مجلة الرسالة/العدد 758/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 758/الأدب والفن في أسبوع
استقبال عضوين بالمجمع اللغوي
احتفل مجمع فؤاد الأول للغة العربية يوم الاثنين الماضي لاستقبال العضوين الجديدين: معالي الأستاذ علي عبد الرزاق والأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني؛ ففي الساعة الحادية عشرة من صباح ذلك اليوم وفد على دار المجمع - عدا أعضائه - جمهور غفير م رجال العلم والأدب وبعض السيدات والآنسات، وبعد أن أفتتح معالي رئيس المجمع جلسة الاستقبال بالترحيب بالعضوين وقف الشيخ عبد الوهاب خلاف عضو المجمع ليقدم الأستاذ علي عبد الرزاق فقال أنه تثقف في الأزهر وتتلمذ على الشيخ محمد عبده الذي كان يبث في تلاميذه إلى الدروس العلمية، روح الحرية في التفكير والإصلاح، وانه كان يتردد على الجامعة المصرية وكان إلى جانب ذلك يجتمع بالأعلام في (ندوة آل عبد الرزاق) فاجتمع له من كل ذلك مزيج من الثقافة والإسلامية والثقافة الحديثة، ثم تحدث عن جهوده في الدراسات الإسلامية والأبحاث الأدبية واللغوية. وقد أفاض الأستاذ خلاف في الحديث عن الإصلاح الديني الذي دعا إليه الشيخ محمد عبده والذي صاحب إنشاء مدرسة القضاء الشرعي ومعهد الإسكندرية، كما أفاض في بعض المسائل الفقهية التي أهتم بها الأستاذ على عبد الرزاق.
ثم نهض الأستاذ على عبد الرزاق فقال أن أول ما يخطر على البال في هذا المقام هو ذكرى سلفه الذي حل في كرسيه وهو المرحوم الدكتور على إبراهيم باشا، ورثاه رثاء موجزا ثم توجه بالثناء إلى المجمع الذي حباه بعضويته، وقال أنه يشعر بالانشراح لرجوعه بذلك إلى مرحلة سعيدة من حياته عقب تخرجه في الأزهر حين أقبل على البحث في اللغة العربية وآدابها إذ تصدى لتدريس علم البيان وآداب العربية في الجامع الأزهر، وقد جذبته الظروف بعد ذلك إلى أنواع من الدراسات، وقال أنه كانت تشغله في تلك المرحلة مشكلات في النحو وفي البلاغة، إذ شعر بان في القواعد التي وضعها علماء النحو شيئا من التكلف جعلها معقدة ومتعسرة، وانه لا يبعد على من يواصل البحث أن يهتدي إلى استنباط قواعد جديدة للنحو الغربي، أما البلاغة فقال أنه وجد علماءها لا يختلفون في أن الغرض الأول من علوم البلاغة إنما هو اكتشاف الوسائل التي بها يستطيع المتكلم يختار الطريقة التي تجعل كلامه فصيحا بليغا أي مطابقا للغرض وحالا في موضعه اللائق به، وذلك هو معنى قولهم في تعريف البلاغة: أنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال. ولكنا لاحظنا أن أولئك العلماء قد انصرفوا منذ العصور الأولى إلى البحث عن هذه الوسائل، وتتابعت العصور فإذا مباحثهم قد انتهت إلى أن سر البلاغة قد وقف عند أبواب علم المعاني والبيان والبديع على أما انتهى إليه الجرجاني وما أستحدث بعده من بعض أنواع البديع ومن بعض مباحث أخرى، وكأنهم قد ظنوا أن الكلمة الأخيرة قد قيلت في هذا الفن. وقال أنه لا يشك في أن بلاغة الكلام لا تنحصر أسرارها في تلك الأبواب، وساق شواهد دلل بها على أنهم كانوا كثيرا ما يقفون مبهوتين أمام بلاغتها وروعتها، فيحاولون أن يردوها إلى باب من أبواب البلاغة المعروفة عندهم فلا يستقيم لهم ذلك إلا على ضرب من التعسف والالتواء.
