مجلة الرسالة/العدد 768/الكتب
مجلة الرسالة/العدد 768/الكتب
ديوان أبي فراس الحمداني
حققه وحرره ووضع فهارسه الدكتور سامي الدهان
دكتوراه دولة في الآداب من باريس مع مرتبة الشرف
الممتازة
العصر الحمداني من أزهى عصور الأدب العربي عاش في ظله جمهرة من الشعراء خلد شعرهم على الزمان، وحفظت لهم العربية تراثهم في بطون الكتب يتداولها جيل بعد جيل مخطوطة بعد مخطوطة حتى كانت الطباعة فلم يلقوا منها ما لقي أقرانهم، ولم يظهروا على نورها كما ظهر أندادهم؛ فظلموا ظلماً لا يقره الأدب الرفيع وفيهم: النامي والناشئ والصنوبري وكشاجم وأبو فراس والسري الرفاء، وكلهم فحول أقوياء لو تفرقوا على العصور العربية لكان لكل منهم واحدها.
ولكن هذا الظلم قد انتهى - والحمد لله - فيما نعتقد، وانقضى اجله فيما نرى، بعد أن تصدى لهذا العصر الحمداني من عاصمة بني حمدان في القرن العشرين الأديب الباحث المحقق الدكتور سامي الدهان، يسعى في جمع تراث العصر الحمداني كله ليظهره على الناس كاملاً يزهو في القرن الرابع عشر الهجري كما كان في القرن الرابع. فهو يعمل في اختصاص دقيق كما يعمل علماء الغرب لشعرائهم سواء بسواء.
وهو إذ يخرج لنا اليوم (ديوان أبي فراس الحمداني) نرى في طيات عمله تهيئة كاملة، وإعداداً شاملاً لشعراء العصر كله، نرجو أن نرى أثره قريباً فيما ينشر من نصوصه ويظهر من متونه. ونلمس هذه المعرفة الشاملة للعصر الحمداني مما أثبت لنا حضرة الناشر في حواشي (الديوان) وتعليقاته، من وقوف على مخطوطات العصر، وشغف بمراحله، واضطلاع بكل ما فيه من شعر ونثر، وتأريخ وسير.
ونرجو أن يزهو الشعراء الحمدانيون جميعاً بعد قليل بدواوينهم كاملة كما يزهو اليوم (أبو فراس) بديوانه الجديد الذي حققه ونشره الدكتور الدهان بعد جهد نافع طويل وجد مثمر كبير، فقد مضى الشاعر وخلف بعده ما شدا به في جولاته، وما كان منه مع تلك الحياة لقريبة ما بين طرفيها، من شعر جمعه ديوانه على تقصير في الاستيعاب، وتخلف في تحرير الكلمات، وجنف عن إقامة الأوزان، وبعد عن التيسير بالضبط والشرح.
وغبر الديوان يخرج من طبعة إلى طبعة حاملا مع الأوزار الأولى أوزاراً أخرى، والناس قانعون من شعر الشاعر بما صح لهم في مبناه ومعناه، أو بما لان لتوجيههم فاستقام، متخففين مما استعصى على الفهم، وند عن الإقامة، فعاش من الديوان قلة. هذا غير شعر غاب عن النشر كثير خفي بإخفائه جانب من حياة صاحبه، وأخفى الاستغلاق جانباً آخر. وما لدراسة يتنازعها هذان نجاء من الزلل أو قرب من السداد.
ذكرت ذلك كله وأنا أنظر في ديوان أبي فراس الجديد الذي أخرجه حضرة الباحث المحقق، فقد وجدتني بين أجزاء ثلاثة كبار تربى صفحاتها على الثمانمائة، في ثوب جد أنيق. وكنت أجدني بالمس القريب بين صفحات تبلغ المائة أو تزيد عنها، في رثاثة وبذاذة. وجدتني أطالع جهداً جديداً على النشر في الشرق طالما رقبناه ورجوناه، فهذا استقصاء في المقابلة بنسخ من الديوان جاوزت الأربعين خف إليها الدكتور يحصيها ويجمعها، وكانت هنا وهناك في مكتبات الشرق والغرب، أفادت الكثير بما زادت وحررت. وهذا شرح لابن خالويه على الديوان بين تمهيد لقصائده وتفصيل لحوادثه وإبانة عن غوامضه لا عهد للناس به من قبل. وغير هذا وهذا مما جاء من إشارات إلى أماكن شعر أبي فراس من كتب الأدب والتأريخ، وفيها نفع واستئناس. ثم ما كان من إشارات إلى أماكن الحديث عن أبي فراس في هذه المراجع. صنع الدكتور الدهان بديوان (أبي فراس) هذا وغيره فوفاه ضبطاً وشرحاً وزوده بفهارس عشرة، بعضها للشعر المروي في كتب الأدب والتاريخ، وبعضها لما تفردت به هذه الطبعة ولم يحمله ديوان لأبي فراس قبل، وبعضها للمعاني والأبواب، ثم القوافي والأعلام والقبائل والأماكن والكتب والموضوعات.
ذاك عدا دوحة انتظمت بأصولها وفروعها الأسرة وما ضمنته المراجع. وعدا جدول تكاد العين تضل في سعته جمع المقابلات بين القصائد والنسخ الخطية في بسط واستيفاء.
