مجلة الرسالة/العدد 739/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 739/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 739
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 01 - 09 - 1947



أدب الأعداء:

لقد بلغت قضيتنا الوطنية مرحلة دقيقة خطيرة، وأنا أكتب هذا يوم

الثلاثاء الذي حدد لاستئناف النظر والمناقشة فيها، وقد ظهر من

اتجاهات مندوبي بعض الدول في الجلسات الماضية أن الأمر لا يجري

على مقتضى الحق والعدل، وأن مدَّ الدعاية وأمواج الحجج تتناثر عند

صخور مجلس الأمن التي تمثل الأغراض الاستعمارية وما يتصل بها

من المصالح المشتبكة.

وقد أدركنا أن أكبر جهادنا هو العمل داخل بلادنا، فدعا بعض الزعماء وقادة الرأي إلى عدم التعاون مع أعدائنا ومن يعاونهم، وتوثيق العلاقات مع الذين يناصروننا، وقد شعر الجميع بالارتياح لما فعلته الحكومة إذ منحت بولندا مهلة ستة أشهر بعد الميعاد المحدد لدفع ثمن الأقطان المبيعة لها من مصر. وجاء في بيان لحافظ رمضان باشا بالأهرام إلى أبناء وادي النيل بـ (أريد أيها المواطنون الأعزاء أن نجابه الحقيقة وننظر إلى مصلحتنا دون أي اعتبار آخر وألا نمد أيدينا ولا نتعاون إلا مع الدول التي تناصرنا في قضيتنا أمام مجلس الأمن) وجاء في حديث له بأخبار اليوم: (ونحطم (قوقعة) الخوف التي وضعتنا فيها سياسة بريطانيا فننشئ علاقات وثيقة ثقافية وسياسية بكل الدول التي أعانتنا في مجلس الأمن، فنوفد إليها كتابنا، ونشجع شبابنا الذين يطلبون العلم فيها)

ومن التصرفات الموفقة في هذا الصدد ما صنعه الأستاذ علي الغاياتي إذ رد الوسام البلجيكي الذي كان يحمله إلى وزير بلجيكا المفوض في مصر، على أثر موقف التحيز الذي وقفه الممثل البلجيكي مع أمثاله في مجلس الأمن ضد القضية المصرية.

أريد أن أخلص من هذا كله إلى أمر يدخل في هذا الباب الأدبي، أريد في هذا الظرف الحرج أن نقطع علاقاتنا الأدبية والثقافية بالإنجليز ومن يساعدهم ضدنا في مجلس الأمن وفي غيره وننشئ هذه العلاقات أو ننميها مع الدول التي تناصرنا.

حذار أن نقول ما شأن الثقافة والأدب بالخصومات السياسية والمنازعات الوطنية، فنح الآن في انفعال شديد وثورة عنيفة لحريتنا وكرامتنا ولا نستطيع أن نسمع هذا الكلام، وقد ورد في الأنباء الأخيرة أن صحفاً في لندن وباريس توجه حملة من السباب والشتائم إلى المستشرقين البريطانيين والفرنسيين لمقالات نشرتها لبعضهم بعض الصحف العلمية والأدبية يشيرون فيها بوجوب اتباع سياسة أميل إلى التسامح مع الأمم العربية، ونحن في موقف المدافع عن حريته وكرامته، فأحرى بنا أن نضحي حتى بالفائدة الفكرية التي تتوقع من استمرار اهتمامنا بآداب أعدائنا

أحدد ما أرمي إليه بالا تنشر الصحف والمجلات في هذه الآونة، آونة جهادنا الحاضر، مترجمات ولا دراسات ولا أي شئ آخر من آداب تلك الأمم. وأنا لا أنكر فائدتها وروعة كثير منها. ولكن يجب أن ننظر إلى الحقائق الآتية:

1 - الأدب الحر لا يتفق مع إهدار الحرية والكرامة ولا يجوز أن نرضع أدبنا من أثداء الذين يتعاونون على محاولة قتل حريتنا وكرامتنا، ويجب أن نشعرهم بتقلص قيمتهم الأدبية عندنا نتيجة سوء سياستهم معنا.

