مجلة الرسالة/العدد 769/عادت النار. . . .

مجلة الرسالة/العدد 769/عادت النار. . . .

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 03 - 1948



للأستاذ محمود حسن إسماعيل

(إلى النار التي أندلع لهيبها في رمادي. . . فكادت تورق في

عذابه أغصان الزوال!)

وما كدت ابصرها في الظلام ... وأصغي لأنوارها في دجاه

تلفتُّ فأهتزَّ فِيّ الرَّمادُ ... وشبتْ من الموت رؤيا لظاه

وأَما اليها سكونْ الزَّوال ... فضجتْ بجنبيه نارَ الحياهْ

وهَّبت قبورُ سلاها الفناءُ ... ولم يبق فيها لباكِ شكاه

سلونا وضعنا وضاع الرباب ... وسرنا خريفاً جفاه الرعاه

وكل الذي كان في كأسنا ... بقايا الندامة عند العصاه

وجرح خفي حملنا أساه ... ودرنا به صرخة في فلاه!

فمن أين يا رب هذا الضياء ... ولا أعرض فيها نقيم الصلاه؟!

تلفت! واهاً على الحائرين ... إذا بوغتوا باخضرار الفلاه!

عناء، وعشب، ومجرى غدير ... توهج من نشوة شاطئاه

وصبحُ مزاميره في الفضاء ... وترجيعها كامن في حشاه

وماض رخيم الردى، كلما ... تزايلت معناه، ألقى عصاه

فأطرقت حتى عبرت الزوال ... وهيّلت أحلامه في ثراه!!

وقلتُ الهوى لم يضع. . إنما ... أضاعت خطاها إليه فتاه

تعالى نسرْ في خضم العذاب ... وزورقنا ساخر من أساه

تعالى نواصل سرى العاشقين ... ونركب جنون الصبا للحياه

ونمشي. . ونمشي. . إلى أن نزول ... ويلقفنا سكرة منّهاه

فإن ساورتنا رياح الزمان ... دفنا أساها بنار الشفاه

تعالى نحلق بهذا العذاب ... ونمضِ إلى كل أفق نراه

تعالى فإني لمحت الوجود ... بعينيك حيران تعوى رباه خمائله باكيات الظلال ... وغدراته ظامئات المياه

ونوح نجفنيك شاجي الأنين ... عبرت الدجى مطرقاً في صداه

وليل بصدرك خابي النجوم ... صفير الأعاصير أشقى دجاه

سمعت الخيانة في غابه ... وحياتها تستفز الرقاه

تدب إلى كل أيك رطيب ... وتُجري مهالكها في ثراه!

وجنات شوق رطاب اللهيب ... قريبات عهد بسحر الإله

بجنبيك فضت أفانينها ... شواظاً من العطر يبكي شذاه

لهن أرتجاس تبيد الذنوب ... إذا وسوست شهقة في حماه

وفيهن مهوى ضلال السنين ... إذا أزهقت شارداً في هواه

وبحر من التيه نائى الضفاف ... تلاشى وأوغل بي شاطئاه

عبرنا بأمواجه اللاهثات ... عذاباً تضلّ الليالي سُراه

على زورق رافضي الشراع ... تلجلج في عاصف ثم تاه. . .

وتهنا به في خضم حزين ... جفا الفلك تياره وأشهاه!

تعالي فإني مناد غريب ... على قمة لم تقم في حياه

عبرت الليالي بناد شجي ... وقلب شقي طغت علّتاه!

فهيا نغني لهذا الرماد ... وحلماً عميقاً يناغي كراه!

تعالي. . . فما في حياة العباد ... لأمثالنا غير تلك الصلاه!

محمود حسن إسماعيل