مجلة الرسالة/العدد 745/هزيمة الكوليرا!

مجلة الرسالة/العدد 745/هزيمة الكوليرا!

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 10 - 1947



للدكتور مصطفى الديواني

أثبتت محنة الكوليرا الأخيرة شدة تعلق الإنسان بالسلامة وطول البقاء. فهذه الاستفهامات التليفونية التي توجه إلى طبيب العائلة - والتي لا تقف عند حد - تملأ الطبيب ثقة بنفسه وغروراً بمركزه كحصن الألمان يلجأ إليه عند الملمات ومنطقة النجاة تلقى للتائه في اليم الخضم ليصل بوساطتها إلى الأرض الطيبة عساه أن يدب عليها من جديد ويسعى فيها متمنعاً بشمسها وقمرها وليلها ونهارها ولذائذها وطيب ثمارها.

إن الكوليرا عنيفة في هجومها، لا تعرف سناً أو جاها أو مالا. تغزو الأكواخ والقصور سواء بسواء وسيان عندها مزهو في دمقس وغارق في بالي الأسمال. ولقد كانت فيما مضى فتاكة لا تبقي ولا تذر ولكن اشكروا طبيب المعمل فقد روضها كما تروض الأسود والفيلة الضخام ثم سلم رسالته إلى طبيب العلاج ليطبقها على الضحايا من عباد الله فنال الشكر والحمد والثناء لنفسه وبقي طبيب المعمل في ركنه يوالي أبحاثه في صمت وسكون. لقد حضر لكم الطعم الواقي مثلا وهو أكيد في مفعوله إذ يولد مناعة لا تزيد مدتها عن الخمسة شهور ويأخذ الشخص الكبير منه 0 , 5سم ثم 1سم من أسبوع أي 4000 مليون ثم 8000 مليون جرثومة. أما الأطفال الذين تتجاوز أعمارهم السنتين يأخذون 0. 25 ثم 0. 5 سم والذين تقل أعمارهم عن العامين يلزمهم 0. 2 ثم 0. 40 سم بعد أسبوع. ولا تتولد المناعة بعد حقن الطعم قبل عشرة أيام على الأقل ولذا يجب اتباع الاحتياطات اللازمة طوال هذه المدة ولا يغرينا الشعور بالسلامة الكاذبة على التراخي في هذا السبيل.

أما عن العلاج فقد دق لكم الطب في ميدانه أسافين عدة جعلت مقاومة المرض مائعة مراوغة بعد أن كانت كالصاعقة تضرب ضربتها بلا تردد وبلا إنذار.

إن قرص السلفاجوانيدين مثلا من وسائل العلاج الحديثة ولما أذيع أخيراً عن تأثيره في سير المرض تهافت الناس على إقتدائه بدرجة جعلته يكاد يختفي من الأسواق في ساعات وهذا خطأ فادح لا أقرهم عليه فلو تركوه بوفرته السابقة لكني وزيادة. فالمريض يلزمه للعلاج مائة وأربعون فرص تقريباً ولو (لا قدر الله) بلغت الإصابات الألف عداً لكان الموجود من الدواء يكفي وزيادة ويتعاطى منه المريض عادة ستة أقراص كل 4 ساعات لمدة ثلاثة أيام ثم مرتين في اليوم لمدة ثلاثة أيام أخرى. وقد وجد أن نسبة الوفيات في الحالات التي عولجت بالسافاجوانيدين حوالي الواحد في المائة على حين أنها بلغت في الحالات الأخرى التي حرمت منه حوالي 38 في المائة، أما الحالات التي عولجت بمركبات السلفا وبحقن البلازما أي في الوريد بقصد مقاومة الجفاف الذي يقاسي منه هؤلاء المرضى فنسبة الشفاء مائة في المائة. ولقد ثبت أن هذه الطريقة الأخيرة تؤدي إلى نتائج رائعة. ولكن إياكم أن تتهافتوا على شراء هذه المادة كما فعلتم بالسلفاجوانيدين فهي غالية الثمن إذ يبلغ سعر زجاجتها حوالي الاثني عشر جنيهاً ولن يلجأ إليها إلا إذا جد الجد لا سمح الله. وحرام أن تحرموا منها من هو أحق بها منكم أعني الذي أصابته لوثة الميكروب. والرأي العلمي السائد أنه متى توفرت هذه المادة فلن نسمح لجرثومة الكوليرا أن تعصف ببني البشر من الآن فصاعدا.

فنصيحتي أن نقابل الوباء بشجاعة وجنان ثابت فإن الكوليرا كمرض فتاك في طريقها إلى المؤخرة بعد أن عمل الطب جهده. ولكن يجب ألا ننسى في غمرة الفرح بنشوة الانتصار أن نشكر ذلك (النبي) المرسل الذي خلقه الله ثم سواه فصار طبيباً. انحنوا معي لطبيب المعمل الذي يسهر الآن ليأخذ بيدكم مجتازاً بكم ذلك الجسر الضيق الذي يصل السلامة بالفناء مخاطراً بحياته دون أن يبالي بالخطر المحدق به. وكل ما يطلبه منكم أن تتمسكوا بأصول الوقاية في المنزل والشارع وهو مطلب لو تعلمون سهل بسيط. وليكن رائدكم الثبات فإن الحكومة ساهرة بشكل يستدل الإعجاب. وهي تبذل جهداً كبيراً كان يمكنها توفير بعضه لولا أنها تعامل شعباً نصفه جاهل وربعه غافل. أعانها الله.

دكتور مصطفى الديواني