هذا ديوان أبي فراس الجديد يدلل على ما بذل فيه من جهد وما حمل في سبيله من عناء. وقد حبس الدكتور الناشر على هذا العمل نفسه سنين عشراً بين إعداد وطبع. وما عشر سنين بكثير على مثل هذا العمل الجليل. وما أحوجنا ونحن بسبيل إحياء نصوصنا القديمة أن تكون لنا التفاتة إلى مثل هذا الاستقصاء لا نبالي امتد بها الأجل أم قصر.
وبين أيدينا مؤلفات عنى بها مستشرقون كتب لها الخلود وليس عليها إلا أن تعاد طبعاً؛ وليس بدونها أن يفضلها أبو فراس الحمداني. فما في الظن أنه تبقى لأبي فراس شيء في عالم الغيب لم يهتك عنه الدكتور الدهان ستراً، ولا مكتوبة من ديوانه لا تزال سراً. فما أحقه من عمل بالثناء، وأجدره من نهج بالجزاء، وأولاها من طريقة بالاقتداء. . .
إبراهيم الابياري
إبراهيم بن سيار النظام
تأليف الدكتور عبد الهادي أبو ربده
كتاب فلسفي أخرجه منذ عهد غير بعيد الدكتور عبد الهادي أبو ريدة المدرس بكلية الآداب وقد عرض فيه حياة النظام وآراءه الفلسفية سواء كانت آراء طبيعية تتصل بالجسم والحركة والخلق والكمون والتداخل، أو آراء أخلاقية أو سياسية تتصل بالخير والشر والجبر والاختيار والإرادة والاستطاعة، عرضها في نهج نظيم وأسلوب قويم. وقد تحدث الدكتور أبو ريدة إلى جانب هذا عن النظام من الناحية الفكرية فبين رأيه في الحديث ومسائل الفقه وتفسير القرآن وإعجازه، وذكر طرفاً من أدبه وشعره، ولكنه طرف موجز مقتضب؛ فالكتاب كتاب فلسفة وليس بكتاب أدب. وقد خصص الدكتور أبو ريدة فصلين في الكتاب أحدهما عن الله والآخر عن الإنسان لعلهما أروع ما في الكتاب.
ولي كلمة موجزة أحب أن أوجهها إلى الدكتور أبو ريدة بمناسبة إخراجه كتاب النظام والتمهيد للباقلاني وهي أننا كنا ننتظر منه شيئاً آخر؛ فالدكتور أبو ريدة يكاد يكون ألمانياً في حياته الخاصة ولا يرى إلا متكلماً بالألمانية بين ردهات الكلية؛ ولكن للأسف لم تستفد المكتبة العربية من ألمانيا شيئاً يذكر. وخليق به أن يترجم لنا عيون كتب الفلسفة الألمانية ويحدثنا عن الفلاسفة الألمان حديثاً مستفيضاً صحيحاً. ويظهر أن الدكتور يحس بقلة إنتاجه الفكري وقصر مدة تدريسه بالجامعة وهي سنتان فيلجأ إلى تلاميذه في البحث ومراجعة التجارب. والواقع أن الأستاذ أبو ريدة في وسعه أن ينتج كثيراً وأن ينتج شيئاً مرضياً أيضاً ولكنه يؤثر العافية! كتاب النظام كتاب قيم ما في هذا شك وقد ألجأ إلى تحليله في فرصة أخرى.
إبراهيم جمال الدين الرمادي
شباب قريش
تأليف الأستاذ عبد المتعال الصعيدي
خصبة ممتعة تلك الأبحاث التي تكتشف لك نواحي محجبة لم يجس خلالها فكر، ولا حلق في أرجائها خيال؛ فتكون بمثابة الرائد في عالم الفكر؛ يشوقك ويحفزك إلى التطلع والمغامرة بما يعرضه من صور وما يغريك به من مشاهد؛ فيكون أثرها في إثارة الهمم وشحذ القرائح عميقاً مثمراً من هذه الأبحاث - شباب قريش - في العهد السري للإسلام - فقد تناول - المؤلف - جانباً من تلك الجوانب الكثيرة المتشعبة في حياة الدعوة الإسلامية، وهو أثر هذه الدعوة في نفوس الشباب وتدفق تيارها القوي الفعال في نضارة قلوبهم الزاخرة الجياشة وكيف كان انفعال هذه النفوس بها وإيمانهم بمبادئها! حتى غدت تلك المبادئ وقد أصبحت جزءا من كيانهم الروحي والعقلي والخلقي؛ فوثبت تلك المبادئ بشبابهم واكتسبت الدنيا من إخلاصهم ونشاطهم ذلك الرداء الروحي والاجتماعي؛ البهيج حول تلك الرسالة وتلقى شباب قريش لها وبذل كل ما يدخل في الطوق بذله في سبيل تبليغها والتمكين لها.
أقام المؤلف هذا البحث فوفق في تجلية هذه الناحية وفتح لنا طريقاً جديداً لمن يريد أن يعالج هذه النواحي من الجانب النفسي والاجتماعي والتاريخي. وقد مهد المؤلف لتاريخ أولئك الشباب بنظرات عن سبق الشباب إلى الإسلام وأسماء الشباب والشابات؛ ثم أخذ يقدم لك هؤلاء الشباب صور موجزة طلية تدعو إلى الإيمان بأن كل دعوة لا يناصرها إخلاص الشباب وفداء الشباب مقضي عليها. نأمل أن يحدث هذا الكتاب في نفوس شبابنا ما أحدثته الدعوة الإسلامية في نفوس شباب قريش.
محمد عبد الحليم أبو زيد