مجلة الرسالة/العدد 745/من شوارد الشواهد

مجلة الرسالة/العدد 745/من شوارد الشواهد

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 10 - 1947



للأستاذ علي الطنطاوي

سألني سائل عن بيت:

فما كان قيس هلكهُ هلكَ واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما

المروي في عدد الرسالة الأخير، لمن هو؟ فقلت: لعَبْدة بن الطبيب، واسم الطبيب يزيد بن عمرو، وهو شاعر مخضرم معروف من قصيدته التي يرثى بها قيس بن عاصم المنقري وقبله:

عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما

تحيّةَ من غادرته غرض الردى ... إذا زار - عن شحط - بلادَك سلّما

ففرح بذلك فرح من كان عنده لقيط فعرف نسبه، وكنت قد واليت البحث عن أمثاله من الأبيات الشاردة - التي لا تكاد تجد أديباً ولا متأدباً لا يتمثل بها إذا كتب أو خطب، وقلّ في المتأدبين من علم أنسابها، وعرف أصحابها - حتى اجتمع لي طائفة منها صالحة، تملأ مجلدة لطيفة، فرأيت أن أنسب بعضها في الرسالة.

من ذلك:

1 - لا تَنْهَ عن خلق وتأتيَ مثله=عار عليك إذا فعلت عظيم

للمتوكل الليثي، وهو شاعر إسلامي، كان يمدح معاوية وابنه يزيد. من قصيدته التي يقول فيها:

للغنيات بذى المجاز رسوم ... فببطن مكة عهدهن قديم

فبمَنْحر البُدْن المقَّلد من مِنى ... حِلل تلوح كأنهن نجوم

2 - أخاك أخاك إن من لا أخا له=كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح

لمسكين الدارمي وهو ربيعة بن عامر بن أنيف، قدم على معاوية وسأله أن يفرض له، فأبى، فخرج من عنده وهو يقول:

أخاك أخاك. . . (البيت).

وإن ابن عم المرء فاعلم جناحه ... وهل ينهض البازي بغير جناح

وما طالب الحاجات إلا مغرر ... وما نال شيئاً طالب كنجاح 3 - العبد يقرع بالعصا=والحر تكفيه المقاله

لأبي الأسود الدؤلي. وقبله:

أعصيتَ أمر أولى النهى ... وأطعت أمر ذوي الجهاله

أخطأت حين حرمتني ... والمرء يعجز لا محاله

4 - فعين الرضا عن كل عين كليلة=ولكن عين السخط تبدى المساويا

لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وكان صديقاً للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عبد المطلب، وكانا يرميان بالزندقة، فجرى بينهما شيء فقال له:

وإن حسيناً كان شيئاً مُلَفَّفاً ... فكشّفه التمحيص حتى بداليا

أأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا

فلا زاد ما بيني وبينك بعدما ... بلوتك في الحاجات إلا تماديا

فلست برام عيب ذي الود كله ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا

فعين الرضا. . . (البيت).

كلانا غني عن أخيه حياتَه ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا

5 - فإن كنت مأكولا فكن خير آكل=وإلا فأدركني ولما أمزّقِ

لشاس بن نهار من قصيدة قالها لعمرو بن المنذر بن امرئ القيس ين النعمان وهو عمرو بن هند، وهند أمُّه عمة امرئ القيس الشاعر؛ لما همّ بغزو قومه عبد القيس، فلما سمعها تركهم، وتمثل به عثمان يوم الدار. وبه سمى الممزق (بالفتح) وقيل بالكسر والتحقيق أن الممزق (بالكسر) شاعر آخر متأخر يعرف بالممزِّق الحضرمي.

6 - كناطح صخرة يوماً ليوهنها=فلم يَضْرها واعياً قزنَه الوعل

للأعشى من قصيدته التي مطلعها:

ودع هريرة إن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعاً أيها الرجل

وقبله:

ألست منّهياً عن نحت أثلتنا ... ولست ضائرَها ما أطّلت الإبل

تغرى بنا رهط مسعود اخوته ... يوم اللقاء فتردى ثم تعتزل

ومنها البيت المشهور: قالوا: الطراد! فقلنا: تلك عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشر نُزُل

7 - عقم النساء فلم يلدن شبيهه=إن النساء بمثله عقم

لأبي دهبل (وهب بن زمعة) الجمحي. مدح معاوية ومدح ابن الزبير وولاه عملا في اليمن، قاله في ابن الأزرق، عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله ين عمرو بن مخزوم وبعده:

نزْر الكلام من الحياء تخاله ... ضَمِناً وليس بجسمه سقم

8 - وكنا كندماني جَذيمة حقبة=من الدهر حتى قيل لن يتصدعا

لمتمم بن نويرة من قصيدته المعروفة في رثاء أخيه مالك وبعده:

فلما تفرقنا كأنى ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً

وتمثلت بهما عائشة لما وقفت على قبر أخيها عبد الرحمان.