2 - البلاد في حاجة إلى أقلام الذين يبذلون أكبر جهودهم في تلك الآداب، ليكتبوا في مسائلها ومشاكلها بعد أن يعودوا إليها بأفكارهم وعواطفهم، وتكون هذه فرصة حسنة للشعور بذاتيتنا، والتأمل في أنفسنا، والعيش في محيطنا وتركيز أدبنا الذاتي وتنميته وتوفيره.

3 - يجب أن يكون العمل الوطني السلبي شاملاً لجميع النواحي، فلا يتخلف فيه الأدب. وفي ذلك تقوية للروح الوطنية وإشراع لشعور العزة والكرامة.

مناهج اللغة العربية:

كانت وزارة المعارف قد ألفت لجنة لدراسة وسائل النهوض باللغة العربية والعمل على توحيدها في مصر والأقطار الشقيقة. وقد انتهت هذه اللجنة من مهمتها ووضعت تقريراً سيكون موضع نظر المؤتمر الثقافي الذي سيعقد بلبنان في اليوم التالي لصدور هذا العدد من الرسالة

وقد بين ذلك التقرير أهداف تعليم اللغة العربية فيما يلي:

(1) أن نجعل الطلاب قادرين على القراءة الصحيحة في سهولة ويسر وأن يفهموا ما اشتملت عليه الكتب من أفكار ومعان

(2) تمكينهم من التعبير عما يجول في نفوسهم ويقع تحت حواسهم بعبارة عربية صحيحة

(3) أن تكون دراسة العربية وسيلة صحيحة للثقافة وتوسيع المدارك وتنمية الذوق السليم وتزويد الطالب من المعلومات القيمة لا أن تكون محض دراسة لألفاظ وتراكيب ومفردات عمادها الزينة والزخرف الشكلي

(4) أن يتصل الطلاب اتصالاً وثيقاً بالحياة الأدبية والعلمية المحيطة بهم وأن يسايروا النهوض الأدبي الحديث

(5) أن تكون الدراسة مثيرة لروح الشوق إلى القراءة والاستزادة من الثقافة والوقوف على ما جاء به الكتاب والمفكرون في العصور المختلفة

ويقول التقرير (إن مناهج قواعد النحو والصرف والبلاغة أكثر مما يحتاج إليه الطلبة ولا تلائم استعدادهم ولا تنهض بلغتهم وإنه لو اكتفى من القواعد بما هم في أشد الحاجة إليه مع كثرة المران عليه كان أولى)

والواقع أن أصل الداء في المناهج، فمنهج الأدب الحالي - مثلاً - غير صالح، فالطالب في السنة الأولى الثانوية يبدأ دراسة الأدب ببحث طويل في معنى الأدب والأسلوب الرديء وغير الرديء، وهو يحفظ من ذلك ما يلقنه المعلمون من العبارات التي لا يفهم معناها مهما بذل المعلم من الشرح والإيضاح، وفي السنة الثانية يدرس العصر العباسي الثاني، فيقال له إن النهضة العلمية التي كانت في صدر الدولة نضجت في العصر الثاني وأثرت في الأدب، وهو لا يعلم شيئاً عن هذه النهضة لأنه سيدرسها في السنة الثالثة! ويقال له إن الكتاب استعملوا الجناس والطباق وغيرهما من المحسنات البديعية التي سيدرسها في السنة الرابعة! ويشغلون الطالب بالمعلومات التاريخية الكثيرة عن الأدب نفسه، فيحفظ النصوص كما يحفظ شرحها دون فهم حتى للشرح، ليدون ما حفظ في ورقة الامتحان. . وترى أسئلة الامتحان فيهولك منها سؤال في النقد أو الموازنة تراه أعلى من مستوى الطالب العقلي. . مع أن الأمر أهون مما تظن، فالطالب يحفظ الإجابة عن ظهر قلب!

وهذه أمثلة يسيرة نسوقها إلى المؤتمر الثقافي وهو يتهيأ للانعقاد، لننبه إلى أن (القدر المشترك) في التعليم بجميع المدارس العربية، ليس وحده الجدير بالبحث، بل يجب الاهتمام أيضاً بنوع القدر ومقدار نفعه وصلاحيته. ويجب أن توضع المناهج المصرية خاصة موضع التفنيد، لأن أكثر الشقيقات تتجه إليها وتأخذ بها، ونخشى أن يتكون (القدر المشترك) من معظمها.

