مجلة الرسالة/العدد 739/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 739/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 09 - 1947


المنشئ والحاسب، أبو حيان والحريري

قرأت في الرسالة الغراء (737) كلمة الأستاذ (الجاحظ): (الكاتب المنشئ والكاتب الحاسب) وما رواه فيها من قول للدكتور زكي مبارك. ولقد أنصف الأستاذ الجاحظ، وجار الدكتور مبارك - وإن لم يكن الظلم من شيمته - بما أراد أن يعطي (ابن الحريري) أكثر من نصيبه، وحسبه نصيبه. وفي (الإمتاع والمؤانسة) حديث عن تينك الصناعتين ورد فيه كلام لرجل اسمه (ابن عبيد) نبح في البلاغة والمنشئين والمعلمين والنحويين، وعظم وكبر صنعة الحساب. وقد فرفر أديبنا العبقري أبو حيان قائله فرفرة، وفند باطله، وأعلن من فضائل البلاغة والإنشاء ما أعلن وأغلب الظن أن صاحب (المقامات) اطلع على ذلك الحديث فنتش أشياء من معانيه ومن ألفاظه قال ابن الخشاب البغدادي في رسالته في نقد (المقامات):

(وقد كان ابن الحريري (عفا الله عنه) مكباً عليها، صارفاً مدة مهله فيها، ينقح فيها اللفظة بعد اللفظة، ويستشفها في كل لحظة، فهي بنت عمره، وبكر دهره. ولقد خطف أكثرها من مواضع، يدل تهديه إليها على فضل بارع. ولم يكن (رحمه الله) مدفوعاً عن فطنة ثاقبة، وغريزة في التلفيق مطاوعة مجاوبة)

ولن يقلل ذلك النتش من فضل (أبي محمد) ولن يصغر هذا الخطف من مقداره. يقول أبو حيان في كتابه:

(ولما عدت إليه (إلى الوزير) في مجلس آخر، قال: سمعت صياحك اليوم في الدار مع ابن عبيد، ففيم كنتما؟ قلت كان يذكر أن كتابة الحساب أنفع وأفضل وأعلق بالملك، والسلطان إليه أحوج، وهو بها أغنى من كتابة البلاغة والإنشاء والتحرير، فإذا الكتابة الأولى جد، والأخرى هزل).

(قال:. . . فما كان الجواب؟ قلت: ما قام من مجلسه إلا الذل والقماءة، وهكذا يكون حال من عاب القمر بالكلف، والشمس بالكسوف، وانتحل الباطل ونصر المبطل، وأبطل الحق وزري على المحق. . .).

ومما قاله أبو حيان لابن عبيد: وكفى بالبلاغة شرفاً أنك لم تستطع تهجينها إلا بالبلاغة، ولم تهتد إلى الكلام عليها إلا بقوتها، فالنظر كيف وجدت باستقلالها بنفسها ما يقلها ويقل غيرها، وهذا أمر بديع وشأن عجيب. . .).

والحديث التوحيدي العذب هو في الجزء الأول من (الإمتاع والمؤانسة) في الصفحة السادسة والتسعين وما بعدها.

السهمي

تصويب:

جاءت همزة هذا المصدر (الائتمام) في الكلمة (فعلاء) في (الرسالة الغراء) 737 - همزة قطع، وهي همزة وصل.

إلى الأستاذ (الجاحظ):

أنا أذكر أن في الكتاب الجليل (الفرج بعد الشدة) للقاضي التنوخي قصة وقعت لبعض وزراء العهد العباسي الأول مع كاتب متعطل ركب معه حراقته في دجلة. . . فيها تصنيف الكتاب وصفاتهم وما ينبغي لكل منهم، ولم يقتصر فيها على الكاتب المنشئ والكاتب الحاسب، بل عدد أنواعاً كثيرة وساق أوصافاً جمة، وليس تحت يدي الكتاب حتى أدل على موضعها، فليرجع الأستاذ (الجاحظ) إن شاء إليه. يجد فيها ما يضيفه إلى (تعقيباته) ويضمّه إلى حسناته.

(علي)

الخلان والزمان:

في العدد (736) من الرسالة الغراء مقال بعنوان (الخلان والزمان) للأستاذ الحوفي لفت نظري فيه أخطاء وقع فيها الكاتب في روايته لأبيات الشاعر الأمير أبي فراس. . . فرأيت إتماماً للفائدة المرجوة من هذا الموضوع الجليل أن أنبه إلى مواضع تلك الأخطاء وأن أرجع الرواية إلى أصلها.

1 - روى الكاتب أن أبا فراس قال:

منعت حمى قومي وسدت عيشتي ... وقلدت أهلي من هدى القلائد وصحة رواية الشكر الثاني هي:

وقلدت أهلي غر هذي القلائد

وهو أوضح وأفصح فقد جاء مفسراً لبيت قبله هو:

فإن عدت يوماً عاد للحرب والندى ... وبذل العلى والمجد أكرم عائد

ثم عطف فقال:

منعت حمى قومي وسدت عشيرتي ... وقلدت أهلي غر هذي القلائد

2 - روى قوله:

(ومنها) نرى أن المتارك محسن ... وأن خليلاً لا يضر خليل

وصحة هذا البيت هكذا:

(وصرنا) نرى أن المتارك محسن ... وأن خليلاً لا يضر (وَصول)

يقول: أصبحنا فبي ومن نرى فيه أن الصديق الذي لا يضر ويؤذي محسن وفيّ وصول للعهد أمين في الصداقة. . ومما يؤيد هذه الرواية أن الشاعر قال بعد ذلك:

تصفحت أحوال الزمان فلم يكن ... إلى غير شاك في الزمان وصول

فجاء بالجناس بين القافيتين (وَصول ووُصول) وأبو فراس كثير التجنيس في شعره كمثل قوله:

ولا برقت لي في اللقاء قواطع ... ولا لمعت لي في الحراب حراب

3 - روي قوله:

وإذا وجدت مع الصديق شكوته ... سراً إليه وفي المحافل أشكر

وصحة هذا البيت:

وإذا وجدت على الصديق شكوته ... سراً إليه وفي المحافل أشكر

4 - روي:

أشد عدويك الذي لا تحارب ... وخير خليلك الذي لا تناسب

وصحة الشطر الثاني: وخير خليليك بالتثنية.

5 - روي قوله:

تردى رداء (الظل) لما لقيته ... كما يتردى بالغبار العناكب والصحيح كلمة (الذل) مكان الظل، وهو أوضح وأبلغ وأنفذ للمعنى. يقول: إن حاسده اللئيم الجبان يوغل في شتمه وانتقاصه ويغرق في ذمه واغتيابه، حتى إذا لاح له انخلع قلبه وامتقع لونه واعتقل لسانه فتردى رداء الذل، ولبس ثوب التملق، فتوسل وتمدح. فلا وجه لكلمة (الظل) إلا إذا أراد الكاتب الفاضل أن يتمحل أوجه البلاغة ويتعسف طرائق البيان. فالمعنى الواضح البين خير وأبلغ من المعنى الغامض المبهم.

6 - وقد افتتح الكاتب الفاضل مقاله ببيت رواه لأبي فراس جاء على هذه الصورة:

تركت أبي طفلاً وكان أبي ... من الرجال كريم العود فاخره

وقد نبهت (الرسالة) أن الشطر الأول غير مستقيم لا معنى ولا وزناً، ولم أعثر على صحته، ولكن لعل الشطر الأول أن يكون هكذا (وقد فقدت أبي طفلاً وكان أبي)، فيصح النظم ويتسق المعنى

(طرابلس الشام)

محمد علي عكاوي