مجلة الرسالة/العدد 723/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 723/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 05 - 1947



الله

تأليف الأستاذ عباس محمود العقاد

بقلم الأستاذ محمود الخفيف

هذا الكتاب جليل القدر من ناحيتين: ناحية موضوعه وناحية كتابه. . .

ولست أجد في وصفه خيرا من أن أقول إنه كتاب عظيم، والحق إن هذا الكتاب لو صدر في أي لغة لكان بين كتبها من أعلام الكتب والآثار من اهتمام المفكرين والقراء ما هو خليق بأشباه من الكتب الفذة، وإنه ليسرني في هذا المجال الضيق أن أتحدث حديثا موجزا عن هذا الكتاب هو اقرب إلى التحية منه إلى النقد.

يحق لكتاب العربية من زمن طويل أن يستبشروا بكل ما يكتب العقاد، فقد اتفق له من الخواص ما يجعله بغير ريب من مفاخر جيلنا هذا، بل ومن مفاخر الفكر العربي في تاريخه كله، ومن هذه الخواص أصالة الرأي واتساع أفق الثقافة، وحدة الذكاء وقوة المنطق، هذا إلى لقانة عجيبة يستشف بها الحجب وينفذ بها إلى الأعماق، فإذا أضفت إلى هذا براعة أسلوبه وقدرته على التعبير القوى الموجز الذي لا يزيد ولا ينقص عن المعنى، وذوقه وضلاعته في اختيار اللفظ المطلوب، تمت لك صورة العقاد الكاتب، وانك لتجد هذه الخواص مجتمعة في اكمل صورها في هذا الكتاب الذي أتحدث عنه.

تبقى بعد ذلك صفة هامة من صفات الكتاب، وهي الإحاطة المدهشة بنواحي الموضوع على دقته وعلى الرغم من تشعب مذاهب القول فيه. والواقع إن كل فصل من فصول هذا الكتاب يصلح موضوعا لكتاب، وانك لتخرج مع هذا من كل فصل بما تخرج به من كتاب كامل. فالأستاذ المؤلف يعرض ما دار من الآراء حول ما يطرق من الموضوعات، ولا يكتفي بالعرض بل يأتي بكل ما يرد به على هانيك الآراء، وهنا تبرز قوة منطقه وسعة أفقه وتمكنه مما يقول، ولا يسعك إلا الإعجاب العظيم كما انك تستشعر اللذة التي يبعثها اتساق الفكر وحسن السياق. . .، وتجد ذلك جليا في فصول الكتاب جميعا وبخاصة أصل العقيدة وفي براهين وجود الله.

خصصت لقراءة هذا الكتاب زمنا ما، فما فرغت منه حتى عدت إلى قراءته، ثم عاودت النظر اكثر من مرة في بعض فصوله مثل ذلك الفصل الجميل الوعي الكوني الذي تتمثل فيه أصالة العقاد، ومثل البراهين القرآنية التي ترينا كيف يغوص العقاد فيخرج بما يطلب من المكنونات والخفايا. . .

ولقد قرأت في الإنجليزية كثيرا من الكتب التي تناولت مثل هذا البحث، واشهد في غير مجانية للحق إني ما ظفرت في أحدها بمثل ما ظفرت به في هذا الكتاب من الإلمام والاستيعاب، وإني لأعجب كيف يجتمع هذا كله بين دفتي كتاب لا تزيد صفحاته على ثلاثمائة، ولكنه فن العقاد. . .

وبعد فهذا كتاب ينبغي أن يقرأه المؤمن ليزداد إيمانا مع إيمانه، والحائر ليجد سبيل هدايته، والمتشكك ليطرح شكه، والجاحد ليعلم علم اليقين انه أسرف على نفسه بجحوده، هذا ما تركته في نفسي قراءة هذا السفر الجليل، ولعلي بعد ذلك لم أوف على الغاية مما أحببت أن أقول.

ولا يفوتني أن أشير إلى شيء آخر راقني في الكتاب كله، ذلك هو منطق ترتيب البحث وتأليف الكتاب، فأنت تخرج من فصل إلى فصل كما تنتقل من فكرة إلى فكرة لها أوثق الصلة بها، بحيث لا تستطيع أن تقدم منه فصلا على فصل، يضاف إلى ذلك انه ليس بين هذه الفصول المتساوقة ما يشعرك بأن في هذا الموضع أو ذاك فصلا ناقصا كان يجب أن يكون. . .