9 - وما طلب المعيشة بالتمني=ولكن ألقِ دلوك في الدلاء

لأبى الأسود الدؤلي، قاله لابنه أبى حرب لما قعد عن الكسب وقال: رزقى يأتيني، وبعده:

تجئك بمائها يوماً ويوماً ... تجئك بحمأة وقليل ماء

10 - يا ربة البيت قومي غير صاغرة=ضمي إليك رحال القوم والقربا

لمرة بن مَحكان، شاعر إسلامي مقل، بعد في الأشراف الأجواد وبعده:

في ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطٌنٌبا

لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... حتى يلفّ على خيشومه الذنبا

يقول لها، وكان الضيف يستبقى معه سلاحه مخافة البيات، فهو يقول لها، ضمي سلاحهم إليك فهم عندي في أمان.

11 - عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه=فكل قرين بالمقارن يقتدي

لعدى بن زيد العبادي، من قصيدته التي مطلعها:

أتعرف رسم الدار من أم معبد ... نعم ورماك الشوق قبل التجلد

12 - أريد حياته ويريد قتلى.

وتتمته: عذيرك من خليلك من مراد.

من قصيدة قالها عمرو بن معد يكرب لقيس بن مكشوح المرادي، (قالوا) وتمثل به على بن أبى طالب لما رأى عدوّ الله عبد الرحمان بن ملجم المرادي.

13 - إذا لم تستطع أمراً فدعه=وجاوزه إلى ما تستطيع

لعمرو أيضاً من قصيدته التي مطلعها:

أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع

14 - ألا ليت اللحى كانت حشيشاً=فنعلفها خيول المسلمينا

لابن مفرّغ الحميري، وأسمه يزيد بن ربيعة، شاعر إسلامي أولع بهجاء آل زياد بن أبى سفيان، وهو جد السيد الحميري، قاله في عبّاد ابن زياد وكان عظيم اللحية.

15 - وإني لعبد الضيف ما دام نازلا=وما في إلا تلك من شيمة العبد

كذلك هو غلى ألسنة الناس، وروايته:=وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا

للمقنع الكندي وهو محمد بن ظفر بن عمير وسمى المقنع لأنه كان لجماله يخاف العين فيتخذ اللثام، شاعر إسلامي مقل، معدود في الأجواد والأشراف، والبيت من قطعة له هي:

يعاتبني في الدين قومي وإنما ... ديوني في أشياء تكسبهم حمدا

أسدّ به ما قد أخلّوا وضيقوا ... ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا

إلى أن قال:

وإن الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمي لمختلف جدا

فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم ... وإن هم هووا عيي هويت لهم رشدا

وإن زجروا طيراً بنحس تمرّ بي ... زجرت لهم طيراً تمر بهم سعدا

ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

وليسوا إلى نصري سراعاً وإن همُ ... دعوني إلى نصر أتيتهم شدَّا

لهم جُلُّ مالي إن تتابع لي غنى ... وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا

وإني لعبد الضيف. . (البيت)

16 - تمتع من شميم عرار نجد=فما بعد العشية عن عرار

للصمة بن عبد الله القشيري، شاعر إسلامي غزل مجيد، من أبياته المعروفة، وقبله:

أقول لصاحبي والعيس تهوى ... بنابين المنيفة فالضمار وبعده:

ألا يا حبذا نفحات نجد ... وريّا روضه بعد القطار

وأهلك إذا يحل الحي نجداً ... وأنت على زمانك غير زاري

شهور ينقضين وما شعرنا ... بأنصاف لهن ولا سرار

وروى: غبّ القطار. وروى: شهور قد مضين.

17 - كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا=أنيس ولم يسمر بمكة سامر

(منسوب) لمضاض بن عمرو الجرهمي، من قطعة (زعموا أنه) قالها يتشوق بها إلى مكة لما أجلت خزاعة قومه عنها، وبعده:

بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدور العواثر

وأخرجنا منها المليك بقدرة ... كذلك يا للناس تجري المقادر

فصرنا أحاديثاً وكنا بغبطة ... كذلك عضتنا السنون الغوابر

وبدلنا ربي بها دار غربة ... بها الذيب يعوي العدو المكاشر

فسحت دموع العين تبكي لبلدة ... بها حرم أمن وفيها المعاشر

18 - وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر.

لأعرابي، نظر إلى امرأته فرآها تتجمل وهي عجوز، فقال لها:

عجوز تُرَجّى أن تكون فتية ... وقد لحب الجنبان وأحدودب الظهر

تدس إلى العطار سلعة أهلها ... وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر

فأجابته ببيتين، وجمعت عليه نسوتها فضربنه.

علي الطنطاوي