراك حقيقة الحياة. واستتبع خطأه هذا خطأ آخر في ترجمة بتحقيق الحياة في العمل مع أن المعنى المراد هو إدراك كنه الحياة في العمل، أو الإدراك في العمل كما ترجمتها موجزة غير مخلة للمعنى، ولا هادمة للأسلوب العربي الصحيح

2 - خطأ الأستاذ ترجمتي للجملة بمعرفة الروح، وترجمها بالوعي الروحي، وفي تخطئته خطأ مركب فالوعي في اللغة العربية الحفظ والانتباه وليس هذا هو المقصود؛ وقد جاء هذا التعبير في الفصل الأول عن العارف بالله، ولا أظن الأستاذ يستبدل بها (الواعي لله) إذن لكانت خطأ مضحكا، ونسبة الوعي للروح بدل على أنها التي تعي وتنتبه، وذلك خطأ؛ لأن المراد هنا من هذا الفصل أن يعرف الإنسان روحه، كما ورد في ص 30 (اعرف أنك واحد، أنك روح فذلك هو السبيل الذي يقودك إلى الموجود الأبدي) أما الكلمة في اللغة الإنجليزية فتستعمل للمعنيين؛ الانتباه الظاهري، والمعرفة الباطنية، كما ورد في دائرة المعارف البريطانية؛ ولكن ما بعدها هو الذي يحدد معناها، فترجمتي تنفي هذه الأخطاء المتراكبة.

3 - خطأ الأستاذ ترجمتي لكلمة بعامل الكون، وصححها بكلمة بارئ الكون التي تقابلها في الإنجليزية وقد ورد قبل هذه الكلمة في الكتاب بأسطر قليلة: (من طبيعة المعرفة والقوة والعمل) وورد أيضاً (دعنا ننزع من أفكارنا الوهم الضعيف الذي يجعل من فرحك شيئاً منفصلا عن عملك) فلا معنى الكلمة الصحيح، ولا سياق الكلام يثبت صواب الأستاذ وخطئي ولكنه يثبت الضد.

4 - انساق الأستاذ مع التجني فحرف جملة موجودة في الكتاب؛ ثم خطأ التحريف الذي حرفه بنفسه، وهذه الجملة كما وردت في كتابي ص 30: أولئك الذين صفت أفكارهم - لا غير - هم الذين ينالون الفرح الدائم. وقد حرفها إلى قوله: الذين ضعفت أفكارهم لا غيرهم الذين ينالون الفرح؛ ولست أدري أهذا من ضعف البصر عند الأستاذ أم من ضعف البصيرة

وهناك كلمتان خطأهما وأثبت صوابهما، بينما تصح فيهما الترجمتان، ولكن سياق الكلام يحتم ترجمتي:

1 - كلمة يصح فيها معنى دورها أو معنى جزئيتها التي انصرفت إليها؛ ولكن الأستاذ لو قرأ قبل ذلك بسطور: (إن الحقيقة الصادقة أننا لا نستطيع أن نحيا إذا قسمناه - الذي هو حق - إلى جزأين، يجب أن نثوي فيه ظاهراً كما نثوي فيه باطناً) لما أسرع بإثبات الخطأ لي، ولأثبته لنفسه.

2 - كلمة يصح فيها معنى رواية الحياة والموت على أسلوب منحرف في اللغة الإنجليزية، كما يصح فيها معنى لعب الحياة والموت على أسلوب صحيح، وفي الصفحة التي قبلها ما يحتم الترجمة الثانية وينفى الأولى. إذ يقول: إن إرادته هي التي وضعت الحدود لذاته كلاعب الشطرنج يحد إرادته في لعبه بالقطع. . . والقانون الذي جعل الأرض والماء هوفان ينفصل به اللاعب عن لعبه ففي ذلك يوجد فرح اللاعب، فسياق الكلام، والأسلوب الصحيح يخطئ الأستاذ ويقف معي

بقيت لي نصيحة أنصح بها الأستاذ؛ ويه أن التهجم في النقد قبيح ولو كان على صواب، فما بالك إذا كان ممن يخطئ الصواب البين، ليأتي بدله بالخطأ الواضح، وما بالك إذا كان من رجل غير متثبت من كلامه، يهجم والأرض مزعزعة تحت أقدامه؟ (أسيوط)

محمد محمد علي

مضحكات مبكيات:

جاء في عدد الرسالة الغراء رقم 718 تحت عنوان مضحكات مبكيات بقلم السيد صلاح الدين المنجد ما نصه:

(لقد صادفت اليوم في طريقي طالباً في الجامعة (يعني الجامعة السورية) فحدثني حديثاً أهمني. حدثني أن أستاذه قرأ عليه نصاً فيه: (ليس ثوب الحِداد) فقرأها (الحدَّاد) فلما قال له الطالب: إنها الحِداد يا أستاذ! انتهزه وأصر على أنها الحدَّاد. ثم ساق الأستاذ على ذلك دليلا تمسك به فقال هكذا أخذناها عن المستشرق فلان. . . أتعلمون من هو هذا المستشرق؟ إنه أوسع أهل الاستشراق علماً، وأذكاهم فهماً، وأفصحهم لساناً، وقوله لا يرد لأنه ثقة، ضابط، محرر).

ومن المؤلم أن ينشر السيد المنجد هذا الخبر قبل أن بتحقق من صحته. وحقيقة الأمر أن الأستاذ الجليل عز الدين التنوخي عضو المجمع العلمي العربي بدمشق، ومفتش اللغة العربية في وزارة المعارف في الجمهورية السورية، وأستاذ النحو والصرف في فرع اللغة العربية من كلية الآداب في الجامعة السورية، أراد في أحد دروسه أن يرمي كعادته على طلابه نكتة ليخفف عنهم قليلا من عناء الدرس فقال ما معناه:

مهما تعمق المستشرقون في دراسة لغتنا العربية، ومهما توسعوا في الاطلاع عليها فلا يستطيعون أن يتفهموا معانيها كما يتفهمها أبناؤها. ومما يروي عن أحدهم وهو من كبارهم أنه بينما كان يقرأ نصاً عربياً على طلابه قرأ (لبس ثوب الحدَّاد) بدل لفظة (الحِدَاد) ولما راجعه أحد طلابه قائلا: (إنها الحِدَاد وليست الحدَّاد يا أستاذ) أصر الأستاذ المستشرق على لفظة الحدَّاد مفسراً ذلك بقوله بما أن ثوب الحدَّاد أسود مما يصببه من هباب الفحم الأسود فإنه يقال لمن يحزن أنه لبس ثوب الحدَّاد كناية عن الحزن!

هكذا روى أستاذنا الجليل التنوخي النكتة، وعلق عليها بما قدمت. فالقضية إذن لا تتصل بأستاذ جاء من أوروبا ولكنها تتصل بأستاذ لم يذهب للدراسة في أوربا أبداً.

أما الدكتور أمجد الطرابلسي الذي درس في أوربا ويدرس لطلاب فرع اللغة العربية تاريخ الأدب، والنصوص الأدبية، فلا يحتاج إلى تعريف.

وأما بقية ما جاء في كلمته فليس له اطلاع على حقيقته لأنه لا يمت إلينا بصلة ولكني أحب للسيد المنجد ألا يتسرع في نشر أخباره قبل أن يتحقق منها تماماً والسلام.

عمر توفيق سفر أغا