بحث الأستاذ في اصل العقيدة الإلهية وتطورها وتكلم عن الوعي الكوني كتمهيد للبحث في ذات الله، وفكرة الوعي الكوني هذه من اجمل وابرع ما صور للعقاد، واستعرض الكاتب بعد ذلك الأديان القديمة في مصر والهند والصين واليابان وفارس وبابل واليونان كلا منها في فصل، ثم عرض الأديان السماوية قبل الفلسفة وبعدها، وألمع إلى التصوف، وانتهى إلى براهين وجود الله العقلية منها والنقلية، وختم كتابه الجليل بكلمة في آراء الفلاسفة المعاصرين وفي العلوم الطبيعية وعلاقتها بالمباحث الإلهية. . .

ومن هذا يدرك القارئ كيف كان بناء الكتاب على هذه الصورة من براعة المنطق.

تحيتي للأستاذ الكبير مشفوعة برجائي أن يزيدنا من ذخائره الطيبة الفذة التي نحن أحوج ما نكون إليها، والتي يحق أن تفخر بها المكتبة العربية.

الخفيف

في فلسطين العربية

(تأليف الأستاذ محمد يونس الحسيني)

تعتبر فلسطين في هذه الأيام مشغلة الأذهان في العالم العربي، لهذا تمتلئ النفوس للهفة إلى معرفة كل شيء عن تلك البقعة المقدسة التي هي مثار ذلك الخلاف العنيف، وليس هذا الكتاب في الواقع إلا تقريرا ضافيا وافيا عن طراز الحياة العربية القائمة في فلسطين، وقد قدم المؤلف الفاضل لشح هذه الحقيقة في كتابه بمقدمات تاريخية مفيدة عن بيت المقدس وعن فتح العرب لفلسطين وما كان لذلك القطر من شأن على عهود الدول الإسلامية المختلفة، ثم انتقل من هذا إلى الحديث المستفيض عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على نهج علمي يعني بالحقائق وإيراد الأرقام وعقد المقارنات، ثم شرح الصلة بين هذه النواحي وبين مستوى المعيشة والحياة التي يحياها أبناء فلسطين العرب في هذه الآونة.

فالمؤلف الفاضل قد سد بكتابه هذا حاجة عند أبناء العروبة وصور لهم ناحية كان من الواجب أن يقفوا عليها ويفهموها لأنها في الواقع الأساس لفهم المشكلة الفلسطينية والعمل على إنقاذ ذلك القطر العربي من براثن الاستعمار والطغيان وإنه لعمل يذكره له وطنه ويشكره له سائر أبناء العروبة.

الحكر في مصر

(تأليف عثمان بك فهمي)

والحكر في مصر ناحية من النواحي التي تشغل الأذهان في الدوائر القضائية والحكومية نظرا لكثرة ما يجد فيها من المشكلات ثم ما يكون في ذلك من اختلاف في الرأي والتقدير، وقد عرض المؤلف الفاضل في كتابه هذا إلى هذه الناحية فتناولها تناول الباحث المحقق والخبير المدقق، إذ عني بالحديث عن عقد الحكر وما يحدث من الخلاف في تطبيقه وأتى في هذا على وجهات النظر الواردة في الفقه وفي القانون وفي العدل، وصحح ما هو شائع في التطبيق من الأخطاء الشائعة والاعتبارات التي تصطدم بالواقع وفارع وزارة الأوقاف ما تدعيه في عقد الحكر منذ خمسين عاما وختم بحثه بالمطالبة بإبعاد القضاء عن نظر مسائل الاحتكار. وإن هذا الكتاب بموضوعه هذا وبما اشتمل عليه من الدقة والعمق في البحث يهم رجال الفقه والقانون والمعنيين بمسائل الاحتكار بصفة عامة بل إنه يعتبر مرجعا وافيا ومصدرا نافعا في الاعتماد عليه.

محمد فهمي عبد اللطيف