مجلة الرسالة/العدد 76/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 76/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 17 - 12 - 1934



أعمال الاستكشاف في قلب أفريقية

قررت أكاديمية العلوم الفرنسية أن تنمح جائزة (البردى موناكو) الشهيرة وقدرها مائة ألف فرنك (نحو ألف وثلاثمائة جنبة) إلى العلامة الجغرافي المكتشف الأفريقي الجنرال تيلهو، أحد أعضاء بعثها الجغرافية، وذلك لما قام به من الاكتشافات الخطيرة في منطقة بحيرة تشاد والأنهر المتصلة بها، ومعاونته بذلك على وضع هذه المنطقة تحت الحماية الفرنسية

وقد كانت فرنسا تعنى منذ بعيد بشأن هذه البحيرة الشاسعة التي تقع في وسط أملاكها الصحراوية الأفريقية، وتؤثر أعظم أثر في مستقبلها الاقتصادي؛ فجهزت إليها عدة بعوث علمية منذ أوائل هذا القرن، ولما زادت أملاكها في تلك المنطقة باستيلائها على أملاك ألمانيا، وتوغلها في السودان الغربي، زاد اهتمامها باكتشاف هذه المنطقة وتحديدها وتأمين حمايتها؛ ويمكن تقدير أهمية بحيرة تشاد متى علمنا أنها تغطى مسطحاً قدره 18 , 000 كيلو متر، ويصب فيها نهران كبيران هما (شاري) و (لجوني) وعلى مائها تقف حياة الملايين من سكان المناطق المجاورة، وكان الجنرال تيلهو، منذ كان ضابطاً فتي في أواخر القرن الماضي، يهتم باكتشاف هذه المنطقة، وينوه بأهمية مستقبلها الاقتصادي والسياسي، وقد كان أول من استطاع أن يضع لها خريطة دقيقة؛ وقد بدأ بارتيادها منذ سنة 1898 ليحقق أبعادها بالنسبة لنهر النيل ونهر النيجر، ولكنه لم يستطع أن يتوغل يومئذ في تلك الأنحاء لخطر قبائلها الهمجية. ولكنه عاد بعد بضعة أعوام فالتحق ببعثة الجنرال مول التي أوفدت لضبط حدود الينجر بين فرنسا وبريطانيا، وفي سنة 1906 عين رئيساً لبعثة جديدة أوفدت لاكتشاف المنطقة الواقعة بين الينجر وبوركو، فاستمرت في تجوالها في تلك الأنحاء مدى ثلاثة أعوام. وفي سنة 1912 عاد على رأس بعثة أخرى، وقضى في تجواله خمسة أعوام اكتشف أثناءها كثيراً من أسرار المنطقة الواقعة شرق بحيرة تشاد، ومنطقة بركو، وبيستي ودارفور، وضبط وسائل المواصلة بين مستعمرات فرنسا الأفريقية الغربية والسودان الفرنسي (السودان الغربي)؛ وعلى أثر هذا الاكتشاف العظيم عين الجنرال تيلهو عضواً في أكاديمية العلوم ومنح مدالية الاستحقاق الذهبية؛ ثم أنعم عليه بعد ذلك بلقب عضو في المجمع العلمي؛ والجنرال تيلهو جندي باسل، وعلامة جغرافي ومحقق أخصائ في جغرافية أفريقيا الوسطى، وقد قرر أن يخصص الجائزة التي منحت له لمتابعة أعماله واكتشافاته العلمية في تلك الأنحاء

ولم ينفذ العالم الأوربي إلى تلك الأنحاء إلا منذ أوائل القرن الماضي، منذ اكتشافات منجو بارك الاسكتلندي، ورنية كاييه الفرنسي؛ ولكن يبدو من دراسة رحلة أبن بطوطة الرحالة المغربي الشهير أنه ارتاد كثيراً من تلك الأنحاء، على أثر عودته من رحلته في الشرق الأقصى (في أواسط القرن الرابع عشر)؛ وهو يذكر أسماء مدن ومواقع لم يعرفها الغرب إلا منذ قرن مثل سكوتو، وغيرها

دائرة المعارف الفرنسية

كان الأدب الفرنسي أول ما ظفر بإخراج الموسوعات الأدبية والعلمية والحديثة؛ ويرجع تاريخ هذه الموسوعات الحديثة إلى أواسط القرن الثامن عشر، حيث ظهرت جماعة العلماء المعروفة (بالأنسيكلوبيدين) وعلى رأسهم ديدرو، ودالمبر، وهولباك وغيرهم