ثم تلاه الأستاذ عباس محمود العقاد، فألقى كلمته في استقبال الأستاذ المازني، قال إني لا أسميها كلمة تقديم فإن المازني مقدم متقدم بأدبه إلى كل مكان تصل إليه لغة الضاد، ولكني أستطيع أن أقول شيئا جديدا فيما يتصل بي وشيئا طريفا فيما يتصل بالمجمع، لان صلة المازني بالمجمع صلة سابقة من جهة أعماله وجهوده وان طرت عليها الطرافة من جهة انتظامه بين أعضائه. ثم تحدث الأستاذ العقاد عن صداقته للأستاذ المازني منذ نيف وثلاثين سنة، ومشاركتهما في الأدب والصحافة والتدريس، ثم عرض للجانب الذي يتصل بالمجمع من أعمال عضوه الجديد، وهو جانب التمكن من اللغة في الترجمة والتعبير، فقال: ولست أغلو - ولا أحجم عن التحدي - إذا قلت أنني لا أعرف فيما عرفت من ترجمات للنظم والنثر، أديبا واحدا يفوق المازني في الترجمة من لغة إلى لغة، ويملك هذه القدرة شعراً كما يملكها نثراً، ويجيد منها اللفظ كما يجيد المعنى والنسق والطلاوة، ومثل لذلك ببعض ما ترجمه المازني من رباعيات الخيام، وعرض العقاد لبعض المباحث التي كتب فيها المازني كالحقيقة والمجاز، والتجديد والتقليد، إلى أن قال: وقد طاب للمازني منذ سنوات أن يدأب على الاستخفاف بعمله وبجدواه، فأنكر على نفسه الشاعرية وأنكر غناء ما يكتب وينظم وقد غالطته أحيانا فقلت له أن هذه البدعة منه ضرب من المكر الحسن، كأنه أراد أن ينزل عن مكانه ليجلسه عليه الناس، ولكنه قال في حصاد الهشيم: (واعلم أنك إذا أنزلت نفسك دون المنزلة التي تستحقها لم يرفعك الناس إليها، بل أغلب الظن أنهم يدفعونك عما هو دونها أيضا) فالأرجح أنني غالطته وأن حقيقة الأمر أن المازني يستخف بعلمه وبغير عمله أحيانا لأنه يستصغر حياة الإنسان في جانب آماد الخلود ومصائر الأقدار ولأنه يقيس ما عمل بما أراد أن آخرون. وقد هون الخطب على نفسه بسليقة فيه، وهي أنه استطاع أن يقسم (أنانيته) قسمين متلازمين، يسخط أحدهما فيتناوله الأخر بالعبث والتعزية، ويشمخ الشامخ منهما فيغض منه المطمئن والوادع.
ثم وقف الأستاذ المازني فقال أنني أشعر بما يشعر به الواقف على عتبة قصر لا عهد له بمثله فهو يطرقه متهيبا محاذرا ويدخله مترددا متلفتا داعيا ربه في سره أن يستره ولا يفضحه وأن يعينه على أن يبدو لأهل القصر كأنه منهم واليهم في حاجة إلى وقت حتى آلف مجمعكم الموقر.
وقال: أصارحكم باني أشعر أني مظلوم لو كمنت قلتم اخترناك على عيوبك ولنا فيك أمل لقلت قوم أحسنوا الظن وان أسرفوا في الأمل فاستوجبوا مني أن أتحامل على نفسي حتى لا أخيب ظنهم، أما أن أقوم مقام الشيخ أحمد إبراهيم بك، عليه الف رحمة، فهذا هو المحال ثم أثنى على سلفه الشيخ أحمد إبراهيم وعلى جهوده العلمية والأدبية إلى أن قال: ليس يسعني إلا أن أهز رأسي أسفا لأني وضعت في موضع سيظل خاليا وأنا فيه. .
ومما قاله الأستاذ المازني: أن مرحلة التطور الطبيعي السريع للغتنا قد انتهت من زمان طويل بعد أن صارت لها حروف تكتب بها وقواعد مضبوطة وقوالب مقررة وآداب وعلوم، بل سعد أن نزل بها القران الكريم ودون وحفظ، ومتى استقرت قواعدها لغة من اللغات ودونت وصارت لها آداب. وكتبت بها العلوم، فإن من العسير تغيير شئ من قواعد واوضاعها، وقد تختلف طريقة الكتابة والهجاء والنطق وتتسع الألفاظ للتعبير أو تضيق، غير أن طريقة تأليف الكلام على معاني النحو لا تتغير، وكل ما يمكن أن يحدث هو أن يتسع نطاق اللغة أي أن يكثر محصولها اللفظي، ويتوسع الناس في المجاز والاستعارة والاشتقاق تبعا لدرجة الحضارة في الأمة، ومن هنا تنشا الحاجة إلى المجامع اللغوية لتتبع حركة الاتساع ومسايرتها وتزويدها بحاجاتها ومطالبها.
أيهما الحارس؟ أراد الأستاذ المازني أن يصطنع أسلوب التواضع إذ قال أنه يشعر بما يشعر به الواقف على عتبة قصر. . . الخ، ولكني - بغض النظر عن هذا التواضع - أطمئنه وابشره بما سيلقاه في القصر من الدعة والراحة. . ولعله يعلم أن المجمع أستقبل في العام الماضي عشرة أعضاء جدد صار بهم أعضاؤه (العاملون) عشرين مخلدا. . . وقالوا يومذاك أن المجمع في حاجة إلى أولئك العشرة ليستعين بهم على إنجاز أعماله ومواجهة مسئولياته، ولكن هؤلاء العشرة (تجمعوا) واخذوا أماكنهم على تلك الكراسي الفخمة إلى جوار زملائهم القدماء. ثم ماذا فعل الأربعون في العام الأخير وعفا الله عما سلف؟ ولكن عفو الله أوسع من أن يضيق بالعام الأخير وقد وسع ما قبله!