المساهر:

قرأت في كتاب (أبو الهول يطير) الذي أخرجه أخيراً الأستاذ محمود بك تيمور ما يلي:

(تضم مدينة نيويورك وحدها سبعمائة مبنى بين مسرح للتمثيل ودار للسينما إلى جانبها ثلاثمائة وألف من أندية الليل تلك التي يسمونها بالفرنسية (الكباريهات) ولعلنا لا نخطئ إذا سميناها المساهر)

وكلمة (المساهر) هذه عذبة خفيفة وتنطبق حقاً على هذه الأندية الليلية (الكباريهات) التي يسهر فيها الناس ليستمتعوا بمختلف ألوان اللهو والمرح من رقص وغناء وموسيقى وغيرها وسيجري المسهر على اللسان كما جرى المسرح والمرقص

وقد ذكرني ذلك بما كان قد كتبه الزميل (الجاحظ) في تعقيباته بصدد وضع الألفاظ للأشياء والمعاني المستحدثة، إذ قال على ما أذكر إن الأمر في وضع الألفاظ ليس مجرد العثور عليها بل هو الاهتداء إلى الكلمات التي تصلح للاستعمال وتشق طريقها في الحياة بأقلام الكتاب والشعراء. والحق ما قال.

حول السجل الثقافي:

كتب إلى أديب ظريف بتوقيع (البسام) يقول:

(قرأت ما كتبته عن السجل الثقافي فأكبرت هذا العمل الجليل الذي شرعت وزارة المعارف تقوم به، وهو إصدار سجل سنوي يصف مظاهر النشاط الثقافي خلال عام ويبين اتجاهات هذا النشاط ومراميه. ولاشك أن هذا السجل سيكون له من الأثر والشأن ما ذكرت، ولكني وقفت عند نقطتين في هذا الموضوع: الأولى في قولك (وعمل هذه الإدارة تسجيل مظاهر النشاط الثقافي في البلاد من كافة نواحيه عدا الجانب الذي تضطلع به معاهد التعليم وفق برامجها الرسمية) وبما أن السجل السنوي أول ما تهتم به الإدارة المنشأة كما ذكرت، فمعنى ذلك أنه سيهمل فيه الجانب الذي تضطلع به معاهد التعليم وفق برامجها الرسمية، فلم هذا؟ ولم لا يكون السجل شاملاً للنشاط الثقافي بمعاهد التعليم؟ وقد قلت إن الغرض الأول منه تعريف ضيوف مصر والمهتمين بشئونها من الأجانب المكانة التي بلغتها مصر من الثقافة العامة. أفليست المعاهد الرسمية مما يهمنا التعريف بما بلغته من المكانة الثقافية؟

(النقطة الثانية هي ما يفهم من سياق الكلام وعلى الأخص العبارة السابقة التي بينت فيها أول غرض من السجل: (تعريف ضيوف مصر. . . الخ) من أنه سيكون مقصوراً على وصف النشاط الثقافي وبيان اتجاهاته ومراميه في مصر فحسب، فلا يشمل سائر البلاد العربية، مع أن الوحدة الثقافية العربية هدف يرمي إليه الجميع، بل هي واقعة فعلاً من قديم العصور، وهي أقوى لبنة في بناء الجامعة العربية، وإني لأستبعد أن تفعل ذلك وزارة المعارف وهي التي تعمل على تنمية التعاون الثقافي بينها وبين الشقيقات العربيات، بل أقول بصراحة أكثر إني أشك في صحة ما ذكرت في هذا الصدد. . . فهل أنت واثق منه؟ وإذا كنت كذلك فما رأيك؟)

وأقول لك أيها (البسام) إنني لم أكن إلا مقرراً للواقع الذي وقفت عليه وموضحاً للفكرة التي قصدت إليها وزارة المعارف من السجل الثقافي الذي تعمل في إعداده، وأنا واثق من كل ما ذكرته. وقد ارتحت إلى وجاهة اعتراضك رغم ما تعمدته من المعاكسة بين (العباس) و (البسام)

ولا أخل وزارة المعارف غافلة عما أثار ذلك الاعتراض، ولعلها تنظر إلى الموضوع من وجهة غير الذي ننظر منه إليه، فلست أملك مع هذا إلا أن أدع الأمر لأهل الاختصاص في الوزارة ليجيبوا بما عندهم

تصويب:

في العدد الماضي جاء عنوان الموضوع الأول في هذا الباب (اجتراء) وصحته (اجترار).

(العباس)