وقد ظهرت دائرة المعارف الفرنسية الكبرى منذ أواسط القرن الماضي، وتمت في أواخره؛ ولكنها لم تطبع من ذلك الحين مرة أخرى، وأضحت في عصرنا أثراً قديماً تنقصه عناصر هامة من العلوم والفنون والاختراعات الحديثة، وتاريخ العالم منذ أواخر القرن الماضي، وفد تقدمت الموسوعات الأجنبية على الموسوعة الفرنسية من هذه الناحية تقدماً عظيماً، فصدرت الطبعة الخامسة عشرة من دائرة المعارف البريطانية سنة 1930، وأضحت أثر عظيما شاملاً لآخر ما أخرج العصر من آداب وفنون وعلوم؛ وصدرت دائرة المعارف الإيطالية الجديدة منذ عامين أو ثلاثة؛ وصدرت دائرة معارف روسية حديثة. وقد اهتمت وزارة المعارف الفرنسية والهيئات العلمية الفرنسية منذ بضعة أعوام بأمر الموسوعة، وألفت لجنة من أكابر العلماء والكتاب للأشراف على إخراجها في طبعة جديدة وعلى رأس هذه اللجنة، المسيو دي مونزى وزير المعارف السابق، ومسيو لوسيان فابر الأستاذ بالكوليج دي فرانس، وهو المدير العلمي للموسوعة، ومسيو هنري دي جوفنل الكاتب والسياسي، والأستاذ بايان نقيب المحامين السابق، ويوسف بدييه مدير الكوليج دي فرانس، وفرانسوا ميلان عضو الشيوخ، وغيرهم من أكابر العلماء والمفكرين. وقد أتمت اللجنة تنظيم الأعمال التحضيرية؛ وبدأت أعمال التحرير فعلاً، والمرجو أن يصدر الجزء الأول في سنة 1935، ثم تصدر الأجزاء تباعاً بعد ذلك، حتى تغدو الموسوعة الفرنسية لائقة بما للأدب الفرنسي من مكانة ممتازة في عالم الآداب الحديثة

مدام آدم وعصرها

مدام جولييت آدم من أعظم كاتبات فرنسا، وهي اليوم في الثامنة والتسعين، وقد لبثت مدى النصف الأخير من القرن التاسع عشر تتزعم الحركة الأدبية في فرنسا، وكانت بينها منذ أواخر القرن الماضي وبين زعيم الوطنية المصرية مصطفى كامل رسائل سياسية وعلائق صداقة وثيقة استمرت حتى وفاته

وقد أصدرت أخيراً كاتبة فرنسية أخرى هي مدام مانون كورمييه عن مدام جولييت آدم وعصرها كتاباً كبيراً استعرضت فيه حياة الكاتبة الكبيرة منذ تحريرها (للمجلة الجديدة) في شبابها، وما كان بينها وبين أكابر عصرها من علائق الصداقة أمثال جورج ساند الكاتبة الشهيرة، وليون جامبتا السياسي الكبير، وبيير لوتي الكاتب الأشهر، وكان يسميها (بأمه العزيزة)، وما كان لها من زعامة روحية وفكرية على كثير من المفكرين والكتاب داخل فرنسا وخارجها

الاحتفال بتوزيع جوائز نوبل

أقيم في استوكلهم عاصمة السويد في العاشر من ديسمبر الجاري الاحتفال السنوي الكبير الذي تمنح فيه جوائز (نوبل) وقد رأس ملك السويد بنفسه الحفلة كالمعتاد، وتولى بنفسه تقديم الجوائز الممنوحة لممثلي الدول التي ينتمي إليها الكتاب والعلماء الفائزون؛ فناب عن الكاتب الإيطالي بيراندللو الفائز بجائزة نوبل للأدب سفير إيطاليا، وناب السفير الأمريكي عن الأساتذة جورج مورفي وهوبيل ونويث الفائزين بجائزة نوبل للطب، وكذلك عن الأستاذ هارولدادري الفائز بجائزة نوبل للكيمياء؛ ومقدار كل جائزة منها 162 , 607 كوروناً سويدياً (أي نحو أربعة آلاف جنيه) ويعتبر هذا الاحتفال أعظم الاحتفالات العلمية

المصور (سم)

توفي أخيراً في باريس أستاذ من أساتذة التصوير الرمزي (الكاريكاتور) هو الرسام (جورسا) المعروف في عالم التصوير باسم (سم) وهو الاسم الذي يوقع به صوره. وقد بلغ هذا النوع من التصوير في العصر الأخير ذروة قوته وخطره، وأصبح فناً قائماً بذاته، يشترك مع القلم في التعبير عن الحوادث والمشاعر، ولا سيما أحداث السياسة، وقد كان (سم) من أقطاب هذا الفن، وكانت صوره الرمزية التي تنشرها جريدة (الجورنال) من أسمى ما أخرج الفن؛ وكانت تمتاز بقوة التعبير والفكاهة اللاذعة المحتشمة معاً. ولبث (سم) يعمل في قلم تحرير (الجورنال) أعواماً طويلة، وقد توفي كهلاً لم يجاوز الخمسين في عنفوان قوته وفنه