وعلى ذكر (الأربعين) أسوق الحقيقة التالية:
لاحظ الناس أن نشاط المجمع قل بعد وفاة الشيخ أحمد السكندري والشيخ حسين والي، والمطلع على محاضر جلسات المجمع في حياة هذين العضوين يرى أن أكثر المقترحات من عملهما وبقية الأعضاء موافقون. . والمتتبع المحصي لما أنجزه من أعمال منذ نشأته إلى الآن أن أغلبها من عمل ذينك الرجلين، وهما اثنان!
ولا نغض من أقدار الأعضاء الحاليين، فهم أعلام مصر في هذا العصر، ولكن هل المجمع مقبرة لجهودهم في داخله. .! كثيرا ما نسمع من بعض الساخطين: لم هذا المجمع؟ فيقال: أنه حارس على اللغة. ولكن الساخط يعود فيقول: أن هذا (الحارس) ينام ملء جفنية! ولا يبرر وجوده إلا مجرد القول بأنه يحرس اللغة العربية، فليت شعري، أيهما يحرس الأخر. . اللغة أم المجمع؟!
عضوان آخران:
وقد عقد المجمع جلسة خاصة في مكتب الرئيس قبيل جلسة الاستقبال السابقة، للنظر في ترشيح أعضاء ينتخب من بينهم عضوان عن العراق وفلسطين. وقد أعتمد ترشيح أربعة، هم الأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي والأستاذ خليل سكاكيني (من فلسطين) والشيخ محمد رضا الشبيبي والأستاذ محمد بهجت الأثري (من العراق) وقد تقرر أن يجري انتخاب عضوين منهم واحد عن العراق وواحد عن فلسطين في جلسة تعقد يوم الأحد 11 يناير الحالي.
ترخيص الأهرام:
نشرت الأهرام، وهي في مستهل عامها الرابع والسبعين، نص الصيغة التي كتبت للترخيص بإصدارها سنة 1875، وهو: (رخصت الخارجية لحضرة سليم تقلا باشا بإنشاء مطبعة تسما (بالألف) الأهرام، كائنة بجهة المنشية بإسكندرية، يطبع فيها جريدة تسمى الأهرام تشتمل على التلغرافات والمواد التجارية والعلمية والزراعية والمحلية وكذا بعض كتب كمقامات الحريري التاريخية والحكمة والنوادر وما يماثل ذلك وقد أمرت الخارجية محافظ الإسكندرية بعدم المعارضة للمذكور في إنشاء المطبعة المحكي عنها)
ولا شك أن مقارنة هذا النص الذي كتب منذ نحو ثلاث وسبعين سنة، بما يكتب الآن تقفنا على مدى التقدم الكبير في أسلوب الكتابة وقد أتفق أن قرأت هذا عقب ما كتبته عن محاضرة الدكتور طه حسين بك إلى قال فيها أننا لم نتقدم في حياتنا الأدبية عما يقابل ركوب الحمر في حياتنا المادية وما أطن أحدا يشك في أن المدى بين ما يكتبه الآن الدكتور طه مثلا وبين تلك الكتابة أبعد بكثير مما بين ركوب السيارات والطيارات وبين ركوب الحمر.
ولست أدري لم خص كاتب ذلك الترخيص (مقامات الحريري) كأني به أراد أن يذكر (الأدب) في جملة ما ستطبعه (الأهرام) والكاتب التحرير يسمع أن مقامات الحريري من كتب الأدب، فعبر به عنه. ولكن هل نشرت الأهرام كتاب مقامات الحريري. .؟ لعلها لم تنشر عنه شيئا فيما مضى من عمرها المبارك.
الزهراء:
كنت قد قرأت في العدد (755) من الرسالة ما كتبه الأستاذ حبيب الزحلاوي في مسرحية (الناصر) وقد استرعى انتباهي منه قوله في صدد نقده للمسرحية من حيث ضعف الجانب العربي فيها وغلبة الشخصيات العربية سوى الزهراء زوج الناصر).
ولم تكن الزهراء زوج الناصر، ولا في أصل التاريخ ولا في المسرحية بل كانت جاريته، وهي بحكم هذا ليست من الشخصيات العربية.
وإذن يستطيع الأستاذ الزحلاوي أن يقول: لم يسلم من الضعف أحد من الشخصيات العربية في المسرحية. . .
(العباسي)